موسوعة الأخلاق والسلوك

سادسًا: حُكمُ التَّقليدِ


يختَلِفُ حُكمُ مَن قلَّد غيرَه وصار تابعًا له، بحَسَبِ ما قلَّده فيه وتابَعَه عليه؛ إن كان كُفرًا كان تقليدُه له كُفرًا، وإن كان بِدعةً صار فِعلُه بِدعةً، وإن كان فِسقًا كان فِعلُه فِسقًا، وهكذا، وذلك إذا تحقَّقت الشُّروطُ وانتفت الموانِعُ في جميعِ ذلك.
ويجوزُ التَّقليدُ من العامِّيِّ لعالمٍ أهلٍ للفُتيا في نازلةٍ نَزَلت به [1958] قال الشِّنقيطيُّ: (أمَّا التَّقليدُ الجائزُ الذي لا يكادُ يخالِفُ فيه أحَدٌ من المُسلِمين، فهو تقليدُ العامِّيِّ عالِمًا أهلًا للفُتيا في نازلةٍ نَزَلت به، وهذا النَّوعُ من التَّقليدِ كان شائعًا في زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا خِلافَ فيه؛ فقد كان العامِّيُّ يسألُ مَن شاء من أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن حُكمِ النَّازلةِ تَنزِلُ به، فيُفتيه، فيَعمَلُ بفُتياه. وإذا نزَلَت به نازلةٌ أُخرى لم يرتَبِطْ بالصَّحابيِّ الذي أفتاه أوَّلًا، بل يسأَلُ عنها مَن شاء من أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ يعمَلُ بفُتياه. قال القَرافيُّ: انعقد الإجماعُ على أنَّ من أسلَم فله أن يُقَلِّدَ مَن شاء من العُلَماءِ من غيرِ حَجْرٍ. وأجمَع الصَّحابةُ على أنَّ من استفتى أبا بكرٍ وعُمَرَ وقَلَّدَهما، فله أن يستفتيَ أبا هُرَيرةَ ومعاذَ بنَ جَبَلٍ وغَيرَهما، ويعمَلَ بقَولِهم بغيرِ نكيرٍ. فمَن ادَّعى رَفْعَ هذين الإجماعينِ، فعليه الدَّليلُ، انتهى محَلُّ الغَرضِ منه. وما ذَكَره من انعقادِ الإجماعَينِ صحيحٌ، كما لا يخفى، فالأقوالُ المخالِفةُ لهما من متأخِّري الأصوليِّين كلُّها مخالِفةٌ للإجماعِ. وبعضُ العُلَماءِ يقولُ: إنَّ تقليدَ العامِّيِّ المذكورَ للعالِمِ وعَمَلَه بفُتياه من الاتِّباعِ لا من التَّقليدِ. والصَّوابُ: أنَّ ذلك تقليدٌ مشروعٌ مُجمَعٌ على مشروعيَّتِه). ((أضواء البيان)) (7/306). .
قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (فإنَّ العامَّةَ لا بُدَّ لها من تقليدِ عُلَمائِها عِندَ النَّازلةِ تَنزِلُ بها؛ لأنَّها لا تتبيَّنُ موقِعَ الحُجَّةِ ولا تَصِلُ؛ لعَدَمِ الفَهمِ إلى عِلمِ ذلك؛ لأنَّ العِلمَ دَرَجاتٌ لا سبيلَ منها إلى أعلاها إلَّا بنَيلِ أسفَلِها، وهذا هو الحائِلُ بَيْنَ العامَّةِ وبَينَ طَلَبِ الحُجَّةِ، واللهُ أعلَمُ، ولم تختَلِفِ العُلَماءُ أنَّ العامَّةَ عليها تقليدُ علمائِها، وأنَّهم المرادون بقولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 43] ...) [1959] ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/ 989). .

انظر أيضا: