موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ مِن وَقارِ السَّلَفِ والعُلَماءِ ورَزانتِهم


مُصعَبُ بنُ الزُّبَيرِ:
قال عُبَيدُ اللهِ بنُ قَيسِ الرُّقَيَّاتِ في مُصعَبِ بنِ الزُّبَيرِ:
له خُلُقٌ يُنَزِّهُه كريمٌ
عن الفَحشاءِ والفِعلِ المَعيبِ
وفيه سَماحةٌ ووَقارُ هَدْيٍ
مع العِلمِ المُزَيِّنِ للأديبِ
وأحَيى من مُخَدَّرةٍ [9820] جاريةٌ مُخَدَّرةٌ: إذا أُلزِمَت الخِدرَ. ((لسان العرب)) لابن منظور (4/ 231). حياءً
وأشجَعُ من أسامةَ في الحُروبِ [9821] ((مضاهاة أمثال كليلة ودمنة)) لمحمد بن الحسين اليمني (ص: 83).
الإمامُ مالِكُ بنُ أَنَسٍ:
قال ابنُ المبارَكِ يمدَحُ الإمامَ مالِكًا:
يأبى الجوابَ فما يُراجَعُ هَيبةً
والسَّائِلون نواكِسُ الأذقانِ
أدَبُ الوَقارِ وعِزُّ سُلطانِ التُّقى
فهْوُ الأميرُ وليس ذا سُلْطانِ [9822] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 88)، ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/226). وقد نُسِب البيتانِ أيضًا لغيرِ ابنِ المبارَكِ. يُنظَر: ((حلية الأولياء)) (6/ 318)، ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) للخطيب البغدادي (1/ 184)، ((سير أعلام النبلاء)) (8/ 113).
الشَّاطبيُّ مُصَنِّفُ ((الشَّاطبيَّةِ)):
قال ابنُ كَثيرٍ: (كان دَيِّنًا خاشِعًا ناسِكًا كثيرَ الوَقارِ، لا يتكَلَّمُ فيما لا يعنيه) [9823] ((البداية والنهاية)) (13/13). .
مِسعَرُ بنُ كِدامٍ:
أنشَدَ عبدُ اللهِ بنُ محمَّدِ بنِ عُبَيدٍ، في مِسعَرِ بنِ كِدامٍ:
من كان ملتَمِسًا جليسًا صالحًا
فليَأتِ حَلقةَ مِسعَرِ بنِ كِدامِ
فيها السَّكينةُ والوَقارُ وأهلُها
أهلُ العَفافِ وعِليةُ الأقوامِ [9824] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (7/ 219).
أحمدُ بنُ حَنبَلٍ:
 قال أبو بَكرٍ المَرُّوذيُّ عن أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ: (لم أرَ الفقيرَ في مجلِسٍ أعَزَّ منه في مجلِسِ أحمَدَ؛ كان مائِلًا إليهم، مُقصِرًا عن أهلِ الدُّنيا، وكان فيه حِلمٌ، ولم يكُنْ بالعَجولِ، وكان كثيرَ التَّواضُعِ، تعلوه السَّكينةُ والوقارُ، وإذا جلَس في مجلِسِه بعدَ العَصرِ للفُتيا لا يتكَلَّمُ حتَّى يُسأَلَ، وإذا خرج إلى مسجدِه لم يتصَدَّرْ، يقعُدُ حيثُ انتهى به المجلِسُ، وكان لا يمُدُّ قَدَمَه في المجلِسِ، ويُكرِمُ جليسَه، وكان حَسَنَ الخُلُقِ، دائِمَ البِشرِ، لَيِّنَ الجانِبِ، ليس بفَظٍّ ولا غليظٍ) [9825] ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي (ص: 298). .
وقال أبو داودَ السِّجِسْتانيُّ: (لَقِيتُ مِئَتَينِ من مشايخِ العِلمِ، فما رأيتُ مِثلَ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ؛ لم يكُنْ يخوضُ في شيءٍ ممَّا يخوضُ فيه النَّاسُ من أمرِ الدُّنيا، فإذا ذُكِر العِلمُ تكَلَّمَ) [9826] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (9/164). .
وعن أبي جَعفَرٍ قال: (كان أحمَدُ مِن أحيَى النَّاسِ وأكرَمِهم، وأحسَنِهم عِشرةً وأدَبًا، كثيرَ الإطراقِ، لا يُسمَعُ منه إلَّا المُذاكَرةُ للحديثِ، وذِكرُ الصَّالحينَ في وَقارٍ وسُكونٍ، ولَفظٍ حَسَنٍ، وإذا لَقِيَه إنسانٌ بَشَّ به، وأقبَل عليه، وكان يتواضَعُ للشُّيوخِ شديدًا، وكانوا يُعَظِّمونَه) [9827] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (11/318). .
عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ الدَّارِميُّ:
 قال الخَطيبُ البَغداديُّ في ترجمةِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ الدَّارِميِّ صاحِبِ (المُسنَدِ): (كان أحَدَ الرَّحَّالينَ في الحديثِ، والموصوفين بجَمعِه وحِفظِه والإتقانِ له، مع الثِّقةِ والصِّدقِ والوَرَعِ والزُّهدِ، واستُقضِيَ على سَمَرْقَندَ فأبى، فألحَّ عليه السُّلطانُ حتَّى تقَلَّدَه، وقضى قضيَّةً واحدةً، ثمَّ استعفى فأُعفِيَ، وكان على غايةِ العَقلِ، وفي نهايةِ الفَضلِ، يُضرَبُ به المثَلُ في الدِّيانةِ، والحِلمِ، والرَّزانةِ، والاجتِهادِ، والعِبادةِ، والتَّقلُّلِ والزَّهادةِ) [9828] ((تاريخ بغداد)) (11/ 209). .
أبو طاهِرٍ الواعِظُ:
 قال الخطيبُ البَغداديُّ في ترجمةِ أبي طاهِرٍ الواعِظِ محمَّدِ بنِ عَليِّ بنِ محمَّدِ بنِ يوسُفَ، المعروفِ بابنِ العَلَّافِ: (كَتبتُ عنه، وكان صَدوقًا مستورًا، ظاهِرَ الوَقارِ، حَسَنَ السَّمتِ، جميلَ المذهَبِ) [9829] ((تاريخ بغداد)) (4/ 173). .
ابنُ رُشدٍ الجَدُّ:
- قال ابنُ بَشْكُوالَ في ترجمةِ ابنِ رُشدٍ الجَدُّ: (كان فقيهًا عالِمًا حافِظًا للفِقهِ، مُقَدَّمًا فيه على جميعِ أهلِ عَصرِه، عارِفًا بالفتوى على مذهَبِ مالِكٍ وأصحابِه، بصيرًا بأقوالِهم واتِّفاقِهم واختلافِهم، نافذًا في عِلمِ الفرائِضِ والأصولِ، من أهلِ الرِّياسةِ في العِلمِ، والبراعةِ والفَهمِ، مع الدِّينِ والفَضلِ، والوَقارِ والحِلمِ، والسَّمتِ الحسَنِ، والهَدْيِ الصَّالحِ) [9830] ((الصلة في تاريخ أئمة الأندلس)) (ص: 546). .
أبو الحَسَنِ بنُ مُفَوِّزٍ:
- وقال الذَّهَبيُّ في ترجمةِ أبي الحَسَنِ بنِ مُفَوِّزٍ: (كان فَهِمًا ذَكيًّا، إمامًا، من أوعيةِ العِلمِ، وفُرسانِ الحديثِ، وأهلِ الإتقانِ والتَّحريرِ، مع الفضلِ والوَرَعِ، والتَّقوى والوَقارِ والسَّمتِ) [9831] ((سير أعلام النبلاء)) (19/ 88). .
الموفَّقُ ابنُ قُدامةَ:
قال ابنُ النَّجَّارِ في ترجمةِ المُوَفَّقِ ابنِ قُدامةَ: (كان إمامَ الحنابلةِ بجامِعِ دِمَشقَ، وكان ثقةً، حجَّةً، نبيلًا، غزيرَ الفَضلِ، نَزِهًا، وَرِعًا، عابِدًا، على قانونِ السَّلَفِ، عليه النُّورُ والوَقارُ، ينتَفِعُ الرَّجُلُ برؤيتِه قبلَ أن يَسمَعَ كَلامَه) [9832] يُنظَر: ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (13/ 602)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (22/ 167)، ((ذيل طبقات الحنابلة)) لابن رجب (3/ 284). .
عبدُ القَويِّ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ الحُسَينِ التَّميميُّ:
- قال ابنُ الحاجِبِ في ترجمةِ عبدِ القَويِّ بنِ عبدِ العزيزِ بنِ الحُسَينِ التَّميميِّ: (له من الوَقارِ والهَيبةِ ما لم يُعرَفْ لغيرِه، وكان ذا حِلمٍ وأناةٍ وصَمتٍ، وَلِيَ ولاياتٍ أبان فيها عن أمانةٍ ونزاهةٍ، وكان كثيرَ اللُّطفِ... وهو أنبَلُ شَيخٍ وجَدْتُه بمصرَ روايةً ودرايةً... وكان طويلَ الرُّوحِ على السَّماعِ، كنَّا نُسَمِّعُ عليه من الصُّبحِ إلى العَصرِ. وما رأيتُ في رِحلتي شيخًا له خمسٌ وثمانون سنةً أحسَنَ هَدْيًا وسَمتًا واستقامةً منه، ولا أحسَنَ كلامًا، ولا أظرَفَ إيرادًا منه؛ فلقد كان جَمالًا للدِّيارِ المِصريَّةِ) [9833] يُنظَر: ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (13/ 671، 672)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (22/ 244، 245). .
ابنُ يَعيشَ:
جاء في ترجمةِ العلَّامةِ النَّحْويِّ يعيشَ بنِ عليِّ بنِ يعيشَ: (كان طويلَ الرُّوحِ، حَسَنَ التَّفَهُّمِ، طويلَ الباعِ في النَّقلِ، ثِقةً علَّامةً كَيِّسًا، طَيِّبَ المُزاحِ، حُلوَ النَّادِرةِ، مع وَقارٍ ورزانةٍ) [9834] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (23/ 145). .
ابنُ تَيميَّةَ:
لابنِ تَيميَّةَ مواطِنُ كثيرةٌ أظهَرَ فيها رزانَتَه وحِكمتَه؛ منها ما ذكَرَه ابنُ كَثيرٍ، قال: (وسِمعتُ الشَّيخَ تَقيَّ الدِّينِ يَذكُرُ ما كان بَينَه وبَينَ السُّلطانِ من الكلامِ لمَّا انفردا في ذلك الشُّبَّاكِ الذي جلسَا فيه، وأنَّ السُّلطانَ استفتى الشَّيخَ في قتلِ بَعضِ القُضاةِ بسَبَبِ ما كانوا تكلَّموا فيه، وأخرج له فتاوى بعضِهم بعَزلِه من المُلكِ ومبايعةِ الجاشَنْكيرِ، وأنَّهم قاموا عليك وآذَوك أنت أيضًا، وأخذ يحثُّه بذلك على أن يُفتيَه في قَتلِ بعضِهم، وإنَّما كان حَنَقُه عليهم بسَبَبِ ما كانوا سَعَوا فيه من عزلِه ومبايعةِ الجاشَنْكِيرِ، ففهم الشَّيخُ مُرادَ السُّلطانِ، فأخذ في تعظيمِ القضاةِ والعُلماءِ، ويُنكِرُ أن ينالَ أحدًا منهم سُوءٌ، وقال له: إذا قتَلْتَ هؤلاء لا تجِدُ بَعدَهم مِثْلَهم، فقال له: إنَّهم قد آذوك وأرادوا قَتْلَك مرارًا! فقال الشَّيخُ: من آذاني فهو في حِلٍّ، ومن آذى اللهَ ورسولَه فاللهُ ينتَقِمُ منه، وأنا لا أنتَصِرُ لنفسي. وما زال به حتى حَلُمَ عنهم السُّلطانُ وصَفَح) [9835] ((البداية والنهاية)) (18/ 94). .
فانظُر إلى تلك الرَّزانةِ التي تُظهِرُ حِكمةَ ابنِ تَيميَّةَ، وكيف تعامَلَ مع مَن سعى في سَجنِه، وأراد الشَّرَّ به، وكيف اشتمَلَ رَدُّه على حِلمِه وتعقُّلِه، ونظَرِه في مصلحةِ الخَلقِ، وتَركِه الانتصارَ لنَفسِه؟!

انظر أيضا: