موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- نماذِجُ من النَّظافةِ عِندَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ


لم تكُنْ رسالةُ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ تتعَلَّقُ بنظافةِ الأخلاقِ وتطهيرِ الاعتقاداتِ من الباطِلِ فحَسبُ، وإنما اعتنَوا أيضًا بالنَّظافةِ البَدَنيَّةِ في أنفُسِهم، ودَعَوا إلى التَّطهُّرِ من النَّجاساتِ والقاذوراتِ الحِسِّيَّةِ كذلك.
- إبراهيمُ عليه السَّلامُ يمتَثِلُ أمرَ رَبِّه بتطهيرِ البيتِ الحرامِ وتنظيفِه من الأوساخِ الحِسِّيَّةِ والمعنَويَّةِ:
قال تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج: 26] .
(أي: اذكُرْ يا رسولَنا لقَومِك المنتَسِبين إلى إبراهيمَ باطِلًا وزورًا؛ حيثُ كان موحِّدًا وهم مُشرِكون، اذكُرْ لهم كيف بوَّأه رَبُّه مكانَ البيتِ ليَبنيَه ويرفَعَ بناءَه؟ وكيف عَهِد اللهُ إليه ووصَّاه بأن يُطَهِّرَه من الأقذارِ الحِسِّيَّةِ كالنَّجاساتِ من دماءٍ وأوساخٍ، والمعنويَّةِ كالشِّركِ والمعاصي وسائِرِ الذُّنوبِ؟) [9355] ((أيسر التفاسير)) لأبي بكر الجزائري (3/468). .
- إبراهيمُ عليه السَّلامُ واختتانُه وهو ابنُ ثمانينَ سَنةً، فكان أوَّلَ من سَنَّ هذه السُّنَّةَ في نظافةِ البَدَنِ:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اختَتَن إبراهيمُ عليه السَّلامُ وهو ابنُ ثمانينَ سَنةً بالقَدُومِ [9356] قال ابنُ حَجَرٍ: (قال الماوَرديُّ: القَدُومُ جاء مخفَّفًا ومُشدَّدًا، وهو الفأسُ الذي اختتَن به، وذهب غيرهُ إلى أنَّ المرادَ به مكانٌ يُسَمَّى القَدُّومَ، وقال أبو عُبَيدٍ الهَرَويُّ في "الغريبين": يُقالُ: هو كان مَقيلَه، وقيل: اسمُ قريةٍ بالشَّامِ، وقال أبو شامةَ هو موضِعٌ بالقُربِ من القريةِ التي فيها قَبرُه، وقيل: بقُربِ حَلَبٍ، وجَزَم غيرُ واحدٍ أنَّ الآلةَ بالتخفيفِ، وصَرَّح ابنُ السِّكِّيتِ بأنَّه لا يُشَدَّدُ، وأثبت بعضُهم الوجهَينِ في كُلٍّ منهما). ((فتح الباري)) (10/342). ) [9357] أخرجه البخاري (3356) واللفظ له، ومسلم (2370). .
قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (أجمع العُلَماءُ على أنَّ إبراهيمَ أوَّلُ من اختَتَن، وقال أكثَرُهم: الختانُ من مؤكَّدات سُنَنِ المُرسَلين، ومن فِطرةِ الإسلامِ التي لا يَسَعُ تركُها في الرِّجالِ) [9358] ((التمهيد)) (21/59). .
وعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الفِطرةُ خَمسٌ -أو خمسٌ من الفطرةِ-: الختانُ، والاستحدادُ، ونَتفُ الإبْطِ، وتقليمُ الأظفارِ، وقَصُّ الشَّاربِ)) [9359] أخرجه البخاري (5889) ومسلم (257). .
ويكونُ الختانُ في الذُّكورِ بقَطعِ القُلفةِ السَّاترةِ لحشَفةِ الذَّكَرِ فقط، ولأن بقاءَ قُلفةِ الرَّجُلِ دونَ ختانٍ يحبِسُ النَّجاسةَ، ويمنعُ صِحَّةَ الصَّلاةِ، فتجِبُ إزالتُها، ففي الختانِ مزيدُ الطَّهارةِ والنَّظافةِ [9360] يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 342)، ((مجموع فتاوى)) ابن باز (4/ 423)، ((فتاوى اللجنة الدائمة - 2)) (4/ 42). .
- لوطٌ عليه السَّلامُ ودعوتُه قَومَه للطَّهارةِ:
قال تعالى: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [الأعراف: 80 - 82] .
قولُه: إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ قال الخازنُ: (يعني: أنَّهم أناسٌ يتنزَّهون عن فِعلِكم وعن أدبارِ الرِّجالِ؛ لأنَّها موضِعُ النَّجاسةِ، ومَن تَرَكها فقد تطَهَّر، وقيل: إنَّ البُعدَ عن المعاصي والآثامِ يُسَمَّى طهارةً، فمن تباعَدَ عنهما فقد تطهَّر؛ فلهذا قال: إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ أي: مِن فِعلِ المعاصي والآثامِ) [9361] ((لباب التأويل في معاني التنزيل)) (2/ 226). .
وقال تعالى: وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود: 78] .
هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ: أي فتزَوَّجوا بهنَّ، هن أنظَفُ وأشرَفُ لكم، وليس فيما دأبتُم عليه من إتيانِ الرِّجالِ شَهوةً من دونِ النِّساءِ شيءٌ من الطُّهرِ؛ فالنَّظافةُ والطَّهارةُ في التَّزوُّجِ بالنِّساءِ، والدَّنَسُ والخُبثُ في إتيانِ الذُّكرانِ من العالَمين) [9362] ((التفسير الوسيط)) لمجموعة من العلماء (4/228). .

انظر أيضا: