موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- نماذِجُ من المُروءةِ عِندَ الأنبياءِ والمُرسَلين


أنبياءُ اللهِ ورُسُلُه عليهم السَّلامُ أعظَمُ الخَلقِ نُبلًا وشَرَفًا، وأكثَرُهم دعوةً إلى مكارمِ الأخلاقِ وحَثًّا عليها وعمَلًا بها، وهم أصحابُ المروءاتِ، فهم أهلُ الكَرَمِ والحِلمِ والإحسانِ والشَّهامةِ، وهم أحقُّ بكُلِّ فضيلةٍ وأولى بكُلِّ مكرُمةٍ.  
مُروءةُ إبراهيمَ عليه السَّلامُ:
ومن مظاهرِ مروءتِه عليه السَّلامُ ما اتَّصف به من كَرَمٍ وشهامةٍ مع أضيافِه، وقد بَيَّنَ سُبحانَه اتِّصافَ إبراهيمَ عليه السَّلامُ بهذه الصِّفةِ بما أورده في كتابِه عنه في وصفِ استقبالِه للضَّيفِ.
قال تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ [الذاريات: 24 - 27].
فقد وصَف اللهُ ضيفَه بأنَّهم مُكرَمون، وكان ذلك بألوانٍ من الإكرامِ تَظهَرُ في أقوالِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ وأفعالِه معهم؛ فقد أسرع في إحضارِ الضِّيافةِ، وكان ما جاءهم به من الطَّعامِ عِجلًا سمينًا، ثمَّ قرَّب الطَّعامَ إليهم، ودعاهم إلى تناوُلِه. وكُلُّ ذلك من دلائِلِ مروءتِه وكَرَمِه عليه السَّلامُ. 
مُروءةُ موسى عليه السَّلامُ:
من مظاهِرِ المُروءةِ عِندَ نبيِّ اللهِ موسى عليه السَّلامُ: مسارعتُه إلى نُصرةِ الرَّجُلِ الذي من شيعتِه حينَ استنصره واستغاث به.
قال تعالى: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ [القصص: 15] .
ومن مظاهِرِ مروءتِه عليه السَّلامُ سقيُه للمرأتينِ وإحسانُه إليهما دونَ سابِقِ مَعرفةٍ أو طَلَبٍ للأُجرةِ.
قال تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص: 23 - 24] .
مُروءةُ لوطٍ عليه السَّلامُ:
ومن مظاهِرِ مروءتِه عليه السَّلامُ ذلك الحوارُ الذي جرى بينه وبينَ قومِه، وحاول فيه أن يرُدَّهم عن مرادِهم الخبيثِ عِفَّةً منه ومُروءةً.
قال تعالى: وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود: 78] .
(فإنَّه إذا خَزِي ضيفُ الرَّجُلِ أو جارُه فقد خَزِيَ الرَّجُلُ، وذلك من عراقةِ الكَرَمِ وأصالةِ المُروءةِ) [8457] ((مدارك التنزيل وحقائق التأويل)) للنسفي (2/75). .
ومِن مظاهِرِ مروءتِه عليه السَّلامُ حِفظُه جميلَ العزيزِ وإحسانَه إليه؛ والامتناعُ عن خيانتِه. قال تعالى: وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف: 23] .
(إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ أي: إنَّ هذا الفِعلَ فوقَ أنَّه عِصيانٌ للهِ، وتَعَدٍّ لحدودهِ، هو خيانةٌ للمُروءةِ، وإنكارٌ لإحسانِ هذا السَّيِّدِ الذي ربَّاه) [8458] ((التفسير القرآني للقرآن)) لعبد الكريم يونس الخطيب (6/1253). .

انظر أيضا: