موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- عِندَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم


1- عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (كان أوَّلَ من أظهَرَ إسلامَه سَبعةٌ: رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأبو بكرٍ، وعَمَّارٌ، وأُمُّه سُمَيَّةُ، وصُهَيبٌ، وبلالٌ، والمِقدادُ؛ فأمَّا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فمنَعَه اللهُ بعَمِّه أبى طالبٍ، وأمَّا أبو بكرٍ فمَنَعه اللهُ بقومِه، وأمَّا سائِرُهم فأخذَهم المُشرِكون، وألبسوهم أدراعَ الحديدِ، وصَهَروهم في الشَّمسِ، فما منهم من أحدٍ إلَّا وقد واتاهم [6658]واتاهم: يقالُ: واتاه على الأمرِ: طاوَعَه، والمُواتاة: حُسنُ المطاوعةِ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (2/588). على ما أرادوا، إلَّا بلالًا؛ فإنَّه قد هانت عليه نفسُه في اللهِ، وهان على قومِه؛ فأخَذوه فأعطَوه الوِلدانَ فجَعَلوا يطوفون به في شِعابِ مكَّةَ، وهو يقولُ:أَحَدٌ أَحَدٌ) [6659]رواه ابنُ ماجه (150) واللفظ له، وأحمد (3832). صحَّحه ابن حبان (7083)، والذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (1/217)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (150)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (863)، وصحَّح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (5238)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/319)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (3832). .
قال السُّيوطيُّ: (قد وافقوا المُشرِكين على ما أرادوا منهم تَقِيَّةً، والتَّقيَّةُ في مِثلِ هذه الحالِ جائزةٌ؛ لقَولِه تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [النحل: 106] ، والصَّبرُ على أذاهم مُستحَبٌّ، وقد عَمِلوا على الرُّخصةِ، وعَمِلَ بلالٌ على العَزيمةِ) [6660]((شرح سنن ابن ماجه)) (1/14). .
قال ابنُ الجوزيِّ: (ولولا جِدُّ أنَسِ بنِ النَّضرِ في تركِ هَواه، وقد سمِعْتَ مِن أثَرِ عَزمتِه:لَئِنْ أشهَدَني اللهُ مَشهدًا ليَرَينَّ اللهُ ما أصنعُ، فأقبَلَ يوَم أحُدٍ يقاتِلُ حتَّى قُتِل، فلم يُعرَفْ إلَّا ببَنانِه [6661]يُنظَر: ما أخرجه البخاري (2805) ومسلم (1903) من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. ، فلولا هذا العَزمُ ما كان انبساطُ وجهِه يومَ حَلَف: واللهِ لا تُكسَرُ سِنُّ الرُّبَيِّعِ [6662]يُنظَر: ما أخرجه البخاري (2703) ومسلم (1675) من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. [6663]((صيد الخاطر)) (ص: 139). .
2- عن زيدِ بنِ ثابتٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أمرني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن أتعلَّمَ له كتابَ يهودَ، قال: إنِّي واللهِ ما آمَنَ يهودَ على كتابٍ.قال: فما مرَّ بي نصفُ شَهرٍ حتى تعلَّمْتُه له، قال: فلمَّا تعلَّمْتُه كان إذا كتَب إلى يهودَ كَتَبتُ إليهم، وإذا كتَبوا إليه قرأتُ له كتابَهم)) [6664]رواه البخاريُّ مُعلَّقًا بصيغة الجزم (7195)، ورواه موصولًا أبو داود (3645)، والترمذي (2715) واللفظ له. صحَّحه الترمذي، والحاكم في ((المستدرك)) (252)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3645)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3645). .
3- قال أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((لمَّا تُوُفِّيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستُخلِف أبو بكرٍ، وكَفَر من كَفَر من العَرَبِ، قال عُمَرُ: يا أبا بكرٍ، كيف تقاتِلُ النَّاسَ، وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أُمِرْتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فمَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فقد عَصَم منِّي مالَه ونَفْسَه إلَّا بحَقِّه، وحِسابُه على اللهِ.
قال أبو بكرٍ: واللهِ لأقاتِلَنَّ من فَرَّق بين الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ، واللهِ لو منَعوني عَناقً كانوا يُؤَدُّونها إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقاتَلْتُهم على مَنْعِها، قال عُمَرُ: فواللهِ ما هو إلَّا أن رأيتُ أنْ قد شرَحَ اللهُ صَدْرَ أبي بكرٍ للقِتالِ، فعَرَفْتُ أنَّه الحَقُّ))
[6665]أخرجه البخاري (6924، 6925)، ومسلم (20) واللفظ له. .
4- قال زيدُ بنُ ثابتٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (أرسل إليَّ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ مَقْتَلَ أهلِ اليَمامةِ، فإذا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عِندَه، قال أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: إنَّ عُمَرَ أتاني فقال: إنَّ القَتلَ قد استحَرَّ يومَ اليمامةِ بقُرَّاءِ القُرآنِ، وإنِّي أخشى أن يَستحِرَّ القَتلُ بالقُرَّاءِ بالمواطِنِ، فيذهَبَ كثيرٌ من القُرآنِ، وإنِّي أرى أن تأمُرَ بجَمعِ القُرآنِ. قُلتُ لعُمَرَ: كيف نفعَلُ شيئًا لم يفعَلْه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال عُمَرُ: هذا -واللهِ- خيرٌ، فلم يَزَلْ عُمَرُ يراجِعُني حتى شرح اللهُ صدري لذلك، ورأيتُ في ذلك الذي رأى عُمَرُ. قال زيدٌ: قال أبو بكرٍ: إنَّك رجلٌ شابٌّ عاقِلٌ لا نتَّهِمُك، وقد كنتَ تكتُبُ الوَحيَ لرَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتَتَبَّعِ القُرآنَ فاجمَعْه، فواللهِ لو كلَّفوني نَقلَ جَبَلٍ مِن الجِبالِ ما كان أثقَلَ عَلَيَّ ممَّا أمرني به في جمعِ القُرْآنِ! قُلتُ: كيف تفعلونَ شيئًا لم يفعَلْه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: هو -واللهِ- خيرٌ، فلم يَزَلْ أبو بَكرٍ يراجِعُني حتى شرح اللهُ صدري لِلذي شرح له صدرَ أبي بكرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، فقُمتُ فتتَّبَعْتُ القرآنَ أجمَعُه من العُسُبِ واللِّخافِ وصُدورِ الرِّجالِ) [6666]أخرجه البخاري (4986). .
6- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (مات ابنٌ لأبي طلحةَ من أمِّ سُلَيمٍ، فقالت لأهلِها: لا تُحَدِّثوا أبا طلحةَ بابنِه حتَّى أكونَ أنا أحَدِّثُه، قال: فجاء فقَرَّبت إليه عشاءً، فأكل وشَرِب، فقال: ثمَّ تصَنَّعَت له أحسَنَ ما كان تَصنَّعُ قبلَ ذلك، فوَقَع بها، فلمَّا رأت أنَّه قد شَبِع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحةَ أرأيتَ لو أنَّ قومًا أعاروا عاريَّتَهم أهلَ بَيتٍ، فطَلَبوا عاريَّتَهم، ألهم أن يمنَعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتَسِبِ ابنَك، قال: فغَضِب، وقال: تركْتِني حتَّى تلطَّخْتُ، ثمَّ أخبَرْتِني بابني! فانطلق حتى أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخبره بما كان، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بارَك اللهُ لكما في غابِرِ ليلَتِكما) [6667]أخرجه مسلم (2144). .
فيه: بيانُ حالِ أمِّ سُلَيمٍ من التَّجلُّدِ وجَودةِ الرَّأيِ وقُوَّةِ العَزمِ [6668]((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 171). .
7-عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال: (لمَّا قُبِض رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قُلتُ لرجُلٍ من الأنصارِ: هَلُمَّ فلْنَسألْ أصحابَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّهم اليومَ كثيرٌ، فقال: واعجَبًا لك يا ابنَ عبَّاسٍ! أترى النَّاسَ يفتَقِرون إليك وفي النَّاسِ مِن أصحابِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن فيهم؟! قال: فتركتُ ذاك وأقبلتُ أسألُ أصحابَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإن كان يبلُغُني الحديثُ عن الرَّجُلِ فآتي بابَه وهو قائِلٌ فأتوسَّدُ ردائي على بابِه يَسفي الرِّيحُ عَلَيَّ من التَّرابِ، فيخرُجُ فيراني فيقولُ: يا ابنَ عَمِّ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما جاءَ بك؟ هلَّا أرسَلْتَ إليَّ فآتيَك؟ فأقول: لا، أنا أحَقُّ أن آتيَك، قال: فأسألُه عن الحديثِ، فعاش هذا الرَّجُلُ الأنصاريُّ حتَّى رآني وقد اجتمَع النَّاسُ حولي يسألوني، فيقولُ: هذا الفتى كان أعقَلَ منِّي) [6669] أخرجه الدارمي (570)، والطبراني (10/300) (10592)، والحاكم (363) واللفظ له. صححه الحاكم على شرط البخاري، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سير أعلام النبلاء)) (3/343)، ووثَّق رجالَه البوصيريُّ في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (1/212)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/280): رجالُه رجالُ الصَّحيحِ. ورُوِيَ بلفظ: عن أبي سَلَمةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ، قال: وجدتُ عامَّةَ عِلمِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عندَ هذا الحيِّ من الأنصارِ فإن كنتُ لآتي بابَ أحَدِهم فأقيلُ بابَه، ولو شئتُ أن يؤذَنَ لي عليه لآذَنَ لي بقرابتي من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولكني كنتُ أبتغي بذلك طِيبَ نَفسِه. رواه زهير في ((العلم)) (133)، والفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) (1/540)، والبيهقي في ((المدخل إلى السنن)) (674) واللفظ له وجوَّد إسناده الألباني في ((العلم)) (133) .
8- وعن أنَسِ بنِ مالِكٍ، قال: بَعَث رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بُسَيسةً عينًا ينظُرُ ما صنَعَتْ عِيرُ أبي سفيانَ، فجاء وما في البيتِ أحَدٌ غيري وغيرُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -قال: لا أدري ما استثنى بعضَ نِسائِه- قال: فحدَّثه الحديثَ، قال: فخرج رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فتكَلَّم، فقال: ((إنَّ لنا طَلِبةً، فمن كان ظَهرُه حاضِرًا فليركَبْ معنا))، فجَعلَ رِجالٌ يستَأذِنونَه في ظُهْرانِهم في عُلوِ المَدينةِ، فقال: ((لا، إلَّا مَن كان ظَهرُه حاضِرًا»، فانطَلَقَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه حتَّى سَبَقوا المُشرِكينَ إلى بَدرٍ، وجاءَ المُشرِكونَ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا يُقَدِّمَنَّ أحَدٌ مِنكم إلى شَيءٍ حتَّى أكونَ أنا دونَه، فدَنا المُشرِكونَ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قوموا إلى جَنَّةٍ عَرضُها السَّمَواتُ والأرضُ، قال: -يقولُ عُمَيرُ بنُ الحُمامِ الأنصاريُّ:- يا رَسولَ اللَّهِ، جَنَّةٌ عَرضُها السَّمَواتُ والأرضُ؟! قال: نَعَمْ، قال: بَخْ بَخْ! فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما يحمِلُك على قَولِك: بَخْ بَخْ؟! قال: لا واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ، إلَّا رجاءةَ أن أكونَ مِن أهلِها، قال: فإنَّك مِن أهلِها! فأخرَجَ تَمَراتٍ مَن قَرَنِه، فجَعَلَ يأكُلُ مِنهنَّ، ثُمَّ قال: لَئِنْ أنا حَيِيتُ حتَّى آكُلَ تمراتي هذه إنَّها لحَياةٌ طَويلةٌ! قال: فرَمى بما كان مَعَه مِنَ التَّمرِ، ثُمَّ قاتَلَهم حتَّى قُتِلَ!)) [6670] أخرجه مسلم (1901). .

انظر أيضا: