موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- نماذِجُ من الشَّهامةِ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


كان للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّصيبُ الأوفى من هذه الصِّفةِ، ((وقد فَزِع أهلُ المدينةِ ليلةً سَمِعوا صوتًا، فتلقَّاهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على فَرَسٍ لأبي طلحةَ عُرْيٍ، وهو متقَلِّدٌ سيفَه، فقال: لم تُراعوا، لم تُراعوا، ثمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وجَدْتُه بَحرًا، يعني: الفَرَسَ)) [5465] أخرجه البخاري (3040) واللفظ له، ومسلم (2307) من حديثِ أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه. .
- وعن أبي إسحاقَ قال: ((سأل رجلٌ البراءَ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال: يا أبا عُمارةَ أولَّيتُم يومَ حُنَينٍ؟ قال البراءُ وأنا أسمع: أمَّا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُوَلِّ يومَئذٍ، كان أبو سفيانَ بنُ الحارِثِ آخِذًا بعِنانِ بَغْلَتِه، فلمَّا غَشِيَه المشركون نزل، فجعل يقولُ: أنا النَّبيُّ لا كَذِب، أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ)) [5466] رواه البخاري (3042). .
- وقد ذكَرَت أمُّ المؤمنين خديجةُ رَضِيَ اللهُ عنها صُورًا من شهامتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت: ((إنَّك لتَصِلُ الرَّحِمَ، وتحمِلُ الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقْري الضَّيفَ، وتُعينُ على نوائِبِ الحقِّ)) [5467] أخرجه البخاري (3) واللفظ له، ومسلم (160) من حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. .
قال النَّوويُّ: (أمَّا «الكَلُّ» فهو بفتحِ الكافِ، وأصلُه الثِّقَلُ، ويدخُلُ في حَملِ الكَلِّ: الإنفاقُ على الضَّعيفِ واليتيمِ والعيالِ وغيِر ذلك، وهو من الكَلالِ وهو الإعياءُ، وأمَّا معنى «تكسِبُ المعدومَ» فمن رواه بالضَّمِّ، فمعناه: تُكسِبُ غيرَك المالَ المعدومَ، أي: تعطيه إيَّاه تبرُّعًا، فحذف أحدَ المفعولينِ، وقيل: معناه: تُعطي النَّاسَ ما لا يَجِدونه عندَ غَيرِك من نفائِسِ الفوائِدِ ومكارِمِ الأخلاقِ، وأمَّا روايةُ الفَتحِ فقيل: معناها كمعنى الضَّمِّ، وقيل: معناها: تَكسِبُ المالَ المعدومَ وتُصيبُ منه ما يَعجِزُ غيرُك عن تحصيلِه، ثمَّ تجودُ به في وُجوهِ الخيرِ وأبوابِ المكارِمِ، وأمَّا قولُها: «وتُعينُ على نوائبِ الحَقِّ» فالنَّوائِبُ جمعُ نائبةٍ، وهي الحادثةُ، وإنما قالت: نوائِب الحَقِّ؛ لأنَّ النَّائبةَ قد تكونُ في الخيرِ، وقد تكونُ في الشَّرِّ) [5468] يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (2/201-202). .
قال العُلَماءُ رَضِيَ اللهُ عنهم: (معنى كلامِ خديجةَ رَضِيَ اللهُ عنها: إنَّك لا يصيبُك مَكروهٌ لِما جعل اللهُ فيك من مكارِمِ الأخلاقِ وكَرَمِ الشَّمائِلِ، وذكَرَت ضُروبًا من ذلك، وفي هذا دلالةٌ على أنَّ مكارمَ الأخلاقِ وخِصالَ الخيرِ سببُ السَّلامةِ من مصارعِ السُّوءِ) [5469] ((شرح النووي على مسلم)) (2/202). .
وغيرُها من الآثارِ التي تدُلُّ على شهامةِ المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

انظر أيضا: