موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


1-  عن أبي هُرَيرةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن لا يَشكُرُ النَّاسَ لا يَشكُرُ اللهَ)) [5292] أخرجه أبو داود (4811)، والترمذي (1954) واللفظ له، وأحمد (7939). صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (3407)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (117). .
معناه: أنَّ اللهَ تعالى لا يقبَلُ شُكرَ العَبدِ على إحسانِه إليه إذا كان العَبدُ لا يَشكُرُ إحسانَ النَّاسِ، ويكفُرُ أمرَهم؛ لاتصالِ أحَدِ الأمرَينِ بالآخَرِ، وقيل: معناه: أنَّ من كان عادتُه وطبعُه كُفرانَ نِعمةِ النَّاسِ وتَرْكَ شُكرِه لهم، كان من عادتِه كُفرُ نِعمةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ وتَرْكُ الشُّكرِ له، وقيل: معناه: أنَّ من لا يَشكُرُ النَّاسَ كان كمَن لا يَشكُرُ اللهَ عزَّ وجَلَّ وإنْ شَكَره، كما تقولُ: لا يحِبُّني مَن لا يحِبُّك، أي: أنَّ محبَّتَك مقرونةٌ بمحبَّتي؛ فمَن أحبَّني يحبُّك، ومَن لا يحِبُّك فكأنَّه لم يحِبَّني [5293] يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/ 493، 494)، ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 313). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ أبي ربيعةَ المخزوميِّ رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استسلَفَ منه حينَ غزا حُنَينًا ثلاثين أو أربعين ألفًا، فلمَّا قَدِم قضاها إيَّاه، ثمَّ قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بارَكَ اللهُ لك في أهلِك ومالِك، إنَّما جزاءُ السَّلَفِ الوَفاءُ والحَمْدُ)) [5294] أخرجه النسائي (4683) باختلافٍ يسيرٍ، وابن ماجه (2424)، وأحمد (16410) واللفظ لهما. صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4683)، وصحَّح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (26/ 336)، وحسَّنه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (1/433). .
قولُه: (الوفاءُ) أي: ردُّ بَدَلِ المُقرَضِ وافيًا كامِلًا، (والحمدُ) للمُقرِضِ والشُّكرُ له على قضائِه حاجةَ المقتَرِضِ بالإقراضِ له [5295]  ((شرح سنن ابن ماجه)) محمد الأمين الهرري (14/ 152). .
3- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن استعاذ باللهِ فأعيذوه، ومَن سأل باللهِ فأعطوه، ومَن دعاكم فأجيبوه، ومَن صَنَع إليكم معروفًا فكافِئوه، فإن لم تجِدوا ما تكافِئونه، فادْعوا له حتَّى تَرَوا أنَّكم قد كافَأْتُموه)) [5296] أخرجه أبو داود (1672) واللفظ له، والنسائي (2567)، وأحمد (5365). صحَّحه النووي في ((المجموع)) (6/245)، وابن حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (5/250)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1672)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (744). .
قال الطِّيبيُّ: (المعنى: أنَّ مَن أحسَن إليكم أيَّ إحسانٍ فكافِئوه بمِثلِه، فإنْ لم تقدِروا على ذلك فبالغوا في الدُّعاءِ له جُهدَكم حتَّى تحصُلَ المِثْليَّةُ، ووَجهُ المبالغةِ أنَّه رأى من نفسِه تقصيرًا في المجازاةِ، فأحالها إلى اللهِ تعالى، ونِعْمَ المجازي هو!) [5297] ((شرح المشكاة)) (5/ 1566). . وهذا الحديثُ جامعٌ لأنواعِ الخيرِ من مكارِمِ الأخلاقِ، ومحاسِنِ الآدابِ [5298] ((شرح أبي داود)) للعيني (6/ 424). .
قال ابنُ عثيمين: (المكافأةُ تكونُ بحسَبِ الحالِ؛ من النَّاسِ من تكونُ مكافأتُه أن تعطيَه مثلَ ما أعطاك أو أكثَرَ، ومن النَّاسِ من تكونُ مكافأتُه أن تدعوَ له ولا يرضى أن تكافِئَه بمالٍ؛ فإنَّ الإنسانَ الكبيرَ الذي عندَه أموالٌ كثيرةٌ وله جاهٌ وشَرَفٌ في قومِه إذا أهدى إليك شيئًا فأعطيتَه مِثلَ ما أهدى إليك، رأى في ذلك قُصورًا في حَقِّه، لكِنْ مِثلُ هذا ادعُ اللهَ له، فإنْ لم تجِدوا ما تكافِئونه فادْعوا له حتَّى تَرَوا أنَّكم قد كافَأْتُموه) [5299] ((شرح رياض الصالحين)) (6/ 49). .
4- عن جابِرِ بِن عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من أُعطيَ عطاءً فوجَدَ فلْيَجْزِ به، فإنْ لم يجِدْ فلْيُثنِ به؛ فمَن أثنى به فقد شَكَره، ومن كَتَمه فقد كَفَره)) [5300] أخرجه أبو داود (4813) واللفظ له، والترمذي (2034). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (3415)، وحسَّنه ابنُ حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (5/248)، والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4813)، وحسَّنه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4813). .
قوله: (فوَجَد) أي: كان واجِدًا لِما يكافئُ به، (فلْيَجْزِ به) من الجزاءِ: المجازاةِ والمكافأةِ، وفيه وجوبُ المكافأةِ على الواجِدِ، (ومن لم يَجِدْ) بأن كان مُعدِمًا (فلْيُثنِ) من الثَّناءِ؛ المدحِ لفاعِلِه (به) أي: بسببِ ما أُعطيَ؛ فإنَّ (مَن أثنى فقد شَكَره)، واللهُ يحِبُّ من العبدِ أن يكونَ شاكِرًا؛ فالمكافأةُ شُكرٌ بالفِعلِ، والثَّناءُ شُكرٌ بالقَولِ [5301] ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (10/ 123). .
5- وعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((لمَّا قدِم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ أتاه المُهاجِرونَ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، ما رأينا قومًا أبذَلَ مِن كثيرٍ ولا أحسَنَ مُواساةً مِن قليلٍ مِن قومٍ نزَلْنا بَينَ أظهُرِهم! لقد كفَوْنا المُؤنةَ، وأشرَكونا في المَهنَأِ، حتَّى خِفْنا أن يذهَبوا بالأجرِ كلِّه! فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا، ما دعَوتُم اللهَ لهم، وأثنَيتُم عليهم)) [5302] أخرجه من طرق: أبو داود (4812) مختصرًا، والترمذي (2487) واللفظ له. صحَّحه الترمذي، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (117)، وابن حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (5/249). .
قولُه: ((لا، ما دعوتُم اللهَ لهم وأثنيتُم عليهم))، أي: ليس الأمرُ كما زعمتُم؛ فإنَّكم إذا أثنيتُم عليهم شُكرًا لصنيعِهم، ودمتُم عليه؛ فقد جازيتُموهم [5303] ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (5/ 2012). .

انظر أيضا: