موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ مِن الإصلاحِ عندَ الصَّحابةِ


عليُّ بنُ أبي طالِبٍ وسَعيُه للإصلاحِ بَينَ المُسلِمينَ وجَمعِ كلمتِهم حَقنًا للدِّماءِ
ذكَر الطَّبريُّ أنَّ عليًّا رضِي اللهُ عنه أرسَل القَعقاعَ بنَ عَمرٍو، فخرَج حتَّى قدِم البَصرةَ، فبدأ بعائِشةَ رضِي اللهُ عنها، فسلَّم عليها، وقال: أيْ أُمَّهْ، ما أشخَصَكِ وما أقدَمَكِ هذه البَلدةَ؟ قالت: أيْ بُنيَّ، إصلاحٌ بَينَ النَّاسِ، قال: فابعَثي إلى طَلحةَ والزُّبَيرِ حتَّى تسمَعي كلامي وكلامَهما، فبعثَت إليهما، فجاءا، فقال: إنِّي سألْتُ أمَّ المُؤمِنينَ: ما أشخَصها وأقدَمها هذه البِلادَ؟ فقالت: إصلاحٌ بَينَ النَّاسِ، فما تقولانِ أنتما؟ فقالا نَحوًا ممَّا قالَته أمُّ المُؤمِنينَ، فقال لهم القَعقاعُ: كونوا مفاتيحَ الخيرِ كما كنْتُم تكونونَ، ولا تُعرِّضونا للبلاءِ، ولا تَعرِضوا له فيَصرَعَنا وإيَّاكم، فقالوا: نعَم، إذًا قد أحسَنْتَ وأصبْتَ المقالةَ، فارجِعْ؛ فإن قدِم عليٌّ وهو على مِثلِ رأيِك صلَح هذا الأمرُ، فرجَع إلى عليٍّ فأخبَره، فأعجَبه ذلك، وأشرَف القومُ على الصُّلحِ، كرِه ذلك مَن كرِهه، ورضِيَه مَن رضِيَه [391] يُنظر: ((تاريخ الطبري)) (4/488-489). .
الحَسنُ بنُ عليٍّ رضِي اللهُ عنهما وإصلاحُه بَينَ المُسلِمينَ وحِفظُ دِمائِهم:
عن أبي موسى قال: سمعْتُ الحَسنَ (هو البَصريُّ) يقولُ: استَقبَل -واللهِ- الحَسنُ بنُ عليٍّ مُعاوِيةَ بكتائِبَ أمثالِ الجِبالِ، فقال عَمرُو بنُ العاصِ: إنِّي لأرى كتائِبَ لا تُولِّي حتَّى تقتُلَ أقرانَها، فقال له مُعاوِيةُ، وكان واللهِ خَيرَ الرَّجُلَينِ: أي عَمرُو، إن قتَل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء مَن لي بأمورِ النَّاسِ؟ مَن لي بنِسائِهم؟ مَن لي بضَيعتِهم، فبعَث إليه رجُلَينِ مِن قُرَيشٍ مِن بَني عبدِ شمسٍ: عبدَ الرَّحمنِ بنَ سَمُرةَ، وعبدَ اللهِ بنَ عامِرِ بنِ كُرَيزٍ، فقال: اذهَبا إلى هذا الرَّجلِ، فاعرِضا عليه، وقولا له، واطلُبا إليه، فأَتَياه، فدخلا عليه، فتكلَّما، وقالا له، وطلَبا إليه، فقال لهما الحَسنُ بنُ عليٍّ: إنَّا بَنو عبدِ المُطَّلِبِ، قد أصبْنا مِن هذا المالِ، وإنَّ هذه الأمَّةَ قد عاثَت في دِمائِها، قالا: فإنَّه يعرِضُ عليك كذا وكذا، ويطلُبُ إليك ويسألُك، قال: فمَن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئًا إلَّا قالا: نحن لك به، فصالَحه، فقال الحَسنُ: ولقد سمعْتُ أبا بَكرةَ يقولُ: رأَيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على المِنبَرِ والحَسنُ بنُ عليٍّ إلى جَنبِه، وهو يُقبِلُ على النَّاسِ مرَّةً، وعليه أخرى، ويقولُ: ((إنَّ ابني هذا سيِّدٌ، ولعلَّ اللهَ أن يُصلِحَ به بَينَ فِئتَينِ عظيمتَينِ مِن المُسلِمينَ)) [392] أخرجه البخاري (2704). .

انظر أيضا: