الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 3264 ). زمن البحث بالثانية ( 0.017 )

العام الهجري : 716 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1317
تفاصيل الحدث:

أخذ عَرَبُ برية عيذاب رسُلَ صاحب اليمن وعِدَّة من التجار وجميع ما معهم، فبعث السلطانُ الناصر محمد بن قلاوون العسكَرَ وهم خمسمائة فارس، عليهم الأميرُ علاء الدين مغلطاي بن أمير مجلس، في العشرين من شوال، فساروا إلى قوص، ومَضَوا منها في أوائل المحرم سنة سبع عشرة إلى صحراء عيذاب، ومضوا إلى سواكِنَ حتى التَقَوا بطائفةٍ يقال لها حيُّ الهلبكسة، وهم نحو الألفي راكب على الهجن بحِرابٍ ومزاريقَ، في خلقٍ مِن المشاة عرايا الأبدان، فلم يثبتوا لدقِّ الطبول ورمي النشَّاب، وانهزموا بعد ما قُتِلَ منهم عدد كبير، وسار العسكَرُ إلى ناحية الأبواب، ثم مَضَوا إلى دنقلة، وعادوا إلى القاهرة تاسع جمادى الآخرة سنة سبع عشرة، وكانت غيبتهم ثمانيةَ أشهُرٍ.

العام الهجري : 720 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1320
تفاصيل الحدث:

في يومِ الخميس الثاني والعشرين من رجب عُقِدَ مجلس بدار السعادة للشَّيخِ تقي الدين ابن تيمية بحضرة نائب السَّلطنةِ، وحضر فيه القضاةُ والمُفتُونَ من المذاهب، وحضر الشيخُ وعاتبوه على العَودِ إلى الإفتاء بمسألةِ الطلاقِ، ثمَّ حُبِسَ في القلعةِ فبَقِيَ فيها خمسة أشهر وثمانية عشر يومًا، ثمَّ ورد مرسوم من السلطانِ بإخراجه يوم الاثنين يوم عاشوراء من سنةِ إحدى وعشرين، وكان الشيخُ قد عُقِدَ له أكثَرُ من مجلسٍ ومُنِعَ من الإفتاء في هذه المسألة في الطلاقِ، وهو أنَّ مَن حلف بالطلاقِ غَيرَ ناوٍ للطلاقِ فإنَّه لا يَقَعُ، ومسألة طلاقِ الثلاثِ في مجلسٍ واحدٍ تُعتبَرُ طلقةً واحدة، وقد أُصدِرَ مرسومٌ من السلطان بمَنعِه من الفتوى بهذه المسألةِ، وكان قد امتنع أوَّلًا، ثم في هذه السنة حصل اعتقالُه.

العام الهجري : 859 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1455
تفاصيل الحدث:

هو العلَّامةُ العِزُّ مجد الدين عبد السلام بن أحمد بن عبد المنعم بن أحمد بن محمد بن كيدوم بن عمر بن أبي الخير سعيد الحسيني القيلوي البغدادي ثم القاهري الحنبلي ثم الحنفي. ولدَ تقريبًا بعد سنة 770 والقيلوي نسبة لقرية بالجانب الشرقي من بغداد يقال لها قيلويه نشأ بها العز. قرأ القرآنَ لعاصم وحَفِظَ كتبًا جمة في فنون كثيرة، وبحث في غالب العلوم على مشايخ بغداد والعجم والروم، حتى إنه بحث في مذهبي الشافعي وأحمد وبرع فيهما وصار يقرأ كتبَهما ولازم الرحلةَ في العلم إلى أن صار أحدَ أركانه، وأدمن الاشتغال والأشغال بحيث بقي أوحدَ زمانه، ومن شيوخه في فقه الحنفية الضياء محمد الهروي أخذ عنه المجمع بعد أن حفظه، وسمع غالب الهداية على عبد الرحمن التشلاقي أو القشلاغي، وسمع عليه أصولَ الحنفية، وفي فقه الحنابلة محمد بن الحادي، وسمع عليه البخاري، وتزايد اشتغاله بالمذهب الحنبلي لكون والده كان حنبليًّا، وفي فقه الشافعية ناصر الدين محمد المعروف بأيادي الأبهري ولازمه مدة طويلة أخذ عنه فيها النحو والصرف، ولم يتسير له البحث في فقه المالكية، وقصد ذلك فما قدر، وأخذ أصول الدين وآداب البحث عن السراج الزنجاني، وأصول الفقه عن أحمد الدواليبي، وحضر بحث المختصر الأصلي لابن الحاجب والعضد وكثيرًا من شروح التلخيص في المعاني، وكثيرًا من الكشَّاف على ميرك الصيرامي أحد تلامذة التفتازاني، وبحث بعض الكشاف أيضًا والمعاني والبيان على عبد الرحمن ابن أخت أحمد الجندي، وجميع الشاطبية بعد حفظها على الشريف محمد القمني، والنحو عن أحمد بن المقداد وعبد القادر الواسطي، وبحث عليه الأشنهية في الفرائض بخلوة الغزالي من المدرسة النظامية ببغداد، وانتفع به في غير ذلك, وعُنِيَ بالطب والمعاني والبيان بعد حفظه للتلخيص عن المجد محمد المشيرقي السلطاني الشافعي, والمنطق بعد حفظه الشمسية عن القاضي غياث الدين محمد الخراساني الشافعي، كذا بحث عليه علم الجدل والطب عن موفق الدين الهمذاني، وسمع على موسى باش الرومي علم الموسيقى بحثًا، وارتحل إلى تبريز فأخذ بها عن الضياء التبريزي النحو وأصول الفقه، وعن الجلال محمد القلندشي فقه الشافعية وأصولهم، وحضر المعاني والبيان وبعض الكشاف عند حيدر، ثم ارتحل إلى أرزنجان من بلاد الروم فأخذ علم التصوف عن يارغلي السيواسي، ثم عاد من بلاد الروم بعد أن جال الآفاق وقاسى شدة مع تيمورلنك بحيث كانوا يقطعون الرؤوس ويحمِّلونه إياها إلى البلاد الشامية في سنة 810, ولقي بحلب مَن شاء الله من العلماء، وناظر في الشام الجمالَ الطيماني واجتمع في القدس بالشهاب بن الهائم فعظَّمه كثيرًا وارتحل إلى القاهرة بعد هذا كله, فأشير إليه في الصرف والنحو والمعاني والبيان والمنطق والجدل وآداب البحث والأصلين، والطب والعروض، والفقه والتفسير والقراءات، والتصوف وغيرها، فنزل بالجمالية وقرر في صوفيتها وأقبل الناس عليه فأخذوا عنه، وزوَّجه الشيخ مصطفى المقصاتي ابنته وتدرب به في عمل المقصات، وتكسب بها وقتًا مع اشتهاره بالفضيلة التامة حتى إنه لما تمت عمارة الجامع المؤيدي وحضر السلطان عند مدرسيه ومنهم البدر الأقصرائي الحنفي كان من جملة الحاضرين فلم يتكلم معه غيره، بحيث عظُمَ في عين السلطان، وأشار لما تم الدرس ورام المدرس الدعاء بنفسه مبالغة في تعظيم السلطان القيلوي أن يفعل ففعل، وأعلمه البدر بن مزهر وذلك قبل أن يلي كتابة السر بأنه رجل عالم يتكسب بعمل المقصات، فوعد ببناء مدرسة من أجله يكون هو شيخًا فما تيسر، وربما أقرأه ولده إبراهيم بل رام المؤيد الاجتماع به في محل خلوة للقراءة عليه، فما وافق العز خوفًا من إلصاق كثير مما يصدر عن السلطان به، وعُدَّ ذلك من وفور عقله، واستمر العز ملازمًا للإشغال غير مفتقر للاستفادة من أحد إلا في علم الحديث دراية ورواية؛ فإنه أخذ علوم الحديث جميعًا لابن الصلاح عن الولي العراقي بعد قراءته وسائره سماعًا، وسمع المنظومة في غريب القرآن، ومن أول السيرة الألفية إلى ذكر أزواجه والكثير من النكت على ابن الصلاح، وقرأ منها جميع الألفية الحديثية رواية، والمورد الهني، ومن غيرها الكثير من الأصول الكبار وغيرها، قال شمس الدين السخاوي: " قرأ العز عبد السلام على شيخنا الكمال الشمني صحيح البخاري والنخبة له، واختص به كثيرًا، وكان أحد الطلبة العشرة عنده بالجمالية، وحضر دروسه وأماليه، ورأيت بخط شيخنا بتصنيفه النخبة كتبها برسمه قال في آخرها ما صورته: علقها مختصرها تذكرةً للعلامة مجد الدين عبد السلام نفع الله به آمين، وتمت في صبيحة الأربعاء ثاني عشر شوال سنة أربع عشرة، وقال في أولها ما نصه: رواية صاحبها العلامة الأوحد المفنن مجد الدين عبد السلام البغدادي، وكتب له عليها أنه قرأها قراءة بحث وإتقان وتقرير وبيان، فأفاد أضعاف ما استفاد، وحقق ودقق ما أراد، وبنى بيت المجد لفكره الصحيح وأشاد، ثم قال: وأذن له أن يُقرئها لمن يرى ويرويها لمن درى، والله يسلمه حضرًا وسفرًا، ويجمع له الخيرات زُمَرًا" وأما الرواية فإنه سمع وقرأ على غير واحد وطلبها بنفسه فأكثر وكتب الطباق، وضبط الناس ورافق المتميزين، صار غالب فضلاء الديار المصرية من تلامذة العز عبد السلام، كل ذلك مع الخير والديانة والأمانة والزهد والعفة، وحب الخمول والتقشف في مسكنه وملبسه ومأكله، والانعزال عن بني الدنيا والشهامة عليهم وعدم مداهنتهم، والتواضع مع الفقراء والفتوة والإطعام وكرم النفس والرياضة الزائدة، والصبر على الاشتغال واحتمال جفاء الطلبة والتصدي لهم طول النهار، والتقنع بزراعات يزرعها في الأرياف ومقاساة أمر المزارعين، والإكثار من تأمل معاني كتاب الله عز وجل وتدبره، مع كونه لم يستظهر جميعه ويعتذر عن ذلك بكونه لا يحب قراءته بدون تأمل وتدبر، والمحاسن الجمة بحيث سمعت عن بعض علماء العصر أنه قال: لم نعلم من قَدِمَ مصر في هذه الأزمان مثل العز عبد السلام البغدادي, ولقد تجملت هي وأهلها به, وكان ربما جاءه الصغير لتصحيح لوحه ونحوه من الفقراء المبتدئين لقراءة درسه وعنده من يقرأ من الرؤساء، فيأمرهم بقطع قراءتهم حتى ينتهي تصحيح ذاك الصغير أو قراءة ذاك الفقير لدرسه، ويقول: أرجو بذلك القربة وترغيبهم وأن أندرج في الربانيين ولا يعكس، ولم يحصل له إنصاف من رؤساء الزمان في أمر الدنيا ولا أُعطي وظيفة مناسبة لمقامه، وكان فصيح اللسان مفوهًا طلْقَ العبارة قوي الحافظة سريع النظم جدًّا. مات في ليلة الاثنين الخامس العشر رمضان سنة تسع وخمسين، وصلى عليه من الغد بمصلى باب النصر، ودُفن بتربة الأمير بورى خارج باب الوزير تحت التنكزية، ولم يخلَّف بعده في مجموعِه مثله.

العام الهجري : 662 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1264
تفاصيل الحدث:

هو الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك المنصور أبو إبراهيم بن الملك المجاهد شيركوه بن الأمير ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شادي بن مروان صاحب حمص، مَلَك حمصَ بعد وفاة أبيه، وطالت مدَّتُه بها، وكان فيه مداراةٌ للتَّتارِ واستمرَّ على ذلك إلى أن توفِّيَ بحمص يوم الجمعة حادي عشر من صفر عن غيرِ ولد ولا أخٍ ولا ولي، فبعث السلطانُ الظاهر بيبرس إلى الأمير عز الدين بيليك العلائي أحد الأمراء، فتسَلَّمَها في السابع عشر من هذا الشهر وحَلَفَ الناسُ بها للملك الظاهر، وتسَلَّمَ الرحبةَ أيضًا، وبعث السلطان إليها عشرين ألف دينار عينًا، وولى مدينة حران الأمير جمال الدين الجاكي، وولى مدينة الرقة أميرا آخر.

العام الهجري : 819 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1416
تفاصيل الحدث:

دخل فصل الربيع، وقد فشا في الناس الموت بالطاعون، وأُحصيَ من ورد اسمُه الديوان ممن مات بالقاهرة في مدة شهر أوله عاشر المحرم، فكان ثلاثة آلاف إنسان، ثم تجاوز عدد من يرد اسمه الديوان من الأموات مائة نفس في اليوم، وهذا سوى من يموت بالمارستان، وفي عدة مواضع خارج المدينة، ويكون ذلك نحو الخمسين نفسًا، وكانت عدة من صُلِّي عليه من الأموات بمصلى باب النصر خاصة من أول النهار إلى آذان الظهر اثنين وتسعين ميتًا، وشنع ما يحكى من تواتر نزول الموت في الأماكن، بحيث مات في أسبوع واحد من درب واحد ثلاثون إنسانًا، وكثير من الدور يموت منها العشرة فصاعدًا، وقدم الخبر بكثرة الوباء أيضًا ببلاد الصعيد، وفي طرابلس الشام، وأُحصي من مات بها في مدة أيام، فكانت عدتهم عشرة آلاف إنسان، وكثر الوباء أيضًا بالوجه البحري من أراضي مصر، وقدم الخبر بأن معظم أهل مدينة من صعيد مصر قد ماتوا بالطاعون، وفي شهر ربيع الأول كثر الموتان بالقاهرة ومصر، وتجاوزت عدة من ورد اسمه الديوان من الموالي الثلاثمائة، وتوهم كل أحد أن الموت آتيه عن قريب؛ لسرعة موت من يُطعن، وكثرة من يموت في الدار الواحد، وتواتر انتشار الوباء في جميع أراضي مصر، وبلاد الشام، والمشرق، بحيث ذكر أنه بأصبهان مات غالب أهلها، حتى صار من يمشي بشوارعها لا يرى أحدًا يمر إلا في النادر، وأن مدينة فاس بالمغرب أحصى من مات بها في مدة ثلاثين يومًا ممن ورد الديوان فكانوا ستة وثلاثين ألفًا سوى الغرباء من المساكين، وأن المساكن عندهم صارت خالية ينزل بها من قدم إليها من الغرباء، وأن هذا عندهم في سنتي سبع عشرة وثماني عشرة، وبلغت عدة من يرد اسمه الديوان من الأموات في الثالث والعشرين ما ينيف على خمسمائة، بما فيهم من موتى المارستان والطرحاء، ومع ذلك والأخبار متواترة بأنه صلِّيَ في هذا اليوم بمصليات الجنائز على ما ينيف على ألف ميت، وأن الكُتَّاب يخفون كثيرًا ممن يرد اسمه إليهم، وانقضى هذا الشهر، وقل دار بالقاهرة ومصر وظواهرهما لم يكن بها حزن على ميت، وأقل ما قيل: إنه مات من عاشر المحرم إلى آخر هذا الشهر عشرون ألفًا، وفي شهر ربيع الآخر، أوله الجمعة: بلغت عدة من ورد اسمه الديوان من الأموات إلى مائة وعشرين سوى المارستان والطرحاء، وقدم الخبر من دمشق بتزايد الموتان عندهم، وأنه يموت في اليوم ستون إنسانًا، وأنه ابتدأ الوباء عندهم من أثناء ربيع الأول، عندما تناقص من ديار مصر.

العام الهجري : 690 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1291
تفاصيل الحدث:

شرع السلطانُ الأشرفُ صلاحُ الدين خليلُ بن قلاوون في الاهتمامِ بفَتحِ عَكَّا، وبعثَ الأميرَ عِزَّ الدين أيبك الأفرم أمير جاندار إلى الشامِ لتجهيزِ أعوادِ المجانيق، فقَدِمَ دِمشقَ وجُهِّزَت أعوادُ المجانيق، وبرزت في أول ربيع الأول وتكامَلَت في الثاني عشر، وسار بها الأميرُ عَلَم الدين سنجر الدواداري أحدُ أمراء الشام، ثم فُرِّقَت على الأمراء مقَدَّمي الألوف، فتوجَّهَ كل أمير ومضافيه بما أمر بنقله منها، وخرج من القاهرةِ الأمير سيف الدين طغريل الأيغاني إلى استنفار الناسِ مِن الحصون بممالكِ الشام، فوصل المظفَّر صاحب حماة إلى دمشق في الثالث عشر بعسكره وبمجانيقِ وزردخاناه- خزانة الأسلحة- ووصل الأميرُ سيف الدين بلبان الطباخي نائبُ الفتوحات بعساكِرِ الحصون وطرابلس، وبالمجانيق والزردخاناه في الرابع عشر، وتوجَّه الأميرُ حسام الدين لاجين نائبُ الشام بالجيشِ مِن دمشق في العشرينَ مِن ربيع الأول، وسار جميعُ النواب بالعساكر إلى عكا، وكان السلطانُ الأشرف خليل توجَّه بالعساكِرِ يوم الثلاثاء ثالث ربيع الأول يريد أخْذَ عَكَّا، وسيَّرَ حريمه إلى دمشق فوصلوا إليها في سابع ربيع الآخر، وسار السلطان فنزل عكَّا في يوم الخميس ثالث ربيع الآخر، ووصلت المجانيقُ يوم ثاني وصولِه وعدَّتُها اثنان وتسعون منجنيقًا، فتكاملَ نَصبُها في أربعة أيام، وأُقيمَت الستائرُ ووقع الحصارُ، وقد أتت جمائِعُ الفرنجِ إلى عكا أرسالًا من البحر، صار بها عالمٌ كبير، فاستمَرَّ الحصارُ إلى سادس عشر جمادى الأولى، وكثُرَت النقوب بأسوارِ عَكَّا، فلما كان يومُ الجمعة السابع عشر عزم السُّلطانُ على الزحف، فرَتَّب كوساته- قطعتان من نحاس تشبهانِ الترسَ الصغيرَ يُدَقُّ بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص- على ثلاثمائة جمل، وأمر أن تُضرَبَ كُلُّها دفعة واحدة، وركب السلطانُ وضُرِبَت، فهال ذلك أهلَ عكا، وزحف بعساكِرِه ومن اجتمع معه قَبلَ شروق الشمس، فلم ترتفع الشمسُ حتى علت السناجِقُ- الرايات- الإسلاميَّة على أسوار عكا، وهرب الفرنجُ في البحر وهلك منهم خلقٌ كثير في الازدحام، والمسلمون يقتُلونَ ويأسِرونَ وينهَبونَ فقَتَلوا ما لا يحصى عَدُّه كثرةً، وأخذوا من النساءِ والصبيان ما يتجاوَزُ الوصفَ، وكان عند فتحها أن أقبل من الفرنجِ نحوُ عشرة آلاف في هيئةٍ مُستأمنين، ففَرَّقهم السلطان على الأمراء فقتلوهم عن آخِرِهم، وكانت مدَّةُ حصار عكا أربعة وأربعين يومًا، واستُشهِدَ من المسلمين الأميرُ علاء الدين كشتغدي الشمسي ودُفِنَ بجلجولية، وعزُّ الدين أيبك العزي نقيب العساكر، وسيفُ الدين أقمش الغتمي، وبدرُ الدين بيليك المسعودي، وشرفُ الدين قيران السكزي، وأربعةٌ من مقَدَّمي الحلقةِ، وجماعةٌ من العسكر، وفي يومِ السبت الثامن عشر وقع الهدمُ في مدينة عكا، فهُدِّمَت الأسوار والكنائسُ وغيرها وحُرِقَت، وحُمِلَ كثير من الأسرى بها إلى الحصونِ الإسلاميَّة.

العام الهجري : 986 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1578
تفاصيل الحدث:

كان محمد المتوكل على الله بعد هزيمته من عمِّه عبد الملك قد اتصل بمَلِك البرتغال سبستيان، واتَّفق معه على أن يُعينَه على طرد عمِّه من حكم المغرب، وأن يتنازلَ له مقابل ذلك عن جميع شواطئ المغرب، فقَبِلَ سبستيان ذلك العرض المغربي، انتقل المتوكِّل إلى سبتة، وأقام بها أربعة شهور، ومنها اتَّجه إلى طنجة في انتظار سبستيان على رأس القوات العسكرية، وفي أثناء استعدادات الدول الأوروبية- وخاصة البرتغال- للوثوب على المغرب، وإخضاعه بالكامل، حيث استطاع سبستيان أن يحشد من النصارى عشرات الألوف من الإسبان والبرتغاليين والطليان والألمان، وجهَّز هذه الألوف بكافة الأسلحة الممكِنة في زمنه، وجهَّز ألف مركب لتحمِلَ هؤلاء الجنود نحو المغرب، وأقلُّ ما قيل في عددهم ثمانون ألف مقاتل! بينما كان المغاربة بقيادة السلطان أبي مروان عبد الملك السعدي وتَعداد جيشه أربعون ألف مجاهد يملكون تفوقًا في الخيل، ومدافِعُهم أربعة وثلاثون مِدفعًا فقط، وكانت معنوياتهم مرتفعةً جدًّا, وقد أرسل العثمانيون لهم مُدرَّبين وأسلحة متنوعة، مشفوعة بفيلق عسكري, فقامت معركة بين الطرفين صباح الاثنين 30 جمادى الآخرة من هذه السنة تسمى معركة وادي المخازن، أو ما يعرف بمعركة الملوك الثلاثة، والتي تُسمَّى في كتب التاريخ معركة القصر الكبير، استمرت ما يزيد على الأربع ساعات، كتب الله فيها النصر للإسلام والمسلمين، وقد قُتِلَ في المعركة مَلِكُ السعديين عبد الملك أبو مروان، والملك المخلوع ابن أخيه محمد الثاني المتوكل على الله، والملك سبستيان ملك البرتغال، وقد وصَفَ بعض مؤرخي البرتغال نتائجَ المعركة بقوله: كان مخبوءًا لنا في مستقبل الأعصار العصرُ الذي لو وصفتُه لقلتُ: هو العصرُ النحسُ البالِغُ النحوسةِ، الذي انتهت فيه مدَّةُ الصولة والظفر والنجاح، وانقَضَت فيه أيامُ العناية من البرتغال، وانطفأ مصباحُهم بين الأجناس، وزال رونقُهم، وذهبت النخوةُ والقوة منهم، وخلفها الفشلُ الذريع، وانقطع الرجاء واضمحلَّ إبَّان الغنى والربح، وذلك هو العصر الذي هلك فيه سبستيان في القصر الكبير في بلاد المغرب, وكان من أهم أسباب هذه المعارك رغبةُ البرتغاليين أن يمحو عن أنفسهم العار والخزي الذي لحقهم بسبب ضربات المغاربة الموفَّقة، والتي جعلتهم ينسحبون من آسفي وأزمور وآصيلا وغيرها في زمن يوحنا الثالث (1521-1557م)، كما أراد مَلِكُ البرتغال الجديد سبستيان بن يوحنا أن يخوض حربًا مقدَّسة ضِدَّ المسلمين حتى يعلوَ شأنه بين ملوك أوروبا، وزاد من غروره ما حقَّقه البرتغاليون من اكتشافات جغرافية جديدة أراد أن يستفيد منها من أجل تطويق العالم الإسلامي، يدفعُه في ذلك حِقدُه على الإسلام وأهلِه عمومًا، وعلى المغرب خصوصًا، فجمع بين الحقدِ الصليبي والعقليَّة الاستعمارية التي ترى أنَّ يدها مُطلقةٌ في كل أرض مسلمة تعجِزُ عن حماية نفسِها من أي خطر خارجي.

العام الهجري : 1393 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1973
تفاصيل الحدث:

هو الشيخُ محمَّد الطاهر بنُ محمَّد بنِ محمَّد الطاهر بن عاشورٍ، الشَّهير بالطاهرِ بنِ عاشورٍ، أحدُ الأعلامِ المشهورين والمفسِّرين المعروفين، وكان أديبًا خطيبًا، ومِن طلائع النَّهضة الحديثةِ النابهينَ في تُونس. كانت حياتُه -التي زادت على 90 عامًا- جهادًا في طلَبِ العِلم، أحدَثَت آراؤه نَهضةً في عُلوم الشريعة والتفسيرِ، والتربيةِ والتعليمِ، والإصلاح. وُلِدَ بتُونسَ سنةَ 1296هـ في أُسرةٍ عِلْمية عريقةٍ، تَمتدُّ أُصولها إلى بلادِ الأندلسِ. حفِظَ القرآنَ الكريمَ، وتعلَّم اللُّغة الفرنسيةَ، والْتَحق بجامعِ الزَّيتونةِ سنة 1310هـ وهو في الرابعة عشرة مِن عُمره، ولم تَمْضِ سنواتٌ قليلةٌ حتى عُيِّن مدرِّسًا من الطَّبقة الأُولى بعد اجتيازِ اختبارِها سنةَ 1324هـ. واختِيرَ للتَّدريسِ في المدرسة الصادقيةِ، وكان لهذه التَّجرِبة المبكِّرة في التدريسِ بين الزَّيتونة -ذات المنْهج التَّقليدي- والصادقيةِ -ذات التعليمِ العصْري المتطوِّر- أثَرُها في حياتِه، ثم اختِيرَ شيخًا لجامع الزَّيتونة في 1351هـ، وحاز الطاهرُ بن عاشور على لقبِ "شيخُ الإسلامِ المالكيُّ"؛ فكان أولَ شُيوخ الزَّيتونة الذين جَمَعوا بين هذينِ المنصبينِ، ولكنه لم يَلبْثَ أن استقالَ مِن المشيخة بعدَ سَنةٍ ونصفٍ؛ بسَبب العراقيلِ التي وُضِعت أمام خُطَطِه لإصلاحِ الزَّيتونة، وأُعِيدَ تعيينُه سنة 1364هـ، وفي هذه المرَّة أدخَل إصلاحاتٍ كبيرةً في نِظام التعليم الزَّيتوني، فارتفَع عددُ الطُّلاب الزَّيتونيين، وزادت عددُ المعاهدِ التَّعليمية. ولَدى استقلالِ تُونس أُسندت إليه رئاسةُ الجامعةِ الزيتونية سنةَ 1374هـ، وقد أحدَثَت آراؤه نَهضةً في عُلوم الشريعةِ والتفسيرِ، والتربيةِ والتعليمِ، والإصلاحِ، وكان لها أثَرُها البالغُ في استمرار جامعةِ الزَّيتونة في العطاء والرِّيادةِ، وكان ابنُ عاشور دَؤوبًا على مُكافَحةِ الاستعمار الذي كان يُسمَّى بالحمايةِ، وألْقى محاضراتٍ في جامعة السُّوربون بفرنسا، وجامعةِ إستانبول في تركيا، وجامعة عليكره في الهندِ. وشارَك في نَدوات علميةٍ كثيرة، وفي بعضِ مُؤتمرات المستشرقينَ، وكان عضوًا في المجمَع اللُّغوي بالقاهرةِ، ورابطةِ العالم الإسلامي بمكَّة. ومِن مُؤلَّفاته: كتاب تَفسير القُرآن المسمَّى بـ ((التَّحرير والتنوير)) الذي احتوى على خُلاصة آرائهِ الاجتهادية والتَّجديدية، وله كِتاب ((مَقاصِد الشريعة)). ومن المواقِف المشهورةِ للطاهرِ بنِ عاشورٍ رفْضُه القاطعُ استصدارَ فَتوى تُبِيحُ الفِطرَ في رمضانَ، وكان ذلك عام 1381هـ عندما دعا الحَبيب بُورقيبة الرئيسُ التُّونسي آنذاكَ العُمَّال إلى الفِطر في رمضانَ بدَعوى زِيادة الإنتاج، وطلَب من الشيخِ أنْ يُفتِيَ في الإذاعة بما يُوافِقُ هذا، لكن الشيخَ صرَّح في الإذاعةِ بما يُريده اللهُ تعالى، بعد أن قرَأ آية الصِّيام، وقال بعدها: "صدَق اللهُ، وكذَبَ بُورقيبة"، تُوفِّي الطاهر بنُ عاشورٍ رحمه الله في 13رجب 1393 هـ.

العام الهجري : 811 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1409
تفاصيل الحدث:

وقعت زلزلةٌ عظيمة في نواحي بلاد حلب وطرابلس، فخرب من اللاذقية وجبلة وبلاطنس أماكن عديدة، وسقطت قلعة بلاطنس. فمات تحت الردم بها خمسة عشر نفسًا، ومات بجبلة خمسة عشر نفسًا، وخربت شغر بكاس كلها والقلعتين بها، ومات جميع أهلها، إلا نحو خمسين نفسًا، وانشقَّت الأرض, وكما وقعت الزلزلة أيضًا بقبرص فخربت منها أماكن كثيرة.

العام الهجري : 1394 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1974
تفاصيل الحدث:

هو الحاجُّ محمد أمين بنُ محمد طاهر بن مصطفى الحُسيني مفتي القدس. وُلد في القدسِ سنة 1897م، تربَّى في بيت والدِه الشيخِ طاهر الحسينيِّ مفتي القدس، عُرِف بالحاج أمين الحسينيِّ بعد أن حجَّ برفقة والدتِه. تلقَّى علومه الابتدائيَّة والثانوية في مدارسِ القدسِ، ثم التحق بكلية الفرير بالقدس لتعلُّم اللغةِ الفرنسية، بعدها التحق بجامعة الأزهر، وكان يتردَّد على (دار الدعوة والإرشاد) التي أنشأها الشيخُ محمد رشيد رضا حيث تأثَّر به وبفكره الإصلاحيِّ، ومن خلال معرفته به عرف الكثير عنِ الصهيونية وأطماعِها في فلسطين، وبعدَ نُشوب الحرب العالمية الأولى التحق بكلية الأستانةِ العسكرية وتخرَّج منها ضابطًا، والتحق بالجيش العثماني في ولاية أزمير، وعمل فيه حتى نهاية الحرب؛ مما أكسبه خبرة جيِّدة كان لها الأثرُ الأكبر في شخصيتِه وحياتِه. بعدَ نهاية الحرب عاد الحسينيُّ إلى القدس وهو برتبة ضابطٍ، ملِمًّا بالفكر الإسلاميِّ، والعلوم المفيدةِ، والخبرة العسكريةِ، ويعرفُ منَ اللغات الأجنبية التركيةَ والفرنسيةَ، بالإضافة إلى ذلك كلِّه كان بحكم انتمائه إلى أسرة آل الحسيني مهيَّأً ليكون زعيمًا وداعيةً مسموع الكلمةِ. عندما احتلَّ الإنجليز فلسطين انصرف الحُسينيُّ إلى تنظيم الفلسطينيين في حركة وطنية شاملة ضدَّ الاستعمار والصهيونية، فكوَّنوا في القدس أوَّل منظمة سياسيَّة عرفتها فلسطين هو (النادي العربي)، وانتُخب الحسينيُّ رئيسًا له، وكان لهذا النادي أثر كبير في انطلاق الحركة الوطنية الفلسطينية، وقيام المظاهرات ضد الاحتلالِ. تسلَّم الحسينيُّ منصبَ الإفتاء رسميًّا، فأعاد تنظيم المحاكم الشرعية، واختار لها القضاة، ونظَّم الأوقاف، وأخذ يعمل على تقوية المدارس الإسلامية وتنظيم أمورها، كما شارك في تأسيس مجلس شرعي إسلامي لفلسطين تألَّف من مجموعة من العلماء، وعُين الحسيني رئيسًا لهذا المجلس الذي سُمي (المجلس الإسلامي الأعلى) الذي أصبح على مرِّ الأيام أقوى قوة وطنية إسلامية فلسطينية. كان الحاج أمين القوة الدافعة للحركة الوطنية، ومركز الثقل في المقاومة الفلسطينية؛ مما حفَّز الإنجليز واليهود إلى مقاومته والتخلُّص منه، فخرج الحاجُّ من فلسطين إلى لبنانَ بعد رفضه لقرار التقسيم 1937م وتحريضه للفلسطينيين ضدَّ الاحتلالِ، ومكث في لبنان عامين، ثم فرَّ منها إلى العراق، ولما سمع الحاج بالمآسي التي حلَّت بالشعب البوسني المسلم اجتمع بزعماءِ البوسنة والهرسك في ألمانيا؛ للعمل على منع وقوع المذابحِ فيهم، فحصَل على موافقةِ الحكومة الألمانية على تجنيدِ الشبَّان منهم وتسليحِهم للدفاع عن أنفسهِم وعائلاتهم، وكذلك اتَّفق مع السلطات الألمانية على إنشاء معهد للأئمة؛ لتوزيعِهم على وَحدات الفرق البوسنيَّة الذين زاد عددُهم عن 100 ألف مقاتل مع دول المحورِ، ولما زحف الحلفاء على ألمانيا عام 1945م انتقل الحاج أمين إلى باريس، ومنها إلى مصر، وفي مصر شكَّل الهيئة العربية العليا لفلسطين برئاسته؛ حيثُ نظَّم الحركة الوطنية الفلسطينية تنظيمًا حديثًا، بل ومدَّ نشاطه إلى الدائرة الإسلامية؛ حيث كان يرأس مؤتمرات إسلامية في مكة نشأت عنها مؤسسة دائمة باسم (مؤتمر العالم الإسلامي) برئاسته، وظل يشغل هذا المنصب طيلة حياته إلى أن تُوفي رحمه الله في بيروت ودُفن في مقبرة الشهداء بالحرج.

العام الهجري : 216 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 831
تفاصيل الحدث:

انتفض الوجهُ البحري بمصرَ بزعامة عبدوس الفهري وانضم الأقباطُ إليهم، وحَشَدوا وجمعوا فكثُرَ عددُهم وساروا نحو الديارِ المصرية، فتجهَّزَ عيسى بن منصور وجمعَ العساكِرَ والجندَ لقتالهم، فضَعُف عن لقائِهم وتقهقر بمن معه، فدخلت الأقباطُ وأهل الغربيَّة مصرَ، وأخرجوا منها عيسى هذا على أقبَحِ وجهٍ؛ لسُوءِ سِيرتِه، وخرج معه أيضًا مُتولِّي خَراجِ مِصرَ وخلعوا الطاعةَ، فقدم الأفشين حيدر بن كاوس من بُرقةَ وتهيَّأ لقتال القوم، وانضمَّ إليه عيسى بنُ منصور ومن انضاف إليه، وتجمَّعوا وتجهَّزوا لقتال القوم وواقعوهم فظَفِروا بهم بعد أمورٍ وحروبٍ، وأسَروا وقَتَلوا وسَبَوا، ثم مضى الأفشين إلى الحوفِ وقاتَلَهم أيضًا لِمَا بلغه عنهم، وبدَّدَ جَمعَهم وأسَرَ منهم جماعةً كبيرةً بعد أن بضعَ فيهم وأبدَع، ودامت الحروبُ في السنة المستمرة بمصرَ في كل قليلٍ إلى أن قَدِمَها أميرُ المؤمنين عبد الله المأمونُ لخَمسٍ خلون من المحرَّم سنة سبع عشرة ومائتين، فسَخِطَ على عيسى بن منصور وحَلَّ لواءه وعزَلَه ونسب له كلَّ ما وقع بمصرَ ولِعُمَّاله؛ ثم جهَّزَ العساكِرَ لقِتالِ أهلِ الفساد، وأحضرَ بين يديه عبدوس الفهري فضُرِبَت عنُقُه ثم سار عسكرُه لقتال أسفَلِ الأرضِ أهلِ الغربيَّة والحوف، وأوقعوا بهم وسَبَوا القبطَ وقتلوا مقاتِلَتَهم وأبادوهم، وقمعوا أهلَ الفسادِ مِن سائِرِ أراضي مصرَ بعد أن قتَلوا منهم مقتلةً عظيمةً، ثم رحل الخليفةُ المأمون من مصر.

العام الهجري : 398 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1008
تفاصيل الحدث:

سار يَمينُ الدَّولة محمودُ بنُ سبكتكين الغزنوي، إلى شاطئِ نَهرِ هندمند، فلاقاه هناك إبرهمن بال بن إندبال في جيوشِ الهند، فاقتَتَلوا مليًّا، وكادت الهندُ تَظفَرُ بالمُسلمين، ثمَّ إنَّ الله تعالى نصَرَ عليهم، فظَفِرَ بهم المُسلمون، فانهزموا على أعقابِهم، وأخَذَهم المُسلِمونَ بالسَّيفِ، وتَبِعَ يمينُ الدَّولة أثَرَ إبرهمن بال، حتى بلغ قلعةَ بهيم نغر، وهي على جَبَلٍ عالٍ كان الهندُ قد جعلوها خِزانةً لصَنَمِهم الأعظَمِ، ينقُلونَ إليها أنواعَ الذَّخائِرِ قرنًا بعد قَرنٍ، وأعلاقَ الجواهِرِ، وهم يعتَقِدونَ ذلك دينًا وعبادةً، فاجتمع فيها على طُولِ الأزمانِ ما لم يُسمَعْ بمِثلِه، فنازَلَهم يمينُ الدَّولة وحصَرَهم وقاتَلَهم، فلمَّا رأى الهنودُ كثرةَ جَمعِه، وحِرصَهم على القتالِ، وزَحْفَهم إليهم مرَّةً بعدَ أخرى؛ خافوا وجَبُنوا، وطلبوا الأمانَ، وفتحوا بابَ الحِصنِ، ومَلَك المُسلِمونَ القلعةَ، وصَعِدَ يمينُ الدَّولة إليها في خواصِّ أصحابِه وثقاتِه، فأخَذَ منها من الجواهِرِ ما لا يُحَدُّ، ومِن الدراهِمِ تسعينَ ألفَ ألف درهمٍ شاهيَّة، ومن الأواني الذَّهبيَّات والفِضِّيَّات سبعَمئة ألفٍ وأربعَمِئَة مَنٍّ، وكان فيها بيتٌ مملوءٌ مِن فِضَّةٍ طولُه ثلاثون ذراعًا، وعَرضُه خمسة عشر ذراعًا، إلى غيرِ ذلك من الأمتِعةِ، وعاد إلى غزنة بهذه الغَنائِمِ، ففَرَش تلك الجواهِرَ في صَحنِ دارِه، وكان قد اجتمعَ عنده رسُلُ المُلوكِ، فأدخَلَهم إليه، فرأوا ما لم يَسمَعوا بمِثلِه.

العام الهجري : 436 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1044
تفاصيل الحدث:

لَمَّا توفِّي المَلِكُ جلال الدَّولة، راسل الجندُ، الملكَ أبا كاليجار مرزبان بنَ سلطان الدَّولة البويهي وخَطَبوا له. فلمَّا استَقَرَّت القواعِدُ بينه وبينهم أرسل أموالًا فُرِّقَت على الجُندِ ببغداد، وعلى أولادهم، وأرسل عشرةَ آلاف دينار للخليفةِ ومعها هدايا كثيرة، فخطبَ به ببغداد في صفر، وخَطَب له أيضًا أبو الشوك في بلادِه، ودبيس بن مزيد ببلادِه، ونصر الدَّولة بن مروان بديار بكرٍ، ولَقَّبَه الخليفةُ محيي الدِّينِ، وسار إلى بغدادَ في مِئَة فارسٍ مِن أصحابه لئلَّا تخافَه الأتراكُ، فلمَّا وصل إلى النُّعمانية لَقِيَه دبيس بن مزيد، ودخل إلى بغدادَ في شهرِ رمضان. ومعه وزيرُه ذو السَّعادات أبو الفرج محمد بن جعفر بن محمد بن فسانجس، ووعده الخليفةُ القائِمُ بأمر الله أن يستقبِلَه، فاستعفى من ذلك، وأخرج عميدَ الدَّولة أبا سعدِ بن عبد الرحيم وأخاه كمالَ الملك وزيرَي جلال الدَّولة من بغداد، فمضى أبو سعدٍ إلى تكريت، وزُيِّنَت بغداد لقدومه، وأمَرَ فخُلِعَ على أصحاب الجيوش، وهم: البساسيري، والنشاوري، والهمام أبو اللقاء، وجرى من ولاةِ العَرضِ تقديمٌ لبعض الجند وتأخير، فشَغَّب بعضهم، وقتلوا واحدًا من ولاة العرضِ بمرأًى من الملك أبي كاليجار، فنزل في سميرية- نوع من السفن- بكنكور، وانحدر خوفًا من انخراقِ الهَيبةِ.

العام الهجري : 588 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1192
تفاصيل الحدث:

هو السلطان عز الدين قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش بن سلجوق السلجوقي التركماني، ملك الروم. فيه عَدلٌ في الجملة، وسداد وسياسة، وهو والدُ زوجة الخليفة الناصر لدين الله الست سلجوقي خاتون المعروفة بالخلاطية. كان له من البلاد قونية وأعمالها، وأقصرا، وسيواس، وملطية، وغير ذلك من البلاد، وقد امتَدَّت أيام ملكه نحو تسع وعشرين سنة، وقيل: بضعًا وثلاثين سنة, وغزواته كثيرة في بلاد الروم، ولما كَبِرَ فَرَّق بلاده على أولاده، فاستَضعَفوه، ولم يلتَفِتوا إليه، وحَجَر عليه ولَدُه قطب الدين، وكان قلج أرسلان قد استناب في تدبير ملكه رجلًا يعرف باختيار الدين حسن، فلما غَلَب قُطبُ الدين على الأمرِ قَتَلَ حَسنًا، ثم أخذ والِدَه وسار به إلى قيسارية ليأخُذَها من أخيه الذي سَلَّمَها إليه أبوه، فحصرها مدَّة، فوجد والِدُه قلج أرسلان فرصةً، فهرب ودخل قيسارية وحدَه، فلما عَلِمَ قطب الدين ذلك عاد إلى قونية وأقصرا فمَلَكَهما، ولم يزل قلج أرسلان يتحوَّلْ من ولد إلى ولد، وكل منهم يتبَرَّم منه، حتى مضى إلى ولده غياث الدين كيخسرو، صاحب مدينة برغلوا، فلما رآه فَرِحَ به، وخَدَمَه، وجمع العساكِرَ، وسار هو معه إلى قونية، فمَلَكَها، وسار إلى أقصرا ومعه والِدُه قلج أرسلان، فحصرها، فمَرِضَ أبوه، فعاد به إلى قونية, وتوفِّيَ ودفن بها في منتصف شعبان، وبَقِيَ ولده غياث الدين في قونية مالكًا لها، حتى أخَذَها منه أخوه ركن الدين سليمان.

العام الهجري : 599 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1203
تفاصيل الحدث:

هو السلطان غياث الدين أبو الفتح محمد بن سام بن الحسين بن الحسن الغوري، صاحِبُ غزنة وبعض خراسان وفيروزكوه ولهاوور ودهلي من الهند. كان ملِكًا عادِلًا، وللمال باذِلًا، محسِنًا إلى رعيته، رؤوفًا بهم في حُكمِه وسياسته. قَرَّبَ العلماء، وأحَبَّ الفضلاء، كان غياثُ الدين مظفرًا منصورًا في حروبِه، لم تنهَزِمْ له رايةٌ قط، وكان قليلَ المباشرة للحروب، وإنما كان له دَهاءٌ ومَكرٌ، وكان جَوادًا، كثيرَ الصَّدَقاتِ والوقوفِ بخراسان؛ بنى المساجِدَ والمدارِسَ بخراسان لأصحابِ الشافعي، وبنى الخانكاهات في الطُّرُق، وأسقط المكوس، وكان رَحِمه الله، ينسَخُ المصاحف بخَطِّه ويَقِفُها في المدارس التي بناها، ولم يَظهَرْ منه تعصب على مذهب، ويقول: "التعصب في المذاهِبِ مِن المَلِك قَبيحٌ" إلَّا أنه كان شافعيَّ المذهب، فهو يميلُ إلى الشافعيةِ مِن غَيرِ أن يُطمِعَهم في غيرِهم، ولا أعطاهم ما ليس لهم، لم يتعرضْ لمالِ أحدٍ. وكان مَن مات بلا وارث تصَدَّق بما خَلَّفَه. وكان فيه فَضلٌ وأدب. امتدت أيامُه، وأسَنَّ ومَرِضَ بالنقرس مُدَّة. توفي في السابع والعشرين من جمادى الأولى، ودُفِنَ بتربة له إلى جانبِ جامع هراة, وأُخفِيَت وفاته، وكان أخوه شهاب الدين بطوس، عازمًا على قَصدِ خوارزم شاه، فأتاه الخبَرُ بوفاة أخيه، فسار إلى هراة، فلما وصل إليها جلَسَ للعزاء بأخيه في رجب، وأظهرت وفاته حينئذٍ، وخَلَّف غياث الدين من الولد ابنًا اسمُه محمود، لُقِّبَ بعد موت أبيه غياثَ الدين.