الموسوعة الحديثية


- أنَّ أبا طَلحةَ كان له ابنٌ يُكنى أبا عُمَيرٍ قال : فكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ : ( أبا عُمَيْرٍ ما فعَل النُّغَيرُ ) ؟ قال : فمرِض وأبو طَلحةَ غائبٌ في بعضِ حيطانِه فهلَك الصَّبيُّ فقامت أمُّ سُلَيْمٍ فغسَلَتْه وكفَّنَتْه وحنَّطَتْه وسجَّتْ عليه ثوبًا وقالت : لا يكونُ أحَدٌ يُخبِرُ أبا طَلحةَ حتَّى أكونَ أنا الَّذي أُخبِرُه فجاء أبو طَلحةَ كالًّا وهو صائمٌ فتطيَّبَتْ له وتصنَّعَتْ له وجاءت بعَشائِه فقال : ما فعَل أبو عُمَيرٍ ؟ فقالت : تعشَّى وقد فرَغ قال : فتعشَّى وأصاب منها ما يُصيبُ الرَّجُلُ مِن أهلِه ثمَّ قالت : يا أبا طَلحةَ أرأَيْتَ أهلَ بيتٍ أَعاروا أهلَ بيتٍ عاريةً فطلَبها أصحابُها أيرُدُّونَها أو يحبِسونَها ؟ فقال : بل يرُدُّونَها عليهم قالتِ : احتسِبْ أبا عُمَيرٍ قال : فغضِب وانطلَق إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبَره بقولِ أمِّ سُلَيمٍ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( بارَك اللهُ لكما في غابرِ ليلتِكما ) قال : فحمَلَتْ بعبدِ اللهِ بنِ أبي طَلحةَ حتَّى إذا وضَعَتْ وكان يومُ السَّابعِ قالت لي أمُّ سُلَيمٍ : يا أَنَسُ اذهَبْ بهذا الصَّبيِّ وهذا المِكْتَلِ وفيه شيءٌ مِن عَجوةٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى يكونَ هو الَّذي يُحَنِّكُه ويُسمِّيه قال : فأتَيْتُ به النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فمدَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رِجْلَيْه وأضجَعه في حِجْرِه وأخَذ تمرةً فلاكها ثمَّ مجَّها في فِي الصَّبيِّ فجعَل يتلمَّظُها فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( أبتِ الأنصارُ إلَّا حُبَّ التَّمرِ )
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 7188 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه

اشْتَكَى ابْنٌ لأبِي طَلْحَةَ، قالَ: فَمَاتَ، وأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ، فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَتُهُ أنَّهُ قدْ مَاتَ هَيَّأَتْ شيئًا، ونَحَّتْهُ في جَانِبِ البَيْتِ، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ قالَ: كيفَ الغُلَامُ، قالَتْ: قدْ هَدَأَتْ نَفْسُهُ، وأَرْجُو أَنْ يَكونَ قَدِ اسْتَرَاحَ، وظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أنَّهَا صَادِقَةٌ، قالَ: فَبَاتَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَعْلَمَتْهُ أنَّهُ قدْ مَاتَ، فَصَلَّى مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ أَخْبَرَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما كانَ منهمَا، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُما في لَيْلَتِكُما قالَ سُفْيَانُ: فَقالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: فَرَأَيْتُ لهما تِسْعَةَ أَوْلَادٍ كُلُّهُمْ قدْ قَرَأَ القُرْآنَ.
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 1301 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

التخريج : أخرجه البخاري (1301)، ومسلم (2144)


الحزنُ على المُصابِ غَريزةٌ طبيعيَّةٌ، ولكنَّ المؤمنَ الصادِقَ يَستطيعُ أن يَتغلَّبَ عليه بالتحلِّي بالصَّبرِ، والرِّضا بقَضاءِ الله وقدَرِه والتَّسليمِ لأمْرِه.
وفي هذا الحَديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ ابنًا لأبي طَلحةَ رَضيَ اللهُ عنه مَرِضَ، وأبو طَلحةَ هو زَيدُ بنُ سَهلٍ زَوجُ أُمِّ أَنسٍ أُمِّ سُلَيمٍ، وهذا الابنُ هو أخو أنسٍ لأُمِّه أمِّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنهم، وقدْ جاء في صَحيحِ ابنِ حِبَّانَ أنَّ هذا الابنَ هو أبو عُمَيرٍ الَّذي كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُداعِبُه بقولِه: «يا أبا عُمَيْر، ما فعَلَ النُّغَيْر؟» فاشتَكَى، أي: مرِضَ هذا الطِّفلُ، ثمَّ مات، وكان أبو طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه خارجَ البَيتِ، فلمَّا رأتِ امرأتُه أمُّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنها أنَّه قد مات، أحضرَت طعامًا شهيًّا، ولبِسَت وتهيَّأتْ لزَوجِها، وغسَّلتِ ابنَها، وكفَّنَته، «ونَحَّتْهُ» أي: وضَعَتْه في جانبٍ مِن البَيتِ؛ لئلَّا يَراهُ في أوَّلِ دُخولِه، فلمَّا جاء أبو طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه قال: كيف الغلامُ؟ فعرَّضَتْ بإجابتِها؛ فقالت: "قدْ هَدَأَتْ نَفْسُه، وأرجو أنْ يَكونَ قدِ استَراحَ"، فإنَّ كلامَها وإنْ كان صادقًا، فإنَّ له فَهْمًا ومعنًى آخَرَ عندَ أبي طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه، ومعناهُ على الحقيقةِ أنَّه قدْ سكنَتْ رُوحُه عن الحركةِ في جِسمِه، واستراح مِن مَرضِه بالمَوتِ، ومعناهُ عندَ أبي طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ الصبيَّ قدْ تَحسَّنتْ صحَّتُه، وسكَنَتْ آلامُه، وأخلَد إلى النَّومِ، وهذا هو التعريضُ الذي فيه مَندوحةٌ عن الكَذِبِ.
فظنَّ أبو طَلحةَ أنَّها صادِقةٌ بحسَبِ المعنى الذي فَهِمَه، وإلَّا فهي صادقةٌ بالنِّسبةِ إلى المعنَى الذي أرادتْ هي، فباتَ أبو طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه في طُمأنينةٍ عليه، ولَمَّا أَصْبَحَ اغتَسَلَ، وهو كِنايةٌ عن وُقوعِ الجِماعِ بيْنَه وبيْنَ زَوجتِه في تلك اللَّيلةِ؛ فإنَّها كانتْ قدْ جهَّزتْ له العَشاءَ وتَصنَّعتْ كما تَتصنَّعُ المرأةُ لزَوجِها وتَتزَيَّنُ لزَوجِها تعرُّضًا للجِماعِ، فتعشَّى أبو طَلحةَ وأصابَ منها، واغتسَل مِن جَنابتِه لَمَّا أصبَح، فلمَّا أراد أن يَخرُجَ أعلَمَتْه أنَّه قدْ مات، وكان أبو طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه قد غضِبَ مِن فَعلتِها تلك وتَوريتِها عليه كما في روايةِ مُسلِمٍ، وذهَب إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَشكي له ما صنَعَتْ، فصلَّى مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ أخبَره بما كان بيْنَهما، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لعَلَّ اللهَ أنْ يُبارِكَ لكما في لَيلتِكُما، ويُعوِّضَكما عن فَقيدِكما بالخلَفِ الصَّالحِ، فاستجابَ اللهُ دَعوةَ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ورزَقَهما اللهُ تِسعةَ أولادٍ مِن ولدِهما عبدِ الله الَّذي حمَلتْ به تلك اللَّيلةَ، كلُّهم قدْ قرأَ -أي: حَفِظَ- القرآنَ؛ جزاءً لهما على صبرِهما، كما أخبَر بذلك سُفْيانُ بنُ عُيَيْنةَ راوي الحديثِ، والَّذي أخبَرَه بذلك رجُلٌ مِن الأنصارِ، وأنَّه قد تحقَّقَتْ دَعوةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهما بعْدَ زمنٍ.
وفي الحديثِ: فضلُ أمِّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنها، واتِّصافُها بالصَّبرِ على البلاءِ، والرِّضا بالقضاءِ، والتَّسليمِ لأمرِ الله في الضَّرَّاءِ.
وفيه: فضلُ الصَّبرِ، وعاقبتُه الحميدةُ، والتَّعويضُ العاجلُ لكلِّ مَن صبَر عندَ الصَّدمةِ الأولى.
وفيه: الأخذُ بالشِّدَّةِ وترْكُ الرُّخصةِ لِمَن قدَر عليها، وأنَّ ذلك ممَّا يَنالُ به العبدُ رفيعَ الدَّرَجاتِ، وجزيلَ الأجرِ.
وفيه: ذِكرُ المعاريضِ الموهِمةِ إذا دعَتِ الضَّرورةُ إليها، بشَرْطِ ألَّا تُبطِلَ حقًّا لمُسلِمٍ.