الموسوعة الحديثية


- أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عبَّاسٍ والمِسوَرَ بنَ مَخرمةَ اختلفا بالأبواءِ فقال عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ: يغسِلُ المحرِمُ رأسَه وقال المِسورُ: لا يغسِلُ المحرِمُ رأسَه فأرسَلني إلى أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ أسأَلُه عن ذلك فوجَدْتُه يغتسلُ بينَ القرنينِ وهو يستترُ بثوبٍ قال: فسلَّمْتُ عليه فقال: مَن هذا ؟ فقُلْتُ: أنا عبدُ اللهِ بنُ حنينٍ أرسَلني إليك ابنُ عبَّاسٍ أسأَلُك كيف كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يغسِلُ رأسَه وهو محرِمٌ قال: فوضَع أبو أيُّوبَ يدَه على الثَّوبِ وطأطأه حتَّى بدا لي رأسُه ثمَّ قال لإنسانٍ يصُبُّ عليه: اصبُبْ، فصبَّ على رأسِه ثمَّ حرَّك رأسَه بيديه فأقبَل بهما وأدبَر ثمَّ قال: هكذا رأَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يفعَلُه )
الراوي : أبو أيوب الأنصاري | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 3948 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه

 أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ العَبَّاسِ والمِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بالأبْوَاءِ؛ فَقالَ عبدُ اللَّهِ بنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ، وقالَ المِسْوَرُ: لا يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ، فأرْسَلَنِي عبدُ اللَّهِ بنُ العَبَّاسِ إلى أبِي أيُّوبَ الأنْصَارِيِّ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بيْنَ القَرْنَيْنِ وهو يُسْتَرُ بثَوْبٍ، فَسَلَّمْتُ عليه، فَقالَ: مَن هذا؟ فَقُلتُ: أنَا عبدُ اللَّهِ بنُ حُنَيْنٍ، أرْسَلَنِي إلَيْكَ عبدُ اللَّهِ بنُ العَبَّاسِ أسْأَلُكَ: كيفَ كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وهو مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أبو أيُّوبَ يَدَهُ علَى الثَّوْبِ، فَطَأْطَأَهُ حتَّى بَدَا لي رَأْسُهُ، ثُمَّ قالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عليه: اصْبُبْ، فَصَبَّ علَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بيَدَيْهِ فأقْبَلَ بهِما وأَدْبَرَ، وقالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَفْعَلُ.
الراوي : أبو أيوب الأنصاري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 1840 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

كانَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يَختلِفونَ أحْيانًا في بَعضِ المَسائلِ، لكنَّهمْ كانوا يَتعامَلونَ بآدابِ الخِلافِ التي علَّمَهم إيَّاها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابعيُّ عبدُ اللهِ بنُ حُنَينٍ أنَّه وقَعَ خِلافٌ بيْن صَحابيَّيْنِ جَليلينِ -هما عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ والمِسْوَرُ بنُ مَخرَمةَ رَضيَ اللهُ عنهما- في جَوازِ غَسلِ المُحرِمِ لرأسِه، وهما نازلانِ بالأبواءِ، وهي مَنطقةٌ بيْن مكَّةَ والمدينةِ، تَقَعُ جَنوبَ غرْبِ المدينةِ، وتَبعُدُ عنها نحْوَ (250 كم) تَقريبًا، وبها قبْرُ أمِّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكان ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما يرَى أنَّه يُشرَعُ للمُحرِمِ بالحجِّ أو العُمرةِ غَسْلُ رأسِه، أمَّا المِسْوَرُ رَضيَ اللهُ عنه فكان يَرَى عدَمَ الجوازِ، فاحتَكَما في ذلك لأبي أيُّوبَ الأنصاريِّ رَضيَ اللهُ عنه، وبَعَثَا إليه عبدَ اللهِ بنَ حُنَينٍ، فوَجَدَه يَغتسِلُ بيْنَ القَرْنَيْنِ، أي: بيْن قَرْنَي البئرِ، وهما جانِبَا البناءِ الذي على رَأسِ البئرِ، يُجعَلُ عليهما خَشبةٌ تُعلَّقُ بها البَكرةُ.
وكان يَستتِرُ أثناءَ غَسْلِه بثَوبٍ، فسلَّمَ عليه، وعرَّفَه بنفْسِه، وسَأَلَه عن كَيفيَّةِ غَسْلِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأْسَه وهو مُحرِمٌ، وإنَّما سَأَلَه عن الكيفيَّةِ؛ لاحتِمالِ أنْ يكونَ لَمَّا رآهُ يَغتسِلُ وهو مُحرِمٌ، فَهِمَ مِن ذلك الجوابَ، ثمَّ أحبَّ ألَّا يَرجِعَ إلَّا بفائدةٍ أُخرى، فسَأَلَه عن الكَيفيَّةِ. فعلَّمَه أبو أيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه ذلك بفعْلِه -وهو أبلَغُ مِن القولِ- فوَضَعَ يَدَه على الثَّوبِ الذي يَستتِرُ به، فخَفَضَه وأنْزَلَه حتَّى ظَهَرَت رأْسُه، وقال لمَن يَصُبُّ عليه الماءَ: اصْبُبْ، فصَبَّ على رَأسِه الماءَ، ثمَّ حرَّكَ يَدَيه، فأقبَلَ بهما وأدبَرَ، أي: حرَّكَهما مِن مُقدَّمِ رَأسِه إلى نِهايتِها، ثمَّ عادَ بِهما مرَّةً أُخرى إلى مُقدَّمِ رَأسِه، ثمَّ أخبَرَه أنَّه رأَى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَغسِلُ رَأسَه على هذه الهَيئةِ.
ولا شَكَّ أنَّ المُحرِمَ إذا احتَلَم كان عليه الاغتسالُ عامًّا في جَميعِ بَدنِه. فأمَّا خِلافُ المِسْوَرِ رَضيَ اللهُ عنه في ذلك، فلعلَّه اعتبَرَ تَغييبَ الرَّأسِ في الماءِ بمَثابةِ تَغطيةِ الرَّأسِ بالثِّيابِ ونحْوِها، وهو لا يُشرَعُ للمُحرِمِ، أو أنَّه خَشِي إذا غسَلَ المُحرِمُ رأْسَه أنْ يَتساقَطَ بعضُ شَعرِه، والمُحرِمُ مَمنوعٌ مِن حلْقِ شَعرِه، وعلى كلِّ حالٍ، فإنَّ أبا أيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه بيَّنَ طَريقةَ غَسلِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِرَأسِه حالَ الإحرامِ، وهي السُّنَّةُ المُتَّبَعةُ.
وفي الحديثِ: رُجوعُ الصَّحابةِ إلى الحُجَّةِ بالسُّنَّةِ، وترْكُ آرائِهم واجتهادِهم لها، وأنَّ الصَّحابةَ إذا اختلَفوا لم تكُنِ الحُجَّةُ في قَولِ أحدٍ منهم إلَّا بدَليلٍ يَجِبُ التَّسليمُ له مِن كِتابٍ أو سُنَّةٍ.