الموسوعة الحديثية


- لقد شَهِدْتُ منَ المقدادِ مَشهدًا لئن أَكونَ أَنا صاحبَهُ أحبُّ إليَّ مِمَّا علَى الأرضِ من شيءٍ قالَ : أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، وَكانَ رجلًا فارسًا ، قالَ : فقالَ : أبشِر يا نبيَّ اللَّهِ ، واللَّهِ لا نقولُ لَكَ كما قالت بنو إسرائيلَ لموسى صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ، ولَكِن والَّذي بعثَكَ بالحقِّ لنَكوننَّ بينَ يديكَ ، وعن يمينِكَ ، وعن شمالِكَ ، ومن خلفِكَ حتَّى يَفتحَ اللَّهُ عليكَ
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : تخريج المسند لشاكر | الصفحة أو الرقم : 6/174 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

 شَهِدْتُ مِنَ المِقْدَادِ بنِ الأسْوَدِ مَشْهَدًا، لَأَنْ أكُونَ صَاحِبَهُ أحَبُّ إلَيَّ ممَّا عُدِلَ به؛ أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَدْعُو علَى المُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لا نَقُولُ كما قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ فَقَاتِلَا، ولَكِنَّا نُقَاتِلُ عن يَمِينِكَ، وعَنْ شِمَالِكَ، وبيْنَ يَدَيْكَ وخَلْفَكَ. فَرَأَيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أشْرَقَ وجْهُهُ وسَرَّهُ. يَعْنِي قَوْلَهُ.
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 3952 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

التخريج : من أفراد البخاري على مسلم


مدَحَ اللهُ الصَّحابةَ الكرامَ رَضيَ اللهُ عنهم؛ لأنَّهم آزَروا ونَصَروا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانوا أشِدَّاءَ على الكفَّارِ.
وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لمَوقِفٍ مِن شَجاعَتِهم، وصِدقِ إيمانِهم، وحُبِّهم للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه شهِدَ مِن المِقْدادِ بنِ الأسْوَدِ رَضيَ اللهُ عنه مَشهَدًا ومَوقفًا، تَمنَّى أنْ لو كان هو صاحِبَ هذا المَشهَدِ وقائلَ تلك المَقالةِ الَّتي قالَها، وأنَّها مَقولةٌ أحَبُّ إليه ممَّا عُدِلَ به، أي: ممَّا وُزِنَ به مِن شَيءٍ يُقابِلُه مِن مُتَعِ الدُّنْيا، أوِ الثَّوابِ الَّذي عُدِلَ ذلك المَشهَدُ به؛ وسَببُ ذلك أنَّه استَشَفَّ مِن تلك الكَلِماتِ أنَّها بلَغَتْ مِن رِضا اللهِ عزَّ وجلَّ، ورِضا رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في تلك السَّاعةِ، وفي ذلك المَقامِ؛ مَبلَغًا لا يَعدِلُه ما يَنالُه عِلمُ البَشَرِ مِن الأمانيِّ؛ وذلك أنَّه قال قَولًا تَعلَّقَت به قُلوبُ المؤمِنينَ، فقدْ أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ بَدرٍ وهو يَدْعو على المُشرِكينَ، فقال المِقْدادُ رَضيَ اللهُ عنه لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا نَقولُ كما قال قَومُ نَبيِّ اللهِ موسى عليه السَّلامُ: اذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ فَقَاتِلَا، كما سجَّل القُرآنُ عليهم: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، قالوا ذلك اسْتِهانةً باللهِ ورَسولِه، وعَدمَ مُبالاةٍ بهما، وتَقْديرُه: امْضِ يا موسى أنتَ وربُّك لقِتالِهم، أمَّا نحنُ فماكِثونَ في هذا المكانِ، ولنْ نَبرحَه معكَ للمضيِّ إليهم.
قال المِقْدادُ رَضيَ اللهُ عنه: ولكنَّا نُقاتِلُ عَدوَّكَ عن يَمينِكَ، وعن شِمالِكَ، وبيْنَ يَديْكَ، وخَلفَكَ، أي: نُحيطُ بكَ، ونَحْميكَ مِن العَدوِّ مِن كلِّ الجِهاتِ، وهذا القَولُ يدُلُّ على صِدقِ المِقْدادِ، وصِدقِ الصَّحابةِ في إيمانِهم، وجِهادِهم في سَبيلِ اللهِ.
فذكَرَ عبدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ رَضيَ اللهُ عنه حالَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا سَمِع تلك الكَلِماتِ مِن المِقْدادِ، فقال: «فرَأيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أشرَقَ وَجْهُه»، أيِ: اسْتَنارَ، وسَرَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَولُ المِقْدادِ رَضيَ اللهُ تعالَى عنه.
وفي الحَديثِ: ما يدُلُّ على فَضلِ المِقْدادِ بنِ الأسْوَدِ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: فَضلُ ابنِ مَسْعودِ رَضيَ اللهُ عنه مِن حيثُ مَعرِفتُه بالفَضلِ لأهلِه.