الموسوعة الحديثية


- غَزَوْنَا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكان معنا أناسٌ مِن الأعرابِ فكنا نَبْتَدِرُ الماءَ- وكان الأعرابُ يَسْبِقونا إليه، فسبَقَ أعرابيٌّ أصحابَه، فيَسْبِقُ الأعرابيُّ فيَمْلَأُ الحَوْضَ، ويَجْعَلُ حولَه حجارةً، ويَجْعَلُ النِّطْعَ عليه حتى يَجِيءَ أصحابُه. قال: فأتى رجل ٌمِن الأنصارِ أعرابيًّا فأَرْخَى زِمامَ ناقتِه لتِشْرَبَ، فأبى أن يَدَعَه، فانتَزَع َقِباضَ الماءِ فرَفَعَ الأعرابيُّ خشَبَتَه، فضَرَبَ بها رأسَ الأنصاريِّ، فشَجَّه فأَتَى عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ رأسُ المنافقين، فأَخْبَرَه وكان مِن أصحابِه، فغَضِبَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ثم قال: لا تُنْفِقوا على مِن عندَ رسولِ اللهِ حتى يَنْفَضُّوا مِن حولِه؛ يعني: الأعرابَ. وكانوا يَحْضُرون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عندَ الطعامِ، فقال عبدُ اللهِ إذا انفَضُّوا مِن عند محمدٍ فأتوا محمدًا بالطعامِ، فلْيَأْكُلْ هو ومَن عندَه، ثم قال لأصحابِه: لئِنْ رجَعْنَا إلى المدينةِ ليُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ. قال زيدٌ: وأنا رِدْفُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بن أُبَيٍّ، فأَخْبَرْتُ عمِّي، فانطَلَقَ، فأَخَبَرَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأرَسَلَ إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فحَلَفَ وجَحَدَ قال: فصَدَّقَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكَذَّبَني، قال: فجاءَ عمِّي إليَّ، فقال: ما أَرَدْتُ إِلَى أن مَقَتَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكذَّبَك والمسلمون! قال: فوَقَعَ عليَّ مِن الهمِّ ما لم يَقَعْ على أحدٍ، قال: فبينما أنا أَسِيرُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ قد خَفَقْتُ برأسي مِن الهمِّ إذ أتاني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فعَرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فما كان يَسُرُّني أن لي بها الخلدَ في الدنيا، ثم إن أبا بكرٍ لَحِقَني فقال: ما قال لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! قلتُ: ما قال لي شيئًا إلا أنه عَرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي! فقال: أَبْشِرْ. ثم لَحِقَني عمرُ، فقُلْتُ له: مثلَ قولي لأبي بكرٍ. فلما أَصْبَحْنَا قرَأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سورةَ المُنافقين.
الراوي : زيد بن أرقم | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي | الصفحة أو الرقم : 3313 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح

غَزونا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وَكانَ معَنا أُناسٌ منَ الأعرابِ فَكُنَّا نبتدِرُ الماءَ، وَكانَ الأعرابُ يسبِقونا إليهِ، فسبقَ أعرابيٌّ أصحابَهُ، فيَسبقُ الأعرابيُّ فيملأُ الحَوضَ ويجعلُ حولَهُ حجارةً ويجعلُ النِّطعَ علَيهِ حتَّى يجيءَ أصحابُهُ. قالَ: فأتى رجلٌ منَ الأنصارِ أعرابيًّا فأرخى زمامَ ناقتِهِ لتَشربَ فأبى أن يدعَهُ فانتزعَ قِباضَ الماءِ، فرفعَ الأعرابيُّ خَشبتَهُ فضربَ بِها رأسَ الأنصاريِّ فشجَّهُ، فأتى عبدَ اللَّهِ بنَ أبيٍّ رأسَ المُنافقينَ فأخبرَهُ وَكانَ من أصحابِهِ، فغَضبَ عبدُ اللَّهِ بنُ أبيٍّ، ثمَّ قالَ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا من حوله يَعني الأعرابَ وَكانوا يحضرونَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ عندَ الطَّعامِ، فقالَ عبدُ اللَّهِ: إذا انفضُّوا من عندِ محمَّدٍ فأتوا محمَّدًا بالطَّعامِ، فليأكُل هوَ ومن عندَهُ، ثمَّ قالَ لأصحابِهِ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ، قالَ زيدٌ: وأَنا رِدفُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فسَمِعْتُ عبدَ اللَّهِ بنَ أبيٍّ، فأخبرتُ عمِّي، فانطلقَ فأخبرَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فأرسلَ إليهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فحلفَ وجَحدَ، قالَ: فصدَّقَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وَكَذَّبَني، قالَ: فجاءَ عمِّي إليَّ، فقالَ: ما أردتَ إلى أن مقتَكَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وَكَذَّبَكَ والمسلِمونَ. قالَ: فوقعَ عليَّ منَ الهمِّ ما لم يقَعْ على أحدٍ. قالَ: فبينَما أَنا أسيرُ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في سفرٍ قد خَفقتُ برأسي منَ الهمِّ، إذ أتاني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فعرَكَ أذُني وضحِكَ في وَجهي، فما كانَ يسرُّني أنَّ لي بِها الخُلدَ في الدُّنيا، ثمَّ إنَّ أبا بَكْرٍ لحقَني فقالَ: ما قالَ لَكَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ؟ قلتُ: ما قالَ لي شيئًا، إلَّا أنَّهُ عرَكَ أذُني وضحِكَ في وجهي. فقالَ: أبشِرْ، ثمَّ لحقَني عمرُ، فقُلتُ لَهُ مثلَ قولي لأبي بَكْرٍ فلمَّا أصبحنا قرأَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ سورَةَ المُنافقينَ
الراوي : زيد بن أرقم | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 3313 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

حَفَلتِ السِّيرةُ النَّبويَّةُ بالْأحداثِ الكاشِفَةِ لحَقيقةِ إيمانِ كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ، وميَّزتْ أهلَ النِّفاقِ، وأظهَرتْ ما أخْفَوه في قُلوبِهم مِن غِلٍّ وحِقدٍ للإسلامِ، كما بيَّنَتْ جوْهَرَ إيمانِ المؤمنينَ حَقًّا، وما وَقَرَ في قُلوبِهم مِن حُبِّ اللهِ ونُصْحٍ لِرسولِه.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ زَيدُ بنُ أرْقمَ رضِيَ اللهُ عنه: "غَزَونا معَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ"، والمرادُ بها غزوةُ بني المُصْطَلِقِ، وتُسمَّى المُرَيْسيعَ، "وكان معَنا أُناسٌ منَ الأعرابِ"، أي: من أهلِ الباديةِ، "فكُنَّا نبْتدِرُ الماءَ"، أي: نُسارِعُ إليه، "وكان الأعرابُ يسْبِقونا إليهِ، فسبَقَ أعرابيٌّ أصحابَهُ، فيَسبِقُ الأعرابيُّ فيملَأُ الحَوضَ"، أي: حوضَ البئرِ المَبْنيَّ حولَه، "ويجعَلُ حولَه حِجارةً، ويجعَلُ النِّطعَ عليهِ"، أي: يضَعُه حتَّى يحفَظَ الماءَ؛ ليمنَعَ غيْرَه من الاقتِرابِ منه، والنِّطعُ: بِساطٌ من الأديمِ والجلْدِ، "حتَّى يجيءَ أصحابُه"، أي: يُؤثِرُ بذلك الفعْلَ نفْسَه وأصحابَه دونَ غيْرِهم، قال زيدٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فأتَى رجَلٌ منَ الأنصارِ أعرابيًّا، فأرخى زِمامَ ناقتِه لتَشْرَبَ، فأبى أنْ يَدعَهُ"، أي: رفَضَ الأعرابيُّ أنْ يترُكَ الأنصاريَّ لتشرَبَ ناقتَه، "فانتزَعَ"، أي: الأنصاريُّ، "قِباضَ الماءِ" وهو ما يمسِكُ الماءَ من الحجارةِ وغيرِها، الَّتي جعَلَها الأعرابيُّ على الحوضِ، فغضِبَ الأعرابيُّ لفعْلِ الأنصاريِّ، "فرفَعَ الأعرابيُّ خَشبتَهُ، فضرَبَ بها رأْسَ الأنصاريِّ فشجَّهُ" والشَّجِّ هو ضرْبُ الرَّأسِ خاصَّةً وجَرْحُه وشَقُّه، "فأتى"، أي: الأنصاريُّ المشجوجُ، "عبدَ اللهِ بنَ أُبيٍّ رأسَ المُنافقينَ، فأخبرَهُ، وكان من أصحابِه"، أي: كان الأنصاريُّ من أصحابِ وأتباعِ عبدِ اللهِ بنِ أُبيٍّ، "فغضِبَ عبدُ اللهِ بنُ أُبيٍّ، ثمَّ قال: لا تُنْفِقوا على مَن عندَ رَسولِ اللهِ" يقصِدُ بذلك الأعرابَ، "حتَّى يَنْفضُّوا مِن حولِه"، أي: حتَّى يتفرَّقَ الأعرابُ ويذْهبوا من حولِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "وكانوا يَحضُرونَ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عندَ الطَّعامِ، فقال عبدُ اللهِ: إذا انفضُّوا من عندِ محمَّدٍ، فأْتُوا محمَّدًا بالطَّعامِ، فليأكُلْ هو ومَن عندَهُ.
ثمَّ قال عبدُ اللهِ بنُ أُبيٍّ لأصحابِه: "لئنْ رجَعْنا إلى المدينةِ لَيُخرِجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ"، يعني: أنَّ العزيزَ من الطَّرفَينِ سيُخرِجُ الذَّليلَ من المدينةِ ويطرُدُه منها، ويعني بالأعزِّ نفْسَه، ويُريدُ بالذَّليلِ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال زيدٌ: "وأنا رِدْفُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ"، أي: وأنا راكِبٌ خلْفَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فسمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبيٍّ"، أي: سمِعَ قولَه هذا، "فأخبرْتُ عمِّي"، أي: بمَقولةِ عبدِ اللهِ بنِ أُبيٍّ، "فانطلَقَ فأخبَرَ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فأرسَلَ إليهِ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فحلَفَ وجحَدَ"، أي: أقسَمَ عبدُ اللهِ بنُ أُبيٍّ وأنكَرَ ما قاله زيدُ بنُ أرقمَ، قال زيدٌ: "فصدَّقَهُ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وكذَّبَني، قال: فجاءَ عمِّي إليَّ، فقال: ما أردْتَ إلى أنْ مقَتَكَ"، أي: ما تحصَّلْتَ من كذِبِك وافترائِك إلَّا أنْ كرِهَك "رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وكذَّبَك والمُسلِمون"، قال زَيدٌ: "فوقَعَ عليَّ منَ الهمِّ ما لم يقَعْ على أحدٍ"، أي: بلَغَ به الهمُّ ٍمبْلغَه، قال: "فبينَما أنا أسيرُ مع رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في سفَرٍ قد خَفقتُ برأْسي منَ الهمِّ"، أي: طأطأْتُ برأْسي وخفَضْتُها؛ خجَلًا وخوفًا ممَّا حدَثَ، "إذْ أتاني رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فعرَكَ أذُني"، أي: فرَكَها بيدِه، "وضحِكَ في وَجْهي" سُرورًا بما علِمَه من صِدْقِ زيدٍ وكذِبِ عبْدِ اللهِ بنِ أُبيٍّ، "فما كان يسرُّني أنَّ لي بها"، أي بضحكةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في وجْهي، "الخُلدَ في الدُّنيا. ثمَّ إنَّ أبا بَكْرٍ لحِقَني فقال: ما قال لكَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ قلْتُ: ما قال لي شيئًا، إلَّا أنَّه عرَكَ أذُني وضحِكَ في وجْهي، فقال: أبشِرْ، ثمَّ لحِقَني عمَرُ، فقُلتُ له مثلَ قولي لأبي بَكْرٍ، فلمَّا أصبحْنا، قرَأَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُورةَ المُنافقينَ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1]، حتَّى بلَغَ {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: 8].
وفي الحديثِ: بَيانُ صِفَةِ المُنافقينَ من الكذِبِ في الحَديثِ، وإظهارِ الإيمانِ وإضمارِ الكُفْرِ.
وفيه: أخْذُ النَّاسِ بالظَّاهرِ منهم، وترْكُ سَريرتِهم إلى اللهِ تعالى.
وفيه: مَنقبةٌ وفضْلٌ لزَيدِ بنِ أرقَمَ رضِيَ اللهُ عنه.