- قالَ رجلٌ منَ اليَهودِ بِسوقِ المدينةِ، والَّذي اصطَفى موسَى على البشَرِ فرفعَ رجلٌ منَ الأنصارِ يدَهُ فلطمَهُ، قالَ: تقولُ هذا وفينا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ؟ فذُكِرَ ذلِكَ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ: قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ، فأَكونُ أوَّلَ من رفعَ رأسَهُ، فإذا أَنا بموسَى آخذٌ بقائمةٍ مِن قوائمِ العَرشِ، فلا أدري أرفعَ رأسَهُ قَبلي، أو كانَ مِمَّنِ استثنى اللَّهُ عزَّ وجلَّ، ومَن قالَ: أَنا خيرٌ مِن يونُسَ بنِ متَّى فقَد كذبَ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البوصيري | المصدر : مصباح الزجاجة
الصفحة أو الرقم: 4/253 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح رجاله ثقات
التخريج : أخرجه البخاري (3414، 3415)، ومسلم (2373).
فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مخاطبًا الأنصاريَّ: "لِمَ لطَمتَ وجهَه؟"، أي: ما سَببُ ضَربُكَ له؟ قال الأنصاريُّ: "قالَ يا رسولَ اللهِ: والذي اصْطفَى موسى عليه السلامُ على البَشرِ، وأنتَ بينَ أظهُرِنا"، أي: إنَّ السَّببَ كان بذلكَ القَسمِ. قالَ أبو هريرة: "فغضِبَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى عُرِفَ الغضبُ في وجهِه"، أي: ظَهرتْ على وجههِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علاماتُ الغَضبِ، ثم قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا تُفضِّلوا بينَ أنبياءِ اللهِ"، أي: لا تَجعلوا نبيًّا أفضلَ من نبيٍّ.
وقد قيلَ: إنَّ نهيَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أنْ تكونَ المفاضلةُ دون علمٍ أو تبعًا لهوًى، ولكن لتَكُنِ المفاضلةُ بما نصَّ عليه اللهُ عزَّ وجلَّ وبيَّنته أقوالُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253].
ثمَّ بيَّنَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فضْلَ موسى عليه السَّلامُ بقولِه: "فإنَّه يُنفَخ في الصُّورِ"، والصُّورُ: قيلَ هو شيءٌ مِثلُ القرنِ يُنفَخ فيه يومَ القيامةِ، "فيَصْعَقُ مَن في السمواتِ ومَن في الأرض إلَّا مَن شاءَ الله"، أي: يموتونَ من شِدَّة الفزَعِ من تِلك النَّفْخةِ، "ثم يُنفَخ فيه أُخرى"، أي: في الصورِ، وتلكَ نَفخةُ البعثِ والإحياءِ للمَوتى، "فأكونُ أَوَّلَ مَن بُعِثَ- أو في أوَّلِ من بُعِثَ"، أي: يكونُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوَّلَ مَن يُبعَث يومَ القيامةِ عندَ تلكِ النفخةِ، "فإذا موسى عليه السلامُ آخِذٌ بالعَرشِ"، أي: مُمسِكٌ بقائمةٍ من قَوائمِه، وهذا إشارةٌ إلى بَعْثِ موسى عليه السلامُ؛ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فلا أدْري أحُوسِبَ بصَعْقتِه يومَ الطُّورِ"، أي: إنَّه لم يَمُتْ بالنَّفخةِ الأولى مِثلَ باقي الخلائقِ، وذلكَ أنَّه قد صَعِقَ مِن قبلُ كما في قولهِ تَعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143]، "أو بُعِثَ قَبلي"، أي: أو إنَّه قد صَعِقَ ولكنَّه بُعِث قبلَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إشارةً إلى ما له مِن فَضيلةٍ.
"ولا أقول: إنَّ أحدًا أَفْضلُ مِن يونُسَ بنِ متَّى عليهِ السلامُ"، أي: إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُفاضِلُ بأحدٍ من الأنبياءِ على نبيِّ اللهِ يُونسَ عليهِ السلامُ، وقدْ خصَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالذِّكرِ بما كانَ مِن نبيِّ اللهِ يونسَ من تَوْليتِه عن قومِه لَمَّا امتَنعوا من إجابَتِه، وقلةِ تحمُّله لهم كما في قولهِ تَعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القلم: 48- 50]، والمرادُ أنَّ كلَّ الأنبياءِ سَواءٌ، فلا يُخيَّرُ أحدٌ على أحدٍ اقتداءً بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وقيل: إنَّ كُرهَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للمُفاضلةِ بين الأنبياءِ هو تواضُعٌ مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحتَّى لا يكونَ هناك نِزاعٌ في ذلكَ؛ فتكونَ مدخلًا للشيطانِ.
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عن الاعتِداءِ على مَن لهم ذِمَّةٌ وعهدٌ.( ).