الموسوعة الحديثية


- والَّذي فلقَ الحبَّةَ وبرأَ النَّسمةَ إنَّهُ لعهدُ النَّبيِّ الأمِّيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إليَّ أنَّهُ لا يحبُّني إلا مؤمنٌ ولا يبغضُني إلَّا منافقٌ
الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : البيهقي | المصدر : الاعتقاد للبيهقي | الصفحة أو الرقم : 416 | خلاصة حكم المحدث : ثابت

قالَ عَلِيٌّ: والذي فَلَقَ الحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ، إنَّه لَعَهْدُ النبيِّ الأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلَيَّ: أنْ لا يُحِبَّنِي إلَّا مُؤْمِنٌ، ولا يُبْغِضَنِي إلَّا مُنافِقٌ.
الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 78 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

كانَ لعليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه مَنزلَةٌ كَبيرةٌ وعَظيمةٌ عِند رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فهو ابنُ عمِّه أبي طالِبٍ الذي ناصَرَه وحَفِظَه من كُفَّارِ قُرَيشٍ، وزَوجُ ابنتِه فاطِمةَ رَضيَ اللهُ عنها أحَبِّ بَناتِه إليه، وأبو الحَسَنِ والحُسَينِ سِبطَي رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحديثِ يُقسِمُ عليٌّ رَضيَ اللهُ عنه فيَقولُ: «والذي فَلَقَ الحَبَّةَ»، أي: قَسَمٌ ويَمينٌ باللهِ الذي شَقَّ الحَبَّةَ والبَذرةَ بعدَ وَضْعِها في التُّرابةِ، وخَلَقَ مِنها النَّباتَ بقُدرتِه، «وبَرَأَ النَّسَمَةَ»، أي: خَلَق الرُّوحَ والإنسانَ والنَّفسَ، «إنَّه لَعْهَدُ»، أي: جَعَلَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ميثاقًا، و«الأُمِّي»: هو الوَصفُ الذي وُصِفَ به في الكُتُبِ السَّابِقَةِ بأنَّه لا يَقرَأُ ولا يَكتُبُ، وقد ذُكِرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذا الوصفِ في مَوضِعَينِ في القرآنِ الكريمِ: قَولِه تَعالَى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّي الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157]، وقَولِه سُبحانَه: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} [الأعراف: 158]، فكانَ عَهدُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له أنَّ المؤمنين حقًّا يُحبُّونَ عليًّا رَضيَ اللهُ عنه، وأنَّ المُنافِقين يَكرَهونَه، وهذا من فَضائلِ عليٍّ رَضيَ اللهُ عنه، والمَعنى: أنَّ مَن عَرَفَ قَدْرَ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رضيَ اللهُ عنه، وقُربَه من رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وحُبَّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له، وما كانَ مِنه في نُصرةِ الإسلامِ، وسَوابِقَه، ثُمَّ أحَبَّه لذلك، كانَ ذلك من دَلائلِ صِحَّةِ إيمانِه وصِدقِه في إسلامِهِ؛ لقيامِه بِما يُرضي اللهَ سُبحانَه وتعالى ورَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومَن أبغَضَه كانَ بضِدِّ ذلك، واستُدِلَّ به على نِفاقِه وفَسادِ سَريرتِهِ، وهذا فيه مَزيدُ وَصيَّةٍ بعليٍّ رَضيَ اللهُ عنه، كما أوصَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بجَميعِ أصحابِه، وأخبَرَ أنَّهم كُلَّهم كالنُّجومِ، وأوصى بالتَّمسُّكِ بسُنَّتِهم، ثُمَّ خَصَّص الأمرَ والإرشادَ إلى التَّمسُّكِ بسُنَّةِ الخُلفاءِ الرَّاشِدين من بَعدِه خاصَّةً، ومنهم عليٌّ رَضيَ اللهُ عنهم جميعًا.
وليس في ذَلِك تخصيصٌ بوِلايةِ عليٍّ رَضيَ اللهُ عنه، ولا أنَّ أمرَ الخِلافَةِ له بَعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَعلَّ ذلك كان تَثبيتًا منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لعليٍّ رَضيَ اللهُ عنه، ودَعوةً للمُسلِمينَ إلى إعطاءِ عليٍّ رَضيَ اللهُ عنه مَكانتَهُ، وعدَمِ التَّقليلِ من شأنِه بَعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد يكونُ هذا من أعلامِ النُّبوَّةِ؛ إذ عَلِمَ أنَّ بَعضَ النَّاسِ سوف يَنالون من عليٍّ رَضيَ اللهُ عنه بَعدَهُ، وأنَّ البَعضَ سيُغالي فيه، فقرَّرَ أنَّ حُبَّ عليٍّ رَضيَ اللهُ عنه يَقَعُ في قُلوبِ المؤمِنين، وكُرهَه يَقَعُ في قُلوبِ المُنافِقينَ.