الموسوعة الحديثية


- عن ثابتٍ قال : كنا عند أنسِ بنِ مالكٍ فكتب كتابًا بينَ أهلهِ فقال : اشهدوا يا معشرَ القرَّاءِ ، قال ثابتٌ : فكأنِّي كرهتُ ذلك ، فقلتُ : يا أبا حمزةَ لو سميتَهم بأسمائِهم ، قال : وما بأسُ ذلك أنْ أقولَ لكم : قراءً ، أفلا أحدثُكم عن إخوانِكم الذين كنَّا نسمِّيهم على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم : القرَّاءَ ؟ فذكرَ أنهم كانوا سبعينَ فكانوا إذا جنَّهم الليلُ انطلقوا إلى معلِّمٍ لهم بالمدينةِ فيدرسونَ اللَّيلَ حتَّى يُصبِحوا ، فإذا أصبحوا فمن كانتْ له قوَّةٌ استعذبَ من الماءِ وأصاب من الحطبِ ، ومن كانت عنده سعةٌ اجتمعوا فاشتروا الشاةَ وأصلحوها فيصبحُ ذلك معلَّقًا بحجرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم . فلمَّا أصيبَ خُبَيبٌ بعثَهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم فأتَوْا على حيٍّ من بني سُليمٍ وفيهم خالي حرامٌ فقال حرامٌ لأميرِهم : دعني فلأخبرْ هؤلاءِ أنَّا لسنا إياهُم نريدُ حتَّى يخلُّوا وجهَنا . فقال لهم حرامٌ : إنَّا لسنا إياكم نريدُ فخلَّوا وجهَنا ، فاستقبله رجلٌ برمحٍ فأنفذَهُ منه فلمَّا وجد الرمحَ في جوفهِ قال : اللهُ أكبرُ فزتُ وربِّ الكعبةِ ، قال : فانطوَوا عليهم فما بقيَ أحدٌ منهم فقال أنسٌ : فما رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم وجد على شيءٍ قطُّ وَجدَهُ عليهمْ ، فلقدْ رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم في صلاةِ الغَداةِ رفع يديهِ فدعا عليهم . وفي روايةٍ : يدعو عليهم
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : أصل صفة الصلاة | الصفحة أو الرقم : 3/957 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

 أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ خَالَهُ -أخٌ لِأُمِّ سُلَيْمٍ- في سَبْعِينَ رَاكِبًا، وكانَ رَئِيسَ المُشْرِكِينَ عَامِرُ بنُ الطُّفَيْلِ، خَيَّرَ بيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ؛ فَقالَ: يَكونُ لكَ أهْلُ السَّهْلِ ولِي أهْلُ المَدَرِ، أوْ أكُونُ خَلِيفَتَكَ، أوْ أغْزُوكَ بأَهْلِ غَطَفَانَ بأَلْفٍ وأَلْفٍ. فَطُعِنَ عَامِرٌ في بَيْتِ أُمِّ فُلَانٍ، فَقالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ البَكْرِ، في بَيْتِ امْرَأَةٍ مِن آلِ فُلَانٍ! ائْتُونِي بفَرَسِي، فَمَاتَ علَى ظَهْرِ فَرَسِهِ، فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أخُو أُمِّ سُلَيْمٍ -وهو رَجُلٌ أعْرَجُ- ورَجُلٌ مِن بَنِي فُلَانٍ، قالَ: كُونَا قَرِيبًا حتَّى آتِيَهُمْ، فإنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ، وإنْ قَتَلُونِي أتَيْتُمْ أصْحَابَكُمْ، فَقالَ: أتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ، وأَوْمَؤُوا إلى رَجُلٍ، فأتَاهُ مِن خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ -قالَ هَمَّامٌ: أحْسِبُهُ- حتَّى أنْفَذَهُ بالرُّمْحِ، قالَ: اللَّهُ أكْبَرُ! فُزْتُ ورَبِّ الكَعْبَةِ، فَلُحِقَ الرَّجُلُ، فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غيرَ الأعْرَجِ؛ كانَ في رَأْسِ جَبَلٍ، فأنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا، ثُمَّ كانَ مِنَ المَنْسُوخِ: إنَّا قدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وأَرْضَانَا. فَدَعَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليهم ثَلَاثِينَ صَبَاحًا؛ علَى رِعْلٍ، وذَكْوَانَ، وبَنِي لَحْيَانَ، وعُصَيَّةَ، الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ ورَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 4091 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

لقدْ جاهَدَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم في اللهِ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقَّ الجِهادِ؛ لإعْلاءِ كَلِمتِه، وتَنْفيذًا لأمْرِه، ومُجاهَدةً لأعْدائِه، فأُوذوا وصَبَروا للهِ ابتِغاءَ ما عندَ اللهِ سُبحانَه وتعالَى، ففازوا بخَيرَيِ الدُّنْيا والآخِرةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَثَ خالَه حَرامَ بنَ مِلْحانَ -فأُختُه أُمُّ سُلَيمٍ بِنتُ مِلْحانَ، وهي أُمُّ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنهم- في سَبْعينَ راكِبًا إلى بَني عامِرِ بنِ صَعْصَعةَ مِن أهْلِ نَجدٍ؛ ليَدْعوَهم إلى الإسْلامِ، وفي رِوايةٍ أُخْرى في البُخاريِّ: «أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أتَاهُ رِعْلٌ، وذَكْوانُ، وعُصَيَّةُ، وبَنو لَحْيانَ، فزَعَموا أنَّهم قد أسْلَموا، واسْتَمَدُّوه على قَوْمِهم، فأمَدَّهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسَبْعينَ منَ الأنْصارِ، قال أنَسٌ: كُنَّا نُسَمِّيهمُ القُرَّاءَ، يَحْطِبونَ بالنَّهارِ، ويُصلُّونَ باللَّيلِ»، وكان رَئيسُ المُشرِكينَ عامِرُ بنُ الطُّفَيلِ قدْ خيَّرَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا جاءهُ بيْنَ ثَلاثِ خِصالٍ؛ الأُولى: أنْ يكونَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أهلُ السَّهلِ، أي: سُكَّانُ الباديةِ، ولعامِرِ بنِ الطُّفَيلِ أهلُ المَدَرِ، وهمْ أهلُ المُدنِ، والثَّانيةُ: أنْ يكونَ خَليفةً للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن بَعدِه، والثَّالِثةُ: أنْ يَغْزوَ ويُحارِبَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأهلِ قَبيلةِ غَطَفانَ «بألْفٍ وألْفٍ»، أي: بألْفِ أشْقَرَ، وألْفِ شَقْراءَ، كما جاء في مُسنَدِ أحمَدَ، والشُّقرةُ مِن الألوانِ: حُمْرةٌ تَعْلو بَياضًا في الإنسانِ، وحُمرةٌ صافيةٌ في الخيلِ، فالمرادُ بألْفٍ مِن ذُكورِ الخيلِ وألْفٍ مِن إناثِها، ويَحتمِلُ أنَّه يعودُ على الإبلِ والنُّوقِ، وهو كِنايةٌ عن كَثْرةِ عدَدِ مُحاربِيه، وشدَّةِ بأْسِهم وقوَّتِهم.
فأُصيبَ عامِرٌ بالطَّاعونِ في بَيتِ أُمِّ فُلانٍ، وهي سَلولُ بِنتُ شَيْبانَ، وزَوجُها مُرَّةُ بنُ صَعْصَعةَ، أخو عامِرِ بنِ صَعْصَعةَ، فظَهَرَ في أصْلِ أُذُنِه غُدَّةٌ كالغُدَّةِ الَّتي تَطلُعُ على البَكْرِ، وهو الفَتيُّ منَ الإبِلِ، والغُدَّةُ: قِطْعةٌ صُلْبةٌ يَركَبُها الشَّحمُ تَكونُ في العُنُقِ وغَيرِه، وجعَل عامرٌ يَنْعى نفْسَه في مرَضِه هذا ويقولُ: «غُدَّةٌ كغُدَّةِ البَكْرِ، في بَيتِ امْرأةٍ مِن آلِ فُلانٍ!» أي: أتَقتُلُني، أو أتُصيبُني غُدَّةٌ كغُدَّةِ البَكْرِ! فطَلَبَ عامِرٌ أنْ يَأتُوه بفَرَسِه، فجاؤوه به فرَكِبَه، فمات على ظَهرِ فَرَسِه، وكان مَوتُه بعْدَ قَتْلِه السَّبعينَ مِن أصْحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولكنْ قُدِّم ذِكرُه هنا.
فلمَّا ذهَبَ السَّبعونَ الَّذين بعَثَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، انطَلَقَ حَرامٌ أخو أُمِّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنهما، وانطَلَقَ معَه رَجلانِ منهم رَجلٌ أعرَجُ، وليس العرَجُ مِن وصْفِ حَرامِ بنِ مِلْحانَ، فلمْ يكُنْ أعرَجَ، وهذا مِن سَهوِ النُّسَّاخِ، وقدْ بيَّنَت رِوايةُ البَيْهَقيِّ ذلك، ففيها: «فانطَلَقَ حَرامٌ ورَجلانِ معَه: رَجلٌ أعرَجُ، ورَجلٌ مِن بَني فُلانٍ»، قيلَ: الرَّجلُ الأعرَجُ اسمُه: كَعبُ بنُ زَيدٍ، وهو مِن بَني دينارِ بنِ النَّجَّارِ، والرَّجلُ الآخَرُ قيلَ اسمُه: المُنذِرُ بنُ محمَّدِ بنِ عُقْبةَ الخَزرَجيُّ.
فقال حَرامٌ للرَّجلِين اللَّذينِ معه: كُونا قَريبًا حتَّى آتيَ بَني عامِرٍ، فإنْ آمَنوني كُنْتم قَريبًا منِّي، وإنْ قَتَلوني أتَيْتم أصْحابَكم، وهذا من بابِ الحَيْطةِ، وكأنَّه كان يشُكُّ في أمرِ بَني عامِرٍ، فخرَج إليهم حَرامٌ فسَأَلَهم: أتُعْطوني الأمانَ أُبلِّغُ رِسالةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فجعَلَ حَرامٌ يُحدِّثُهم، ولكنَّهم غَدَروا به وأشاروا إلى رَجلٍ أنْ يَقتُلَه، فجاءهُ مِن خَلفِه فطَعَنَه حتَّى أنفَذَه بالرُّمحِ مِن الجانِبِ الآخَرِ، فقال حَرامٌ لمَّا طُعِنَ: اللهُ أكبَرُ! فُزْتُ وربِّ الكَعْبةِ، يَعني: فُزْتُ بالشَّهادةِ، فلمَّا رَآه الرَّجلُ الَّذي كان يُرافِقُه حاوَلَ اللَّحاقَ بأصْحابِه ليُخبِرَهم، فلم يُمَكِّنوه أنْ يَرجِعَ إلى المُسلِمينَ؛ بل لحِقَه المُشرِكونَ فقَتَلوه، وقَتَلوا أصْحابَه، كما قال حَرامٌ، وكما تَوقَّعَ، فقُتِلوا كُلُّهم غَيرَ الرَّجلِ الأعرَجِ، هرَبَ إلى رأْسِ جَبلٍ، فعاشَ، حتَّى قُتِلَ يومَ الخَندَقِ شَهيدًا، وفي صَحيحِ البُخاريِّ: «فأُراهُ آخَرَ معَه»، أي: نَجا معَه رَجلٌ آخَرُ، قيلَ: هو عَمرُو بنُ أُميَّةَ الضَّمْريُّ، فأنزَلَ اللهُ تعالَى في شأْنِهم قُرآنًا يُتْلى: (إنَّا قَد لَقِينا ربَّنا فرَضِيَ عنَّا وأرْضانا)، ثمَّ نُسِخَت تِلاوتُه.
وقدْ حَزِن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حُزنًا شَديدًا، فدَعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على القاتِلينَ لَمَّا بلَغَه خَبرُهم، وظلَّ يَدْعو عليهم ثَلاثينَ صَباحًا في القُنوتِ -وهو دُعاءٌ يَكونُ بعْدَ الرَّفعِ مِنَ الرُّكوعِ وقبْلَ السُّجودِ، في الرَّكْعةِ الأخيرةِ في الصَّلاةِ- على رِعْلٍ، وذَكْوانَ، وبَني لَحْيانَ، وعُصَيَّةَ الَّذين عَصَوُا اللهَ ورَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّهم غَدَروا بأصْحابِه الكِرامِ. وبَنو لَحْيانَ لَيْسوا مِن أصحابِ قِصَّةِ بِئرِ مَعونةَ، إنَّما همْ أصحابُ قصَّةِ الرَّجيعِ الذين قَتَلوا عاصمَ بنَ ثابتٍ وأصحابَه رَضيَ اللهُ عنهم وأسَروا خُبيبَ بنَ عبدِ الرَّحمنِ رَضيَ اللهُ عنه، وإنَّما شرَّكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنهم في الدُّعاءِ عليهم؛ لوُرودِ خَبرِ بِئرِ مَعونةَ وأصْحابِ الرَّجيعِ في لَيلةٍ واحدةٍ.
وقد ورَدَ عندَ أبي داودَ، عن ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: «قنَتَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَهرًا مُتَتابِعًا، في الظُّهرِ، والعَصرِ، والمَغرِبِ، والعِشاءِ، وصَلاةِ الصُّبحِ، في دُبُرِ كلِّ صَلاةٍ، إذا قال: سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه، مِنَ الرَّكْعةِ الآخِرةِ، يَدْعو على أحْياءٍ مِن بَني سُلَيمٍ؛ على رِعْلٍ، وذَكْوانَ، وعُصَيَّةَ، ويُؤَمِّنُ مَن خَلفَه»، ثمَّ ترَكَ الدُّعاءَ عليهم لَمَّا نزَل قولُ اللهِ تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]، كما ورَدَ في الصَّحيحَينِ.
وفي الحَديثِ: الدُّعاءُ على أهلِ الغَدرِ وانتِهاكِ المَحارمِ، والإعْلانُ بأسْمائِهم، والتَّصريحُ بذِكرِهم.
وفيه: حِرصُ الصَّحابةِ على الشَّهادةِ، وفَرَحُهم لنَيْلِها.
وفيه: إثْباتُ صِفةِ الرِّضا للهِ سُبحانَه وتعالَى، مِن غيرِ تَأْويلٍ، ولا تَحْريفٍ، ولا تَمْثيلٍ؛ بلْ على ما يَليقُ به سُبحانَه وتعالَى.
وفيه: دَليلٌ على أنَّ أهلَ الحَقِّ قد يَنالُ منهمُ المُبطِلونَ، ولا يكونُ ذلك دالًّا على فَسادِ ما عليه أهلُ الحَقِّ؛ بل كَرامةً لهم، وشَقاءً لأهلِ الباطِلِ.
وفيه: فَضلُ الصَّحابيِّ الجَليلِ حَرامِ بنِ مِلْحانَ رَضيَ اللهُ عنه.