- لا تقومُ الساعةُ حتى تقاتلوا قومًا صغارَ الأعينِ ، عِراضَ الوجوهِ ، كأنَّ أعينَهم حَدَقُ الجرادِ ، كأنَّ وجوهُهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ، ينتعلونَ الشَّعرَ ، و يتخذونَ الدَّرَقَ ، حتى يربطوا خيولَهم بالنَّخلِ
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم: 7416 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى تُقاتِلُوا قومًا نِعالُهم الشَّعَرُ"، أي: يلبَسُون في أقدامِهم أحْذِيَةً ضُفِّرَت من الشَّعرِ، وهو شَعرِ الحَيوانات كالصُّوفِ والوَبَرِ، أو يَصْنَعُون من الشَّعِرِ حبالًا، ويصنَعُون منه نِعالًا، كما يصنعون منه ثيابًا، "وحتَّى تقاتِلُوا التُّرْكَ"، وهم جِنْسٌ مِن البَشَرِ يسكُنون في آسيا، ومن صِفاتِهم: أنَّهم "صِغارَ الأعْيُنِ"، أي: عيُونُهم ضيِّقَةٌ وصغيرَةٌ مُقارَنَةً بغيرِهِم، "حُمْرَ الوُجُوهِ"، أي: البياض المُشْرَب بحُمْرَةٍ، "ذُلْفَ الأُنوفِ"، أي: أنُوفهم صغيرةٌ كأنَّها تلتصِق في وجوههم، "كأنَّ وجوهَهم المجانُّ المطْرَقَةُ"، والمجَانُّ هي التُّرُوسُ مِن الجِلدِ التي تُستخدَم في اتِّقاء ضرَباتِ السَّيْفِ في الحرْبِ، والمطْرَقَةُ أي: الغَلِيظَةُ التي رُكِّبَت طَبَقَةٌ فوقَ أخرَى، والمرادُ: أنَّ وُجوهَهم غليظةٌ مُستدِيرَةٌ كثيرَةُ اللَّحْمِ، ولربَّما انطبَقَتْ الأوْصافُ على التَّتارِ والمغولِ، وهم قد حارَبُوا أهلَ الإسلامِ وقَضَوْا على الأخضَرِ واليابِسِ في بلدانٍ كثيرةٍ، وأشاعُوا الرُّعْبَ والخَوفَ بين النَّاسِ كأنَّهم يأجوجُ ومأجوجُ، وقد دَخَلُوا بعدَ ذلك في الإسلامِ.
ثمَّ قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "وتجِدُون مِن خيرِ النَّاسِ أشدَّهم كراهيةً لهذا الأمرِ حتى يقَعَ فيه"، أي: أَنَّ خِيَارَ النَّاسِ هم الَّذين يَجدُونَ الْإِمَارَةَ والْولَايَة، ويَكرهونَها رغبةً عنها، وإنَّما يَكرهُها المؤمِنُ من حيثُ الحذرُ على دِينِه؛ فإذا وقَع فيها فإنَّه يتمَنَّى العَزْلَ، أو يكون المعنى: إذا وقعُوا في الإمارةِ وتولَّوْهَا لم يَجُزْ لهم أن يَكْرَهوها؛ لأنَّهم إذا كان قيامُهم بها عن كُرهٍ ضيَّعُوا حقوقَها، ولكن فلْيُقْبِلُوا عليها، ولْيَجتهدوا فيها ويَستعينُوا بالله عليها، "والنَّاسُ مَعادِنُ"، أي: والنَّاسُ مثلُ المعادنِ؛ منها النَّفِيسُ، ومنها الخَبيثُ، فكذلك يقعُ هذا التَّقييمُ بين أوساطِ النَّاسِ، "خيارُهم في الجاهليةِ خيارُهم في الإسلامِ إذا فَقُهُوا"، أي: مَن كان مِن النَّاسِ صاحبَ أخلاقٍ ومآثِرَ في الجاهليةِ ثُم أسلَم فله أجرُها وشرفُها في الإسلامِ، وإذا فَقُهَ فِي الدِّين وتَعلَّمَه فقد استفادَ المزِيَّةَ والفضْلَ بالدِّينِ، وَمَن لم يُسْلِم فقد هدَم شرَفه وضيَّع مقامَه الذي كان به في الجاهليَّةِ.
وفي آخر الحديث قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "وليَأْتِيَنَّ على أحدِكم زمانٌ، لأنْ يَراني أحَبُّ إليه"، أي: يَتمنَّى ويطلُبُ في هذا الزَّمَن رُؤيتي وصُحبتِي، وذلك أحبُّ إليه "مِن أنْ يكون له مِثلُ أهلِه ومالِه"، أي: لو فقَد في طَلبِه لرُؤيةِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أهلَه ومالَه؛ يعني: سيأتي زمانٌ تكونُ فيه رؤيةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، للرجل وهو غريبٌ فقيرٌ لا أهلَ له ولا مالَ أحبَّ إليه مِن فَقْدِ رُؤيتِه مع وجودِ الأهلِ والمالِ.( )