الموسوعة الحديثية


- قلتُ لعمرَ بنِ الخطَّابِ رضيَ اللَّهُ عنهُ : أقَصْرَ النَّاسِ الصَّلاةَ اليومَ وإنَّما قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فقد ذَهَبَ ذاكَ اليومَ فقالَ : عَجِبْتُ ممَّا عجبتَ منهُ فذَكَرتُ ذلِكَ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ : صدَقةٌ تصدَّقَ اللَّهُ بِها عليكُم ، فاقبَلوا صدَقتَهُ
الراوي : يعلى بن أمية | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : تخريج المسند لشاكر | الصفحة أو الرقم : 1/130 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

 عَنْ يَعْلَى بنِ أُمَيَّةَ، قالَ: قُلتُ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101]، فقَدْ أَمِنَ النَّاسُ! فَقالَ: عَجِبْتُ ممَّا عَجِبْتَ منه، فَسَأَلْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن ذلكَ، فَقالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بهَا علَيْكُم، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ.
الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 686 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

السَّفَرُ قِطعةٌ مِنَ العَذابِ، وهو مَظِنَّةُ التَّعَبِ والمَشقَّةِ؛ لذلك خفَّفَ اللهُ سُبحانَه وتعالَى عنِ المُسافِرِ، ويسَّرَ عليهِ في الأحْكامِ الشَّرعيَّةِ، وخاصَّةً في الصَّلاةِ والصِّيامِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي يَعْلى بنِ أُميَّةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه سألَ عُمرَ بنَ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه عن قولِ اللهِ تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101]؛ والمَعنى: إذا سافَرْتُم في الأرْضِ فليس عليكم إثْمٌ في قَصرِ الصَّلاةِ الرُّباعيَّةِ (الظُّهرِ والعَصرِ والعِشاءِ) من أربعِ رَكَعاتٍ إلى ركعَتَينِ، إنْ خِفْتم أنْ يَلحَقَكم مَكروهٌ منَ الكافرينَ.
«وَقدْ أَمِنَ النَّاسُ» الآنَ، وذهَبَ خَوفُهمُ الَّذي كان سببًا لمشروعيَّةِ قَصرِ الصَّلاةِ، فما بالُهم يَقصُرونَ؟ أو فما وجهُ القَصرِ معَ زَوالِ السَّببِ؟ فَأخبَرَه عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه وقَعَ في نفْسِه مثلُ ما وقَعَ ليَعْلى بنِ أُميَّةَ، فسَألَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم عَن قَصرِ الصَّلاةِ معَ زَوالِ السَّببِ، وهو الخَوفُ منَ العَدوِّ، وحصولُ الأمنِ، فأخبَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ قَصرَ الصَّلاةِ فَضلٌ تَفضَّلَ اللهُ تعالى به على أمَّةِ الإسْلامِ، وأكرَمَهم به، فهو صَدَقةٌ تَصدَّقَ اللهُ بِها عَليهم؛ تَوسِعةً ورَحمةً، «فَاقبَلوا صَدقَتَه»، أيْ: سَواءٌ حَصَلَ الخَوفُ أَم لَم يَحصُلْ، فثبَتَ القَصرُ في الأمْنِ أيضًا، فقولُه تعالى: {أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} خَرَج مخرَجَ الأغلَبِ؛ لكونِ أغلَبِ أسْفارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابِه لم تَخْلُ من خوفٍ؛ لكَثرةِ أهْلِ الحربِ إذ ذاكَ.
ودلَّ ذلك على أنَّ القَصرَ شُرِعَ في السَّفرِ رِفقًا بالعبادِ، وتَخفيفًا عنهم، وأنَّه ليس بمَعنى الحتْمِ، ولا إلزامَ فيه للمُسافِرِ؛ فقد أجمعَتِ الأمَّةُ أنَّه لا يَلزَمُ المُتصدَّقَ عليه قَبولُ الصَّدقةِ.
وفي الحَديثِ: قَصرُ الصَّلاةِ في السَّفرِ مَعَ الخَوفِ أو بِغَيرِه.
وفيه: بيانُ رحمةِ اللهِ تعالى، وكَمالِ فضلِه على عبادِه، حيث شرَعَ للمُسلِمينَ قَصرَ الصَّلاةِ في حالِ السَّفرِ للمَشقَّةِ اللَّاحِقةِ بهم.