- بعث رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم خالدَ بنَ الوليدِ إلى بني جذيمةَ فدعاهم إلى الإسلامِ فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالدُ يقتلُ ويأسرُ ودفع إلى كلِّ رجلٍ منا أسيرَه حتى إذا أصبح أمر خالدُ أن يقتلَ كلَّ رجلٍ منا أسيرَه فقلت واللهِ لا أقتل أسيري ولا يقتلُ رجلٌ من أصحابي أسيرَه حتى قدمنا على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فقال اللهمَّ إني أبرأُ إليك مما صنع خالدُ مرتين
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الشوكاني | المصدر : نيل الأوطار
الصفحة أو الرقم: 8/9 | خلاصة حكم المحدث : [له أحاديث تشهد له]
التخريج : أخرجه البخاري (4339) باختلاف يسير.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمرَ رَضيَ اللَّهُ عنهما: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم بَعثَ، أي: أرسَلَ، خالدَ بنَ الْوَليدِ إلى بَني جَذِيمَةَ، وهيَ قَبيلَةٌ مِن عَبدِ قَيسٍ داعيًا لَهُم، إلى الإسلامِ، فلَمْ يُحسِنوا ولَمْ يَستطيعوا أنْ يَقولوا: أسلَمْنا، فجَعلوا يَقولونَ: صَبأْنا صَبأْنا، أي: خَرجْنا مِن مِلَّتِنا ودينِنا إلى دينِكَ، فجَعلَ خالدٌ يَقتُلُ منهم، أي: بَعضَهُم ويَأسِرُ آخَرينَ، ودَفعَ إلى كُلِّ رَجلٍ مِنَّا أسيرَهُ، يَعني: أنْ يَبقَى أسيرُ كُلِّ واحدٍ مِنَّا بِيدِه، حتَّى إذا كان يَومٌ أمرَ خالِدٌ أنْ يَقتُلَ كُلُّ رَجلٍ مِنَّا أسيرَه، أي: دَفعَ لِكُلٍّ مِنَّا أسيرًا، وأمرَنا أنْ نَتحفَّظَ عليه إلى أنْ يَأمُرَنا أنْ نَقتلَهُ فَأمرَنا في يَومٍ أنْ نَقتُلَهم، وسَببُ قَتلِ خالدٍ لَهُم أنَّ المُشرِكينَ كانوا يَقولونَ في أوَّلِ الأمرِ لِمَنْ أسلَم: الصَّابئُ، وهوَ مَن خَرجَ مِنَ الدِّينِ؛ لِخُروجِ المُسلمينَ عَنِ الدِّينِ الَّذي كانَ عليه المُشركونَ، فَكانَ المُشرِكونَ يَقولونَ لِلمُسلمينَ: صابِئونَ ذَمًّا وتَعييرًا لَهُم على ذَلكَ، فَلمَّا سَمِعَ خالدٌ تِلكَ الكَلمةَ ظَنَّ أنَّهُم خَرجوا مِن دِينِهِم إلى دِينٍ آخَرَ غَيرِ الإسلامِ مِن يَهوديَّةٍ، أو نَصرانيَّةٍ، أو غَيرِهِما.
قالَ عَبدُ اللهِ رَضيَ اللَّهُ عنه: فَقُلتُ: واللَّهِ لا أقتُلُ أسيري، وَلا يَقتُلُ رَجلٌ مِن أصْحابي أسيرَهُ، حتَّى قَدِمْنا وأَتَيْنا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وَسلَّم فذَكرناهُ، أي: ذَكرنا لَهُ الأمرَ وما فَعلَ خالدٌ، فَرفَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم يَديْهِ فَقالَ: اللَّهمَّ إنِّي أبرَأُ إلَيكَ مِمَّا صَنعَ خالدٌ، قالَ ذَلكَ مَرَّتيْنِ، أي: إنِّي بَريءٌ مِن أنْ أكونَ قَدْ رَضيتُ بِما فَعلَ خالدٌ؛ لِأنَّه استَعجَلَ في أمرِكَ وَلَم يَتثبَّتْ في أمرِهِم، ويَدُلُّ قَولُه صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّم عَلَى أنَّ قَتلَ خالدٍ لَهُم كَانَ حُكْمًا منه بِغَيرِ الحَقِّ.
وفي الحَديثِ: أنَّ على مَن يَتأمَّرُ الجَيشَ ألَّا يَتسرَّعَ في القَتلِ بِمَنْ يُلقي إليه بالسِّلمِ، حتَّى يَتثبَّتَ منه ويَفهَمَ عنه ما يُريدُ مِن قَولِه..