الموسوعة الحديثية


- عن عائشةَ قال : سألَتْها امرأةٌ يهوديةٌ فأعطتْها فقالت لها : أعاذَكِ اللهُ مِن عذابِ القبرِ ، فأنكرَتْ عائشةُ ذلكَ ، فلمَّا رأتْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ قالت لهُ ، فقال : لا ، قالت عائشةُ : ثمَّ قال لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ بعدَ ذلكَ : وإنَّهُ أُوْحِيَ إليَّ أنَّكُم تُفتَنونَ في قُبُورِكُم
الراوي : عروة بن الزبير | المحدث : ابن كثير | المصدر : تفسير القرآن العظيم | الصفحة أو الرقم : 7/126 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين

أَتَيْتُ عَائِشَةَ وهي تُصَلِّي فَقُلتُ: ما شَأْنُ النَّاسِ؟ فأشَارَتْ إلى السَّمَاءِ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، فَقالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، قُلتُ: آيَةٌ؟ فأشَارَتْ برَأْسِهَا: أيْ نَعَمْ، فَقُمْتُ حتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أصُبُّ علَى رَأْسِي المَاءَ، فَحَمِدَ اللَّهَ عزَّ وجلَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَثْنَى عليه، ثُمَّ قالَ: ما مِن شيءٍ لَمْ أكُنْ أُرِيتُهُ إلَّا رَأَيْتُهُ في مَقَامِي، حتَّى الجَنَّةُ والنَّارُ، فَأُوحِيَ إلَيَّ: أنَّكُمْ تُفْتَنُونَ في قُبُورِكُمْ - مِثْلَ أوْ - قَرِيبَ - لا أدْرِي أيَّ ذلكَ قالَتْ أسْمَاءُ - مِن فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُقَالُ ما عِلْمُكَ بهذا الرَّجُلِ؟ فأمَّا المُؤْمِنُ أوِ المُوقِنُ - لا أدْرِي بأَيِّهِما قالَتْ أسْمَاءُ - فيَقولُ: هو مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بالبَيِّنَاتِ والهُدَى، فأجَبْنَا واتَّبَعْنَا، هو مُحَمَّدٌ ثَلَاثًا، فيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا قدْ عَلِمْنَا إنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بهِ. وأَمَّا المُنَافِقُ أوِ المُرْتَابُ - لا أدْرِي أيَّ ذلكَ قالَتْ أسْمَاءُ - فيَقولُ: لا أدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يقولونَ شيئًا فَقُلتُهُ.
الراوي : أسماء بنت أبي بكر | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 86 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

التخريج : أخرجه البخاري (86)، ومسلم (905)


فِتنةُ القَبرِ مِن أعظمِ الفِتَن التي يَمُرُّ بها المرءُ، وقد كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُداوِمُ على الاستِعاذةِ باللهِ منها آخِرَ الصَّلاةِ. وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ أسماءُ بنتُ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّها ذَهَبَت إلى أُختِها عائشةَ أمِّ المؤمنينَ رَضيَ اللهُ عنها في بَيتِها، فوجَدَتْها تُصلِّي بصَلاةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَسجدِه؛ فبُيوتُ أُمَّهاتِ المؤمنينَ رضِيَ اللهُ عنْهنَّ كانت مُلاصِقةً لمَسجدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كما هو مَعلومٌ، فسَأَلَتْها وهي في الصَّلاةِ عن سَببِ خَوفِ الناسِ ودُخولِهم في صَلاةِ في هذا الوقتِ وليس بوَقتِ فَريضةٍ، فأجابَتْها عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها وهي في الصَّلاةِ، فأشارت بِيَدِها نحْوَ السَّماءِ، كأنَّها تُفهِمُها أنَّ آيةَ كُسوفِ الشَّمسِ التي في السَّماءِ هي السَّببُ في هذا الخوفِ وهذه الصَّلاةِ، فعَلِمَت أسماءُ أنَّ هذه آيةٌ وعَلامةٌ على قُدرةِ اللهِ سُبحانه، فدخَلَت أسماءُ معهم في الصَّلاةِ، وصلَّتْ معهم صَلاةً طَويلةً، حتى تَعِبَت وظَهَرَ عليها أثَرُ الإجهادِ، حتى إنَّها صَبَّت على رأْسِها الماءَ حتى تَستفيقَ ولا يُغْشَى عليها؛ وذلك لأنَّ صَلاةَ الكُسوفِ رَكعتانِ، في كلِّ ركعةٍ رُكوعانِ وقِراءتانِ، ويُطيلُ الإمامُ في القِراءةِ والرُّكوعِ، ويكونُ الرُّكوعُ بقدْرِ طُولِ القراءةِ، وهذا الطُّولُ قد يُتعِبُ البعضَ، ولكنَّه مِن بابِ التَّضرُّعِ والتَّذلُّلِ للهِ؛ حتى يَرفَعَ الغُمَّةَ عن الناسِ.ثمَّ انصرَفَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الصَّلاةِ، فخطَبَ في الناسِ وبدَأَ بالحمْدِ والثَّناءِ على اللهِ بما هو أهْلُه، ثمَّ أخبَرَ صَلواتُ اللهِ عليه وسَلامُه أنَّه ما مِن شَيءٍ لم يكُنْ قدْ رآهُ مِن قبْلُ إلَّا رآهُ في مَقامِه هذا، واطَّلَع عليه، حتَّى الجنَّةُ والنارُ؛ فإنَّه رآهُما، وكانت كلٌّ منهما مَرئيَّةً مَكشوفةً أمامه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبدَأَ في تَوضيحِ رُؤياهُ، فأخبَرَ أنَّ اللهَ أَوحى إليه بفِتنةِ القبْرِ، وفيها سُؤالُ الملَكينِ، وأنَّها ستَكونُ شَديدةً تُشبِهُ شِدَّتُها فِتنةَ المسيحِ الدَّجَّال، وفِتنةُ الدَّجَّالِ مِن أعظَمِ الفِتَنِ وأخطَرِها، والدَّجَّالُ مِن الدَّجلِ: وهو التَّغطيةُ، سُمِّي به؛ لأنَّه يُغطِّي الحَقَّ بباطِلِه، وهو شَخصٌ مِن بني آدَمَ، وظُهورُه مِن العلاماتِ الكُبرى ليَومِ القِيامةِ، يَبتَلي اللهُ به عِبادَه، وأَقْدَره على أشياءَ مِن مَقدوراتِ اللهِ تعالى: مِن إحياءِ الميِّتِ الذي يَقتُلُه، ومِن ظُهورِ زَهرةِ الدُّنيا والخِصْبِ معه، وجَنَّتِه ونارِه، ونَهْرَيْهِ، واتِّباعِ كُنوزِ الأرضِ له، وأمْرِه السَّماءَ أنْ تُمطِرَ فتُمطِرَ، والأرضَ أنْ تُنبِتَ فتُنبِتَ؛ فيَقَعُ كلُّ ذلك بقُدرةِ الله تعالى ومَشيئتِه.وتلك الفِتنةُ التي حذَّرَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الإنسانَ يُسأَلُ في قبْرِه: ما عِلمُك بهذا الرَّجُلِ؟ وماذا تَعرِفُ عنه؟ وهو النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيكون جَوابُ المؤمِنِ -أو الموقِنِ-: هو محمَّدٌ رسولُ اللهِ جاءَنا بالبَيِّناتِ والهُدى، فأجَبْنا واتَّبَعْنا، يقول ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ، يُثبِّتُه اللهُ بالقولِ الثَّابتِ، ويُلهِمُه الجوابَ، فتُصدِّقُه الملائكةُ وتُبشِّرُه بالراحةِ وعدَمِ الشَّقاءِ، ويقولونَ له: «نَمْ صالِحًا قدْ عَلِمْنا إنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا به».وأمَّا المنافِقُ -أو المرتابُ المتردِّدُ- فيقولُ: لا أدْري ولا أعلَمُ عن يَقينٍ، ولكنْ سمِعْتُ النَّاسَ يقولونَ شيئًا في الدُّنيا، فقُلْتُه، فلمْ أكُنْ على يَقينٍ مِن نُبوَّتِه، وإنَّما وافَقْتُ النَّاسَ على قَولِهم ظاهرًا، فيكونُ على حالةٍ مِن الشَّقاءِ والعذابِ على العكْسِ مِن المؤمنِ. وفي الحديثِ: إثباتُ سُؤالِ القَبرِ للمُؤمنِ والمنافقِ والكافرِ.وفيه: أنَّ الجنَّةَ والنَّارَ مَخلوقتانِ ومَوجودتانِ الآنَ.وفيه: إثباتُ خُروجِ الدَّجَّالِ وفِتنتِه.وفيه: أنَّ تَمامَ الإيمانِ وتَمامَ العِلمِ إنَّما هو المَعرفةُ باللهِ ورُسولِه، ومَعرفةُ الدَّلالةِ على ذلك.وفيه: حُضورُ النِّساءِ صَلاةَ الكُسوفِ مع الجماعةِ في المساجِدِ.وفيه: مَشروعيَّةُ استِماعِ المُصلِّي إلى ما يُخبِرُه به مَن ليس في صَلاةٍ.وفيه: مَشروعيَّةُ إشارةِ المُصلِّي بيَدِه ورَأسِه لمَن يَسأَلُه مرَّةً بعْدَ أُخرى.وفيه: مَشروعيَّةُ الصَّلاةِ والتَّضرُّعِ للهِ عزَّ وجلَّ عندَ حُدوثِ الكُسوفِ والخُسوفِ.