الموسوعة الحديثية


- مَن كانَ له فَضْلُ أرْضٍ فَلْيَزْرَعْها، أوْ لِيُزْرِعْها أخاهُ، ولا تَبِيعُوها.
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1536 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (2340) بنحوه، ومسلم (1536).

كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بالثُّلُثِ والرُّبُعِ والنِّصْفِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن كَانَتْ له أرْضٌ، فَلْيَزْرَعْهَا أوْ لِيَمْنَحْهَا، فإنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلْيُمْسِكْ أرْضَهُ.
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 2340 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

التخريج : أخرجه البخاري (2340)، ومسلم (1536)


جاء الإسلامُ لِيُنظِّمَ العَلاقاتِ والمُعامَلاتِ بيْن النَّاسِ، وجَعَلَ هذه العَلاقاتِ قائمةً على مَبدأِ التَّعاونِ والأُلْفةِ، والمَحبَّةِ والمَودَّةِ، والبُعْدِ عن النِّزاعِ والشِّقاقِ، والضَّررِ والظُّلْمِ، والخِداعِ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ الصَّحابةَ كانوا في زمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَزرَعونَ الأرضَ بالثُّلثِ والرُّبُعِ والنِّصفِ، فقال لهمْ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مَن كانتْ له أرضٌ فلْيَزرعْها» بنفْسِه، «أو لِيَمْنحَها» يَجْعلْها مَنيحةً -أي: عَطيَّةً- لغيرِه إنْ عَجَزَ عنها بنفْسِه، «فإنْ لم يَفعَلْ فليُمسِكْ أرضَه»، فلا يَمنَحُها، ولا يُكْريها.
وقد استُشكِلَ هذا بأنَّ في إمساكِها بغَيرِ زِراعةٍ تَضييعًا لمَنفعَتِها، فيكونُ مِن إضاعةِ المالِ، وقد ثَبَتَ النَّهيُ عنه.
وأُجِيبَ بحَمْلِ النَّهيِ عن إضاعةِ عَينِ المالِ، أو مَنفعةٍ لا تُخلَفُ؛ لأنَّ الأرضَ إذا تُرِكَت بغَيرِ زَرعٍ لم تَتعطَّلْ مَنفعتُها؛ فإنَّها قد تُنبِتُ مِن الكلَأِ، والحَطَبِ، والحَشيشِ ما يَنفَعُ في الرَّعْيِ وغيرِه، وعلى تَقديرِ ألَّا يَحصُلَ ذلك، فقدْ يكونُ تَأخيرُ الزَّرعِ عن الأرضِ إصلاحًا لها، فتُخلِفُ في السَّنةِ التي تَلِيها ما لعلَّه فات في سَنةِ التَّرْكِ، وهذا كلُّه إنْ حُمِلَ النَّهيُ عن الكِراءِ على عُمومِه، فأمَّا لو حُمِلَ الكِراءُ على ما كان مَألوفًا لهم مِن الكِراءِ بمِثلِ ما وَرَدَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فلا يَستلزِمُ ذلك تَعطيلَ الانتفاعِ بها في الزِّراعةِ، بلْ يُكْريها بالذَّهبِ، أو الفِضَّةِ.
وفي صَحيحِ البُخاريِّ مِن رِوايةِ رافعِ بنِ خَديجٍ رَضيَ اللهُ عنه: وفي رِوايةٍ للبُخاريِّ: «كُنَّا نُكْري الأرضَ بالناحيةِ منها مُسمًّى لسيِّدِ الأرضِ، فمِمَّا يُصابُ ذلك وتَسلَمُ الأرض، وممَّا يُصابُ الأرضُ ويَسلَمُ ذلك، فنُهِينا»، وفي لفظٍ لمُسلمٍ: «إنَّما كان النَّاسُ يُؤاجِرون على عَهْدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على المَاذِياناتِ، وأقْبالِ الجَداولِ، وأشياءَ مِن الزَّرعِ، فيَهلِكُ هذا ويَسلَمُ هذا، ويَسلَمُ هذا، ويَهلِكُ هذا»، فبَيَّنت الرِّواياتُ أنَّ قولَه: «بالثُّلُثِ والرُّبُعِ والنِّصْفِ» يُرادُ به تَخصيصُ أرضٍ بما تُنبِتُه وليس جُزءًا مِن الثَّمَرِ مِن كلِّ الأرضِ.
وهذا الحديثُ يدُلُّ على أنَّ الَّذي نَهى عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان أمرًا بيِّنَ الفسادِ، وهي المُزارَعةُ الظالمةُ الجائرةُ، فلذلك زَجَرَ عنها، وأمَّا بشَيءٍ مَعلومٍ مَضمونٍ بالدِّينارِ والدِّرهمِ فلا شَيءَ فيه، كما ورَدَ في الأحاديثِ والرِّواياتِ.
ولا يُخالِفُ ذلك ما صالَحَ عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَهودَ خَيْبرَ على أنْ يَزْرَعوا الأرضَ ولهم النِّصْفُ، وللنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النِّصْفُ، وظَلَّ العملُ به إلى مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبه عَمِلَ الخُلفاءُ الرَّاشدون مِنْ بَعْدِه؛ فالمُزارَعةُ على جُزءٍ مِن الثَّمَرِ غيرُ المُزارَعةِ والمُؤاجَرةِ على تَخصيصِ أرضٍ بما تُنبِتُه.