- كان رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم إذا سافرَ فركبَ راحلتهُ قال بإصبعِهِ ومدَّ شُعبةَ إصبعهُ قال اللَّهم أنتَ الصاحِبُ في السفرِ والخليفةُ في الأهلِ اللَّهم اصحَبنا بنُصحِكَ واقلِبنا بذمّةٍ اللَّهمَّ ازوِ لنا الأرضَ وهوِّن علينا السَّفرَ اللَّهم إني أعوذُ بكَ من وَعثاءِ السفرِ وَكآبةِ المنقلبِ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 3438 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
وفي هَذا الحَديثِ يُعلِّمُ ابنُ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما بعضَ أَصحابِه دُعاءَ السَّفرِ، فقدْ كانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إِذا استَوى، أي: رَكِبَ واستَقرَّ عَلى ظهرِ بَعيرِه خارجًا منَ المَدينةِ إِلى سَفرٍ ما، كبَّر اللهَ ثَلاثًا، فيَقولُ: اللهُ أَكبرُ، ثَلاثَ مرَّاتٍ، ثُمَّ يَقولُ: سُبحانَ الَّذي سخَّر لَنا هَذا فَجَعلَه مُنقادًا لَنا (وَما كنَّا له مُقرَنينَ)، فَما كنَّا نُطيقُ قَهرَه واستِعمالَه لولا تَسخيرُ اللهِ سُبحانَه وَتعالى إيَّاه لَنا، (وَإنَّا إِلى ربِّنا لَمُنقلبونَ)، فإنَّ الإِنسانَ لَمَّا رَكِبَ مُسافرًا عَلى هَذه الذَّلولِ كأنَّه يَتذكَّرُ السَّفرَ الأَخيرَ مِن هَذه الدُّنيا وَهوَ سَفرُ الإِنسانِ إِلى اللهِ عزَّ وجلَّ إِذا ماتَ، وحَملتْهُ النَّاسُ عَلى أَعناقِهم، فَيتذكَّرُ وَيقولُ: وإنَّا إِلى ربِّنا لَمُنقلبونَ. ثُمَّ بَعدَ ذَلك أَثنَى عَلى اللهِ ودَعاهُ فقالَ: (اللَّهمَّ إِنَّا نَسألُك في سَفرِنا هَذا البِرَّ والتَّقوى)، والبِرُّ؛ أيِ: الطَّاعةَ والتَّقوى، أي: عنِ المَعصيةِ فيَمتثلُ الأَوامرَ ويَجتنبُ النَّواهيَ، ثُمَّ سَألَه منَ العَملِ ما يَرضَى بِه عنْهُ ثُمَّ سألَه تَهوينَ السَّفرِ وهوَ تَيسيرُه، وأنْ يُقرِّبَ لَه مَسافةَ ذَلك السَّفرِ.
ثُمَّ أَردفَ عَلى قِطعةٍ أُخرى في هَذا الذِّكرِ والدُّعاءِ فَقال: (أَنتَ الصَّاحبُ في السَّفرِ والخَليفَةُ في الأَهلِ)، فالصَّاحبُ في السَّفرِ يَعني تَصحبُني في سَفري، تُيسِّرُه عليَّ، تُسهِّلُه عليَّ، وأَنتَ الخَليفةُ في الأَهلِ مِن بَعدي تَحوطُهم بِرعايتِك وعِنايتِك؛ فهوَ جلَّ وعَلا معَ الإِنسانِ في سَفرِه، وخَليفتُه في أَهلِه؛ لأنَّه جلَّ وعَلا بكُلِّ شيءٍ محيطٌ.
ثُمَّ استَعاذَ مِن بعضِ ما يُصيبُ الإِنسانَ في السَّفرِ، وَمِنها وَعثاءُ السَّفرِ وهيَ شِدَّتُه ومَشقَّتُه وتَعبُه، وكآبةُ المَنظَرِ، وهيَ تَغيُّرُ الوجهِ كأنَّه مَرضٌ، والنَّفسِ بالانكسارِ ممَّا يَعرِضُ لها فيما يُحبُّه ممَّا يُورِثُ الهَمَّ والحُزنَ، وقيلَ: المُرادُ مِنه الاستِعاذةُ مِن كلِّ مَنظرٍ يَعقُبُ الكآبةَ عندَ النَّظرِ إِليهِ، (وسوءِ المُنقلَبِ) في المالِ والأَهلِ؛ وفي حديثٍ آخرَ: (سوءِ المَنظرِ)، وَذلكَ بأنْ يَرجعَ فَيرى في أَهلِه وَمالِه ما يَسوءُه.
وَفي حديثٍ آخَرَ: استَعاذَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن الحَوْرِ بعدَ الكَوْرِ، يعني: منَ النُّقصانِ بعدَ الزِّيادةِ وتَغيُّرِ الحالِ منَ الطَّاعةِ إِلى المَعصيةِ، وتَعوَّذَ أَيضًا من دَعوةِ المَظلومِ، أي: أَعوذُ بكَ منَ الظُّلمِ فإنَّه يَترتَّبُ عَليه دُعاءُ المَظلومِ.
وَكان إِذا رَجعَ قالَ تلكَ الجُمَلَ المَذكورةَ وَزادَ فيهنَّ، فَقالَ بَعدَهنَّ: (آيبونَ)، أي: نحنُ راجِعونَ مِن السَّفرِ بالسَّلامةِ، (تائِبونَ)، أي: منَ المَعصيةِ إِلى الطَّاعةِ، (عابِدونَ لربِّنا حامِدونَ)؛ فهوَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في كُلِّ حالِه يَتذكَّرُ العِبادةَ وأنَّه عبدٌ للهِ سُبحانَه وتَعالى، وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إِذا رَجعَ مِن سَفرِه يَبدأُ بأَهلِه .