الموسوعة الحديثية


- لمَّا خلقَ اللَّهُ آدمَ ونفخَ فيهِ الرُّوحَ عطسَ فقالَ: الحمدُ للَّهِ فحمِدَ اللَّهَ بإذنِهِ فقالَ لَهُ ربُّهُ: يرحمُكَ اللَّهُ يا آدمَ اذْهَب إلى أولئِكَ الملائِكةِ إلى ملأٍ منْهم جلوسٍ فقلِ: السَّلامُ عليْكم. قالوا: وعليْكَ السَّلامُ ورحمةُ اللَّهِ. ثمَّ رجعَ إلى ربِّهِ قالَ: إنَّ هذِهِ تحيَّتُكَ وتحيَّةُ بَنيكَ بينَهم. فقالَ اللَّهُ لَهُ ويداهُ مقبوضتانِ: اختَر أيُّهما شئتَ؟ قالَ: اختَرتُ يمينَ ربِّي وَكلتا يَدي ربِّي يمينٌ مبارَكةٌ ثمَّ بسطَها فإذا فيها آدمُ وذرِّيَّتُهُ فقالَ: أي ربِّ ما هؤلاءِ؟ فقالَ: هؤلاءِ ذرِّيَّتُكَ فإذا كلُّ إنسانٍ مَكتوبٌ عمرُهُ بين عَينيْهِ فإذا فيهِم رجلٌ أضوَؤُهم - أو مِن أضوئِهم - قالَ: يا ربِّ مَن هذا؟ قالَ: هذا ابنُكَ داودُ قد كَتبتُ لَهُ عمُرَ أربعينَ سنةً. قالَ: يا ربِّ زدْه في عمرِهِ. قالَ: ذاكَ الَّذي كُتِبَ لَهُ. قالَ: أي ربِّ فإنِّي قد جَعلتُ لَهُ من عُمُري ستِّينَ سنةً. قالَ: أنتَ وذاكَ. قالَ: ثمَّ أُسكِنَ الجنَّةَ ما شاءَ اللَّهُ ثمَّ أُهبطَ منْها فكانَ آدمُ يعدُّ لنفسِهِ قال فأتاهُ ملَكُ الموتِ فقالَ لَهُ آدمُ: قد عجَّلتَ قد كُتِبَ لي ألفُ سنةٍ. قالَ: بلى ولَكنَّكَ جعلتَ لابنِكَ داودَ ستِّينَ سنةً فجَحدَ فجَحَدت ذرِّيَّتُهُ ونسيَ فنسِيَت ذرِّيَّتُهُ قالَ: فمِن يومِئذٍ أُمِرَ بالْكتابِ والشُّهودِ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي | الصفحة أو الرقم : 3368 | خلاصة حكم المحدث : حسن غريب من هذا الوجه | التخريج : أخرجه الترمذي (3368) واللفظ له، والبزار (8478)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (1/160)

لمَّا خلقَ اللَّهُ آدمَ ونفخَ فيهِ الرُّوحَ عَطسَ فقالَ: الحمدُ للَّهِ، فحمِدَ اللَّهَ بإذنِهِ، فقالَ لَهُ ربُّهُ يرحَمُكَ اللَّهُ يا آدمُ، اذهب إلى أولئِكَ الملائِكَةِ، إلى ملأ منهُم جلوسٍ فقل: السَّلامُ عليكُم قالوا: وعليكَ السَّلامُ ورحمةُ اللَّهِ، ثمَّ رجعَ إلى ربِّهِ، قالَ: إنَّ هذِهِ تحيَّتُكَ وتحيَّةُ بَنيكَ، بينَهُم فقالَ اللَّهُ لَهُ ويداهُ مَقبوضتانِ: اختَر أيَّهما شئتَ، قالَ: اختَرتُ يمينَ ربِّي وَكِلتا يدي ربِّي يمينٌ مبارَكَةٌ ثمَّ بسطَها فإذا فيها آدمُ وذرِّيَّتُهُ، فقالَ: أي ربِّ، ما هؤلاءِ؟ فقالَ: هؤلاءِ ذرِّيَّتُكَ، فإذا كلُّ إنسانٍ مَكْتوبٌ عُمرُهُ بينَ عينيهِ، فإذا فيهم رجلٌ أضوَؤُهُم أو من أضوئِهِم قالَ: يا ربِّ مَن هذا؟ قالَ: هذا ابنُكَ داودُ قد كتبتُ لَهُ عُمُرَ أربعينَ سنةً. قالَ: يا ربِّ زِدهُ في عمرِهِ. قالَ: ذاكَ الَّذي كتبَ لَهُ. قالَ: أي ربِّ، فإنِّي قَد جعَلتُ لَهُ من عُمُري ستِّينَ سنةً. قالَ: أنتَ وذاكَ. قالَ: ثمَّ أُسْكِنَ الجنَّةَ ما شاءَ اللَّهُ، ثمَّ أُهْبِطَ منها، فَكانَ آدمُ يعدُّ لنَفسِهِ، قالَ: فأتاهُ ملَكُ الموتِ، فقالَ لَهُ آدمُ: قد عجَّلتَ، قَد كتبَ لي ألفُ سنةٍ. قالَ: بلَى ولَكِنَّكَ جعَلتَ لابنِكِ داودَ ستِّينَ سَنةً، فجَحدَ فجَحدَتْ ذرِّيَّتُهُ، ونسيَ فنَسيَتْ ذرِّيَّتُهُ. قالَ: فمِن يومئذٍ أُمِرَ بالكتابِ والشُّهودِ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 3368 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح

التخريج : أخرجه الترمذي (3368) واللفظ له، والبزار (8478)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (1/160)


خلَق اللهُ عزَّ وجلَّ آدَمَ عليه السَّلامُ، وعلَّمَه مِن عِلمِه، وفضَّلَه على كثيرٍ مِمَّن خَلَقَ تَفْضيلًا، وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لَمَّا خلَق اللهُ آدمَ ونفَخَ فيه الرُّوحَ عَطَسَ"، أي: أصابه عُطاسٌ، وهو ما يَندَفِعُ مِن هواءٍ مِن الأنفِ، فقال آدمُ: "الحَمدُ للهِ"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فحَمِد اللهَ بإذنِه"، أي: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هو الذي أعطاه القُدرةَ على الحمدِ وأعلَمَه إيَّاه، فقال له ربُّه: "يَرحَمُك اللهُ"، أي: تَشميتًا مِنه عزَّ وجلَّ لآدمَ في عُطاسِه، ثمَّ قال عزَّ وجلَّ له: "يا آدَمُ، اذهَبْ إلى أولئك الملائكةِ؛ إلى مَلأٍ منهم جُلوسٍ"، يَحتمِلُ أنَّ قولَه: "إلى ملَأٍ مِنهم جُلوسٍ"، هو مِن كلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فقُلِ: السَّلامُ علَيكم"، أي: للمَلائكةِ، فقالت الملائكةُ لآدَمَ عليه السَّلامُ: "وعليكَ السَّلامُ ورحمةُ اللهِ"، قيل: ولعلَّ تخصيصَ السَّلامِ بالذِّكرِ في التَّحيةِ لأنَّه فتْحٌ لبابِ المودَّةِ وتأليفٌ للقلوبِ المؤدِّي إلى استكمالِ الإيمانِ، "ثمَّ رجَع إلى ربِّه"، أي: إلى المكانِ الذي يُكلِّمُه فيه اللهُ عزَّ وجلَّ بعدَما ردَّت عليه الملائكةُ بالتَّحيَّةِ، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ: "إنَّ هذه تحيَّتُك وتحيَّةُ بَنِيك بَينَهم"، أي: فيما بينَهم عِندَ مُلاقاةِ بَعضِهم بَعضًا، وهذا يدلُّ على أنَّ السَّلامَ سُنَّةٌ قديمةٌ.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فقال اللهُ له- ويَداه مَقْبوضَتان-"، أي: مَضْمومتانِ: "اختَرْ أيَّهما شِئتَ"، أي: اختَرْ واحدةً مِن القَبضتَينِ، فقال آدمُ عليه السَّلامُ: "اختَرتُ يَمينَ ربِّي"، أي: القَبضةَ اليمينَ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "وكِلْتا يدَيْ ربِّي يمينٌ مُبارَكةٌ"، وقيل: يُحتمَلُ أنَّ الَّذي قال هذا آدَمُ عليه السَّلامُ، والمعنى: أنَّ كِلتَا يدَيْه سبحانه وتعالى لهما صِفةُ الكَمالِ؛ فكِلاهُما يمينٌ؛ وذلك لأنَّ الشِّمالَ في حقِّ الخَلقِ تَنقُصُ عن اليَمينِ، وأمَّا في حقِّ اللهِ تعالَى فليسَ كذلك؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ليس كمِثلِه شيءٌ، وصِفاتُه كلُّها صِفاتُ كمالٍ لا نَقصَ فيها بوجهٍ مِن الوُجوهِ، قال: "ثمَّ بسَطها"، أي: فتَح قَبضتَه عزَّ وجلَّ، "فإذا فيها آدَمُ وذُرِّيَّتُه"؛ قيل: يَعْنِي رَأَى آدَمُ مِثَالَه وَمِثَالَ بَنِيهِ فِي عَالَمِ الْغَيْبِ، ويَحتمِلُ أن يكونَ ذلك مِن بابِ تعليمِ آدَمَ وإعلامِه، كما علَّمه اللهُ الأسماءَ كلَّها، والمعنى: رأَى آدَمُ بَنِيه وذُرِّيَّتَه في عالَمِ الغيبِ، ولكنَّه لم يَعرِفْهم ابتِداءً، فسأَل: "ما هؤلاءِ؟"، ثمَّ لَمَّا قيل له: هُم ذُرِّيَّتُك فعَرَفهم، وهذا كلُّه مُشْعِرٌ بأنَّ هَذه القَضيَّةَ كانَت قبلَ أخْذِ المِيثاقِ، ويُفسِّرُ ذلك حديثٌ آخَرُ، فيه :"لَمَّا خَلَق اللهُ آدَمَ مَسَح على ظَهرِه، فسَقَط مِن ظَهْرِه كلُّ نَسَمَةٍ هُو خالِقُها مِن ذُرِّيَّتِه إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وجَعَل بَينَ عَينَيْ كُلِّ إنسانٍ مِنهُم وَبيصًا مِن نُورٍ، ثمَّ عَرَضَهم على آدَمَ، فقالَ: أيْ رَبِّ، مَن هَؤُلاءِ؟ قال: هَؤلاءِ ذُرِّيَّتُك،" وهذا دليلٌ بيِّنٌ على أنَّ إخراجَ الذُّرِّيَّةِ كان حقيقيًّا مِن ظهْرِ آدمَ.
وقولُه في هذا الحَديثِ: "فإذا فيها آدمُ"، مُشْكِلٌ؛ لأنَّ آدمَ موجودٌ أمامَ الحقِّ سبحانه وتعالى يَنظُرُ فيما في قَبْضتِه سبحانه، فكيف يَكونُ موجودًا مرَّتَينِ، مرَّةً أمامَ الحقِّ، ثمَّ هو موجودٌ مع ذُرِّيَّتِه في قبْضَةِ الرَّحمنِ؟! ولعلَّ هذا ما جعَل بعضَ الشُّرَّاحِ يَشرَحُه بقولِه: يَعْني رأى آدَمُ مِثالَه وأمثِلةَ بَنِيه في عالَمِ الغيبِ. ويُجابُ عنه بأن يُقالَ: مَا صَحَّ أَنْ يَكُوْنَ مُشْكِلًا في حَقِّ المَخْلوقِ لا يَلزَمُ عَليه أنْ يَكونَ مُشْكِلًا في حقِّ الخالِقِ تعالى؛ فهو القادِرُ على كلِّ شيءٍ، ولكنَّ ما ورَد في الرِّوايةِ الأخرى أنَّه رأَى ذُرِّيَّتَه فقط، وليس فيها قولُه: " فإذا فيها آدمُ وذُرِّيَّتُه"، فيكونُ المعنى أنَّ آدمَ رأَى ذُرِّيَّتَه في هذا الموقفِ بعدَ أن أخرَجَهم اللهُ مِن ظهْرِه.
، ولعلَّ المرادَ مِن كَونِهم في اليَمينِ اختِصاصُهم بالصَّالِحين من أصحابِ اليمينِ والمقرَّبينَ، ولا نَعلَمُ ما كان في اليَدِ الأخرى لربِّ العزَّةِ؛ لأنَّه لم يَرِدْ في ذلك أثَرٌ صحيحٌ. فقال آدمُ: "أي ربِّ، ما هؤلاءِ؟"، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ: "هؤلاءِ ذُرِّيَّتُك".
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فإذا كلُّ إنسانٍ مكتوبٌ عُمُرُه بينَ عينَيه"، أي: المدَّةُ الَّتي يَعيشُها في الدُّنيا، "فإذا فيهم رجُلٌ أضوَؤُهم- أو: مِن أضوَئِهم-"، أي: يميَّزُ بما له مِن مَزيدِ ضَوءٍ عن سائرِ الذُّرِّيَّةِ، قال آدمُ: "يا ربِّ، مَن هذا؟" قال اللهُ عزَّ وجلَّ: "هذا ابنُك داودُ، قد كتَبتُ له عُمرَ أربَعين سَنةً"، قال آدمُ: "يا ربِّ، زِدْه في عُمرِه"، أي: يَطلُبُ آدَمُ عليه السَّلامُ أن يَزيدَ اللهُ تعالى في عُمرِ داودَ، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ: "ذاك"، أي: عُمرُه، "الَّذي كُتِب له"، إشارةً إلى أنَّه سُبحانه قدَّر له عُمرَه لن يَزيدَه شيئًا، قال آدَمُ: "أي ربِّ، فإنِّي قد جعَلتُ له"، أي: أُمِدَّه "مِن عُمري سِتِّين سَنَةً"؛ وذلك لِيُصبِحَ عمرُ داودَ عليه السَّلامُ مِئةَ سنةٍ، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: "أنتَ وذاك"، أي: أنتَ وما تُريدُ؛ إشارةً إلى قَبولِ اللهِ عزَّ وجلَّ لطَلبِه، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ثمَّ أُسكِنَ الجنَّةَ ما شاء اللهُ، ثمَّ أُهبِطَ مِنها"، أي: أسكَنه اللهُ عزَّ وجلَّ الجنَّةَ، ثمَّ أخرَجه مِنها إلى الأرضِ بعدَما أكَل مِن الشَّجرةِ، "فكان آدَمُ يَعُدُّ لِنَفسِه"، أي: يُقدِّرُ ويَحسُبُ لنَفسِه سِنَّه وعُمرَه الَّذي يَعيشُه، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فأَتاه ملَكُ الموتِ"، أي: ليَقبضَ رُوحَه؛ وذلك لانتهاءِ أجَلِه، فقال له آدمُ: "قد عَجِلتَ"! أي: جئتَ قبلَ الموعدِ، "قد كُتِب لي ألفُ سنَةٍ"، أي: ولم أُكمِلْهم ولم أُتِمَّهم، قال ملَكُ الموتِ: "بلى"، أي: نعَم، قد كُتِب عُمرُك ألفَ سنَةٍ، "ولكنَّك جعَلتَ"، أي: أعطَيتَ منهم "لابنِك داودَ سِتِّين سَنةً"، أي: ذَكَّرَه بما أعطَى لداودَ مِن العُمرِ، "فجَحَد"، أي: أنكَر آدَمُ، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ آدَمَ عليه السَّلامُ لم يتَذكَّرْ سَريعًا ما نَسِيَه، بل ربَّما ظهَر مِنه ما يُنكِرُ ما يُذكِّرُه به الملَكُ، "فجَحَدَت ذُرِّيَّتُه"، أي: فأنكَرَت مِثلَه ذُرِّيَّتُه مِن بَعدِه، "ونَسي"، أي: آدمُ عليه السَّلامُ، "فنَسِيَت ذُرِّيَّتُه"، أي: بمِثلِ ما نَسي آدمُ عليه السَّلامُ.
ثُمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فمِن يَومِئذٍ"، أي: مِن ذلك الوقتِ، "أُمِر بالكِتابِ والشُّهودِ"، أي: شرَع اللهُ عزَّ وجلَّ تَوثيقَ المعامَلاتِ بينَ النَّاسِ؛ إمَّا بكتابٍ يُكتَبُ، أو إشهادِ الشُّهودِ؛ حتَّى لا تَضيعَ الحقوقُ بينَ النِّسيانِ والجُحودِ.
وفي الحَديثِ: إثباتُ أنَّ للهِ عزَّ وجلَّ يَدَينِ وكَفَّينِ، وأنَّه تعالى يَقبِضُهما ويَبسُطُهما، وتِلك الصِّفاتُ ليسَت كصِفاتِ البشَرِ، ولكن بما يليقُ بذاتِه وجَلالِه.
وفيه: أنَّ تَشميتَ العاطِسِ، وإلقاءَ السَّلامِ، والأمرَ بالكِتابةِ والشُّهودِ هي مِن السُّننِ والشَّرائعِ التي أُقِرَّت معَ خَلقِ آدَمَ عليه السَّلامُ( ).