الموسوعة الحديثية


- حديثُ لا عَدْوَى
الراوي : أبو هريرة وعائشة وعبدالله بن عمر وسعد بن أبي وقاص وجابر بن عبدالله | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : فتح الباري لابن حجر | الصفحة أو الرقم : 10/169 | خلاصة حكم المحدث : صحيح [من عدة طرق]

 لا عَدْوَى، ولا صَفَرَ، ولا هامَةَ. فقالَ أعْرابِيٌّ: يا رَسولَ اللَّهِ، فَما بالُ إبِلِي، تَكُونُ في الرَّمْلِ كَأنَّها الظِّباءُ، فَيَأْتي البَعِيرُ الأجْرَبُ فَيَدْخُلُ بيْنَها فيُجْرِبُها؟ فقالَ: فمَن أعْدَى الأوَّلَ؟
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 5717 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

جاءَ الإسلامُ ليَهدِمَ مُعتقَداتِ الجاهِليَّةِ، ويَبنيَ للمُسلمِ العقيدةَ الصَّحيحةَ المبنِيَّةَ على صِحَّةِ التَّوحيدِ، وقوَّةِ اليَقينِ، والابتِعادِ عنِ الأوْهامِ والخَيالاتِ التي تعبَثُ بالعقولِ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي أبو هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه أنَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: «لا عَدْوَى»، وهذا نَفْيٌ لِما كانوا يَعتَقِدونه مِن مُجاوَزةِ العِلَّة مِن صاحِبِها إلى غَيرِه، وأنَّها تُؤثِّرُ بطبْعِها، فأعلَمَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الأمرَ ليس كذلك، وإنَّما اللهُ عزَّ وجلَّ هو الذي يُقدِّرُ المرَضَ ويُنزِلُ الدَّاءَ.
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ولا صَفَرَ» وهو الشَّهرُ المَعروفُ، كانوا يَتشاءَمون به، وهو شَهرٌ مِن شُهورِ اللهِ، يقَعُ فيه الخَيرُ والشَّرُّ، ولا شَيءَ يقَعُ إلَّا بقَدَرِ اللهِ. وأيضًا كانَ العربُ يُؤخِّرونَ تَحريمَ شَهرِ المحرَّمِ، ويَجعلونَهُ في شَهرِ صَفَرَ، فيُبدِلونَ الأشهُرَ الحرُمَ، فثبَّتَ الإسلامُ الأشهُرَ الحرُمَ على حَقيقتِها، ومنعَ النَّسيءَ.
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ولا هامَةَ» وهي اسمٌ لطائرٍ يَطيرُ باللَّيلِ كانوا يَتشاءمونَ بهِ، وكانوا يَعتقِدونَ أنَّ رُوحَ القَتيلِ إذا لم يُؤخَذْ بثأرِهِ صارتْ طائرًا يقولُ: «اسْقوني اسْقوني»، حتى يُثأرَ له فيَطيرَ، وقيلَ: هي البُومةُ، قالوا: إذا سَقَطَت على دارِ أحدِهم وَقَعَت فيها مُصيبةٌ، وهذا مِنَ المُعتقَداتِ الجاهليَّةِ التي أبطَلَها الإسلامُ.
فقال أعرابيٌّ -وهو الذي يَسكُنُ الصَّحراءَ من العَرَبِ-: «يا رَسولَ اللهِ، فما بالُ إِبِلي تكونُ في الرَّملِ كأنَّها الظِّباءُ» في النَّشاطِ والقُوَّةِ والسَّلامةِ مِن الدَّاءِ، فيَأتي البَعيرُ الذي أصابه الجَرَبُ -وهو نوعٌ من الأمراضِ-، فيَدخُل في باقي القطيعِ، فيصيبُ جميعَها بالجَرَبِ، فأجابَه النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «فمَن أَعْدى الأوَّلَ؟»، أي: مِن أينَ صار فيه الجرَبُ؟ فاستأصل الشُّبهةَ من أصلِها. وتحريرُ ذلك أن يقال: إن كان الدَّاخِلُ أجرَبَها، فمن أجرَبَه؟ فإن كان أجرَبَه بعيرٌ آخَرُ، كان الكلامُ فيه كالكلامِ في الأوَّلِ... وهكذا، فلا بدَّ أن نَقِفَ عند بعيرٍ أجرَبَه اللهُ من غيرِ عَدْوَى، وإذا كان كذلك، فاللهُ تعالى هو الذي أجرَبَها كلَّها، أي: خَلَقَ الْجَرَبَ فيها.
وفي الحَديثِ: نَفيُ ما كانَت الجاهليَّة تَزعُمه وتَعتَقِده أنَّ المَرضَ والعاهةَ تُعْدي بطَبعِها لا بِفِعلِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: النَّهيُ عن التَّشاؤُمِ والتَّطيُّرِ.
وفيه: أنَّ الأسبابَ بيدِ اللهِ، وهوَ الذي يُجْريها أو يَسلُبُها تأثيرَها، فيَنبغي الإيمانُ باللهِ وقدرتِه.