- ما كان لأهلِ المدينةِ شَرَابٌ حيثُ حُرِّمَتِ الخمرُ أَعْجَبَ إليهِمْ مِنَ التَّمْرِ والبُسْرِ ؛ فإني لأَسْقِي أَصْحابَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهُمْ عندَ أبي طلحةَ مَرَّ رجلٌ فقال : إِنَّ الخمرَ قد حُرِّمَتْ ، فما قالوا : متى ؟ أوْ حتى نَنْظُرَ ، قالوا : يا أَنَسُ ، أَهْرِقْها ، ثُمَّ قالوا عندَ أُمِّ سُلَيْمٍ حتى أَبْرَدُوا واغْتَسَلوا ،ثُمَّ طَيَّبَتْهُمْ أمُّ سُلَيْمٍ ، ثُمَّ رَاحُوا إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فإذا الخَبَرُ كما قال الرجلُ
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الأدب المفرد
الصفحة أو الرقم: 941 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
وفي هذا الحديثِ يَحكي أَنَسٌ رضِيَ الله عنه: أنَّ الخمرَ التي "أُهْرِيقَتْ"- يعني: سالَتْ وصُبَّتْ- الفَضِيخُ؛ وهي المُتَّخَذة من البُسْر، والبُسْر هو ثَمَرُ النَّخل قبل أن يَنضَج ويَصيرَ رَطْبًا.
قال أَنَسٌ: كنتُ ساقِيَ القومِ في منزلِ أبي طَلْحَةَ- يعني: كنتُ أنا مَنْ أَسْقي القومَ في بيت أبي طَلْحَةَ- فنزل تحريمُ الخمر، فأمَرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُناديًا فنادى ليُعْلِمَ المسلِمين في المدينة أنَّ الخمر حُرِّمَتْ، فقال أبو طَلْحَةَ: اخرُجْ فانظُرْ ما هذا الصوت. قال: فخرجْتُ وسمعتُ الصوتَ، فقلتُ: هذا مُنادٍ ينادي: أَلَا إنَّ الخمرَ قد حُرِّمَتْ. فقال لي أبو طَلْحَةَ: اذهَبْ فأَهْرِقْهَا؛ يعني: أَكفِئِ الآنيةَ التي بها الخمر، قال أَنَسٌ: فجرَتْ- أي سالَتْ- في سِكَك وطُرُق المدينة، ثم قال أَنَسٌ: وكانت خمرُهُم يومئذٍ الفَضِيخَ. فقال بعضُ القومِ: قُتِل قومٌ وهي في بُطونِهم- لمْ يَمُرَّ وقتٌ طويلٌ على شُربهم لها- فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93]؛ فلَيسَ على الذين آمَنوا إِثْمٌ فيما طَعِموا وشَرِبوا من الخمرِ قَبلَ تحريمِها.
وفي الحديثِ: فَضلُ أبي طلحةَ والصَّحابةِ رضِي اللهُ عنهم، حيثُ استجابوا لأمْر اللهِ بسُرعةٍ ودونَ سُؤالٍ، وهذا هو الذي يَنبغي للمُسلمِ الحقِّ.
وفيه: بيانُ رحمةِ اللهِ بعِبادِه وأنَّه لا يُحاسِبُ على الفِعلِ قَبلَ إنزالِ الحُكمِ، وأنَّ مَن لم يَعلَمْ لا يُؤاخَذْ بجَهلِه فيما ليس معلومًا بالضرورةِ..