- الزَّمانُ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَةِ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ، السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاثَةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ، الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ، أيُّ شَهْرٍ هذا، قُلْنا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، قالَ: أليسَ ذُو الحِجَّةِ، قُلْنا: بَلَى، قالَ: فأيُّ بَلَدٍ هذا. قُلْنا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، قالَ: أليسَ البَلْدَةَ. قُلْنا: بَلَى، قالَ: فأيُّ يَومٍ هذا. قُلْنا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، قالَ: أليسَ يَومَ النَّحْرِ. قُلْنا: بَلَى، قالَ: فإنَّ دِماءَكُمْ وأَمْوالَكُمْ، - قالَ مُحَمَّدٌ: وأَحْسِبُهُ قالَ - وأَعْراضَكُمْ علَيْكُم حَرامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، وسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَسَيَسْأَلُكُمْ عن أعْمالِكُمْ، ألا فلا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ، ألا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَن يُبَلَّغُهُ أنْ يَكونَ أوْعَى له مِن بَعْضِ مَن سَمِعَهُ. فَكانَ مُحَمَّدٌ إذا ذَكَرَهُ يقولُ: صَدَقَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ قالَ: ألا هلْ بَلَّغْتُ مَرَّتَيْنِ.
الراوي : أبو بكرة نفيع بن الحارث | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 4406 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
التخريج : أخرجه البخاري (4406 )، ومسلم (1679)
ثُمَّ قال: فإنَّ دِماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عَليكمْ حَرامٌ كَحُرْمَةِ يَومِكم هذا في بَلدِكم هذا في شَهرِكم هذا، وهذا فيه تَأكيدٌ شَديدٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على تَحريمِ هذِه الثَّلاثةِ، وهي: الدِّماءُ وتَشْمَلُ النُّفوسَ وما دونَها، والأموالُ وتَشْمَلُ القَليلَ والكَثيرَ، والأعراضُ وتَشْمَلُ الزِّنا واللِّواطَ والقَذْفَ ونَحوَه؛ فكُلُّها محرَّمَةٌ أشدَّ التَّحريمِ، وحَرامٌ على المُسلمِ أنْ ينتَهِكَها منْ أخيهِ المُسلمِ.
وقولُهُ: سَتَلْقَوْنَ ربَّكم فَسَيَسْألُكم عنْ أعمالِكم، أي: يومَ القِيامةِ، وهذا تَأكيدٌ لِمَا سبقَ منْ ذِكْرِ حُرمةِ الدِّماءِ وما عُطِفَ عليها، أي: إذا تَأكَّدَ لَدَيْكُمْ شِدَّةُ حُرْمَةِ ذلك، فاحْذَروا أنْ تَقَعوا فيه، فإنَّكُمْ سَوفَ تُلاقونَ ربَّكم، فَيَسْألُكُمْ عنْ أعمالِكم، وهو أعلمُ بها منكم، والسُّؤالُ يَتضمَّنُ الجَزاءَ.
ثُمَّ قال: ألا فلا تَرْجِعُوا بَعدي ضُلَّالًا، أي: إيَّاكُم أنْ تَضِلُّوا بَعدي وتُعرِضوا عَمَّا تَركتُكم عليه، مِنَ التَّمَسُّكِ بِكتابِ ربِّكم وسُنَّةِ نَبيِّكم؛ فإنَّكم إنْ مِلْتُمْ عنْ ذَلِكُمْ ضَلَلْتُمُ الطَّريقَ وارْتَكَبْتُمْ أعظَمَ ما حذَّرتُكمْ منه، وأصبحَ يَضرِبُ بَعضُكم رِقابَ بَعضٍ، وهذا هو الضَّلالُ.
ثُمَّ قال: ألَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ، أي: الحاضِرُ الَّذي حَضرَ وسَمِعَ كَلامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُبَلِّغِ الغائِبَ؛ فَلعلَّ بَعضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكونُ أوْعَى، أي: أكثرَ وَعْيًا وتَفهُّمًا له مِنْ بَعضِ مَنْ سَمِعَهُ.
ثُمَّ خَتَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خُطْبَتَهُ بقولِهِ: ألَا هلْ بلَّغْتُ، أي: بلَّغْتُ ما فُرِضَ عليَّ تَبليغُهُ مِنَ الرِّسالةِ، وهو اسْتفهامٌ على جِهةِ التَّقْريرِ، أي: قد بلَّغْتُكُمْ ما أُمِرْتُ بتبليغِهِ لكم، فلا عُذْرَ لَكم. ويَحْتَمِلُ أنْ يَكونَ على جِهةِ اسْتعلامِ ما عِندَهُمْ، واسْتِنْطَاقِهِمْ بذلكَ، وكرَّرَ كَلامَهُ لِيكونَ أكثرَ وَقْعًا وتَعظيمًا.
في الحَديثِ: إشارةٌ إلى بُطلانِ النَّسِيءِ، وتَأكيدُ وُجودِ الأشهُرِ الحُرُمِ مع تَحدِيدِها.
وفيه: تَأكيدُ تَحريمِ دِماءِ المُسلمينَ، وأموالِهم، وأعراضِهم.
وفيه: الأمرُ بِتَبليغِ العِلمِ ونَشرِهِ، وإشاعَةِ السُّنَنِ والأحكامِ.
وفيه: مشروعيَّةُ التَّحمُّلِ قَبْلَ كَمالِ الأهْلِيَّةِ، وأنَّ الفَهْمَ لَيسَ شَرْطًا في الأداءِ.
وفيه: أنَّ العِلمَ والفَهْمَ مُمتدٌّ في الأُمَّةِ، ولَيسَ مُقْتَصِرًا على مَنْ سَمِعَ النَّبيَّ أو رَآهُ.