الموسوعة الحديثية


- يقولُ اللهُ جلَّ وعلا للعبدِ يومَ القيامةِ: يا ابنَ آدَمَ مرِضْتُ فلم تَعُدْني فيقولُ: يا ربِّ وكيف أعودُك وأنتَ ربُّ العالَمينَ ؟ فيقولُ: أمَا علِمْتَ أنَّ عبدي فلانًا مرِض فلم تَعُدْه أمَا علِمْتَ أنَّك لو عُدْتَه لوجَدْتَني ؟ ويقولُ: يا ابنَ آدَمَ استسقَيْتُك فلم تسقِني فيقولُ: يا ربِّ كيف أسقيك وأنتَ ربُّ العالَمينَ ؟ فيقولُ: أمَا علِمْتَ أنَّك لو سقَيْتَه لوجَدْتَ ذلك عندي ؟ يا ابنَ آدَمَ استطعَمْتُك فلم تُطعِمْني فيقولُ: يا ربِّ وكيف أُطعِمُك وأنتَ ربُّ العالَمينَ ؟ فيقولُ: ألم تعلَمْ أنَّ عبدي فلانًا استطعمتك فلم تُطعِمْه أمَا إنَّك لو أطعَمْتَه وجَدْتَ ذلك عندي
الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 269 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه | التخريج : أخرجه مسلم (2569) باختلاف يسير

إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أعُودُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ، وكيفَ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لوْ أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أسْقِيكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أمَا إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2569 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

التخريج : من أفراد مسلم على البخاري


عِيادةُ المريضِ حقٌّ مِن حُقوقِ المُسلمِ على أخيه المُسْلمِ، والَّتي حثَّ عليها النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ووعَدَ عليها بحُسنِ الجَزاءِ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ تعالَى يقولُ يومَ القيامةِ: «يا ابنَ آدمَ» وظاهرُه أنَّ النِّداءَ يَختَصُّ بالمسْلِمين؛ لِما سيَترتَّبُ على هذا النِّداءِ مِن أجْرٍ، «مَرِضتُ فلم تَعُدْني»، أرادَ به مَرِضَ عبْدُه، وعدمُ زِيارةِ الصَّحيحِ للمريضِ مِن عِبادِه، وإنَّما أضافَ المرَضَ إلى نَفسِه؛ تَشريفًا لِذلكَ العبدِ، فقال العبدُ ردًّا على ربِّه سُبحانه ومُستفهِمًا ومُتعجِّبًا: «يا ربِّ، كيفَ أعُودُكَ وأنتَ ربُّ العالَمِينَ؟!» فالمرضُ إنَّما يكونُ للمخلوقِ العاجزِ، وأنتَ القاهرُ القويُّ المالكُ؛ فكيْفُ أعودُك؟! وكيْف أزُورُكَ؟ فقال له اللهُ سُبحانه: «أمَا علمْتَ أنَّ عَبدي فلانًا» وظاهرُه أنَّه يُرادُ به كلُّ مُسلمٍ أصابَه المرضُ، «مَرِضَ فلمْ تَعُدْه، أمَا علِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَه لَوجدْتَني عِندَه»، أي: وجَدْتَ ثَوابي وكَرامتي في عِيادتِه؛ فاللهُ سُبحانَه وتَعالَى يَستحيلُ عليه الْمَرضُ؛ لأنَّ المرضَ صِفةُ نقْصٍ، واللهُ سُبحانَه وتَعالَى مُنَزَّهٌ عَنْ كلِّ نقْصٍ، وهذا مِن التَّلطُّفِ في الخِطابِ والعِتابِ، ومُقتضاهُ التَّعريفُ بعَظيمِ ثَوابِ تلك الأشياءِ.
ثُمَّ يقولُ ربُّ العِزَّةِ: «يا ابنَ آدمَ، استطعمْتُكَ»، أي: طلبْتُ منكَ الطَّعامَ «فَلم تُطعِمْني، قال: يا ربِّ، كيفَ أُطعمُكَ وأنتَ ربُّ العالَمِينَ؟!» أي: والحالُ أنَّكَ تُطعِمُ الخلْقَ ولا تُطْعَمُ، وأنتَ غَنِيٌّ قويٌّ على الإطلاقِ، وإنَّما العاجزُ هو الَّذي يَحتاجُ إلى الطَّعامِ، فقال سُبحانه: «أمَا علِمْتَ أنَّه استطعَمَكَ عبْدِي فلانٌ» أي: طَلَب منك الطَّعامَ، «فلَمْ تُطعمْه، أمَا علِمْتَ أنَّكَ لو أطعمْتَه لَوجدْتَ ذلكَ عِندي»، أي: ثَوابَ إطعامِه وفضْلَ الأجرِ على ذلك.
ثُمَّ يقولُ ربُّ العِزَّةِ: «يا ابنَ آدمَ، اسْتسقيْتُكَ»، أي: طلبْتُ منكَ الماءَ «فَلم تَسقِني، قال: يا ربِّ، كيفَ أَسقيكَ وأنتَ ربُّ العالَمِينَ؟!» أي: مُربِّيهم غيرُ مُحتاجٍ إلى شَيءٍ مِنَ الأشياءِ، فضلًا عَنِ الطَّعامِ والماءِ، قال: «اسْتَسقاكَ عبدي فلانٌ» فطلَبَ مِن الماءِ والشَّرابِ «فلم تَسقِهِ، أمَا علِمْتَ أنَّكَ لو سَقيْتَه وجَدْتَ» أجْرَ «ذلك عندي؟» فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجْرَ الْمُحسنينَ.
ولعلَّ التَّعبيرَ في عِيادةِ المريضِ بقولِه سُبحانه: «لَوجَدْتَني عِنده»، وفي الإطعامِ والسَّقيِ «لَوَجَدْتَ ذلك عِندي»؛ لأنَّ المريضَ لا يَذهَبُ إلى أحدٍ، بلْ يَأتي النَّاسُ إليه، فناسَبَ قولُه: «لَوجَدْتَني عِنده»، بخِلافِ الإطعامِ والسَّقيِ؛ فإنَّهما قدْ يَأتيانِ لِغيرِهما مِن النَّاسِ.
وهذا الحديثُ قدْ يَستشكِلُه بعضُ النَّاسِ، وليْس بمُشكِلٍ؛ لأنَّه حَديثٌ مُفسَّرٌ بنَفسِه؛ فقدْ فسَّر اللهُ عزَّ وجلَّ المرَضَ والجوعَ والعطَشَ تَفسيرًا واضحًا لا لَبْسَ فيه، ولا يُتوهَّمُ معه تَشبيهٌ ولا تَمثيلٌ، وهو صَريحٌ في أنَّ اللهَ سُبحانه لم يَمرَضْ ولم يَجُعْ ولم يَعطَشْ، ولكنْ مَرِضَ عبْدُه، وجاع وعَطِشَ عبْدُه، مُفسِّرًا ذلك بأنَّك لوْ أطْعَمْتَه وسَقَيْتَه لَوجَدْتَ ذلكَ عِندي، ولوْ عُدْتَه لَوجَدْتَني عِنده، فلمْ يَبْقَ في الحديثِ لَفظٌ يَحتاجُ إلى تَأويلٍ.
وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ اللهَ تعالَى عالِمٌ بِالكائناتِ يَستوي في عِلْمِه الجزئيَّاتُ وَالكلِّيَّاتُ.
وفيه: دَليلٌ أنَّ الحَسناتِ لا تضيعُ، وأنَّها عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ بمكانٍ.
وفيه: الحثُّ على عِيادةِ المريضِ والتَّرغيبُ في ذلك.
وفيه: فضْلُ الإطعامِ وسُقيَا الماءِ لِلمُحتاجِ.
وفيه: قُربُ المريضِ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ.