الموسوعة الحديثية


- لَقِيتُ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَقالَ: أخَذْتُ صُرَّةً مِئَةَ دِينَارٍ، فأتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، فَلَمْ أجِدْ مَن يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أتَيْتُهُ، فَقالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا فَعَرَّفْتُهَا، فَلَمْ أجِدْ، ثُمَّ أتَيْتُهُ ثَلَاثًا، فَقالَ: احْفَظْ وِعَاءَهَا وعَدَدَهَا ووِكَاءَهَا، فإنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وإلَّا فَاسْتَمْتِعْ بهَا، فَاسْتَمْتَعْتُ، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ بمَكَّةَ، فَقالَ: لا أدْرِي ثَلَاثَةَ أحْوَالٍ، أوْ حَوْلًا واحِدًا.
الراوي : أبي بن كعب | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 2426 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

كُنْتُ مع سَلْمَانَ بنِ رَبِيعَةَ وَزَيْدِ بنِ صُوحَانَ في غَزَاةٍ، فَوَجَدْتُ سَوْطًا، فَقالَا لِي: أَلْقِهِ، قُلتُ: لَا، وَلَكِنْ إنْ وَجَدْتُ صَاحِبَهُ، وإلَّا اسْتَمْتَعْتُ به، فَلَمَّا رَجَعْنَا حَجَجْنَا، فَمَرَرْتُ بالمَدِينَةِ، فَسَأَلْتُ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَقالَ: وَجَدْتُ صُرَّةً علَى عَهْدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فِيهَا مِئَةُ دِينَارٍ، فأتَيْتُ بهَا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُ، فَقالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الرَّابِعَةَ، فَقالَ: اعْرِفْ عِدَّتَهَا، وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا، فإنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وإلَّا اسْتَمْتِعْ بهَا. [وفي رِوايةٍ]: فَلَقِيتُهُ بَعْدُ بمَكَّةَ، فَقالَ: لا أَدْرِي أَثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا.
الراوي : أبي بن كعب | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 2437 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

اهتمَّ الإسلامُ اهتمامًا بالغًا بحِفظِ أموالِ النَّاسِ، وحرَصَ حِرصًا شديدًا على عدَمِ ضَياعِها؛ ولذا وضَعَ ضَوابطَ وحدَّ حُدودًا تَحفَظُ لكلِّ إنسانٍ مالَه.
وفي هذا الحديثِ بَيانُ ما يَنبغِي للمُسلِم فِعلُه إذا وجَدَ شَيئًا لا يَعرِفُ صاحبَه، حَيْثُ يُخبِرُ التَّابعيُّ سُوَيدُ بنُ غَفَلَةَ أنَّه وَجَد سَوطًا مُلقًى على الأرضِ فأخَذَه -والسَّوطُ: آلةٌ تُتَّخَذُ للضَّربِ تُصنَعُ مِن الجِلدِ- وكان معه حينئذٍ التَّابعيُّ سَلْمَانُ بنُ رَبِيعَةَ -ويُقال: إنَّ له صُحبةً-، والتَّابعيُّ زَيْدُ بنُ صُوحَانَ، وكانوا جَميعًا في غَزوةٍ، فَقالا له: أَلْقِهِ، أي: اتْرُكْهُ ولا تَلتقِطْه، فرَفَضَ سُويدُ بنُ غَفَلةَ، وقال: إنْ وَجَدْتُ صاحِبَه دَفَعْتُه إليه، وإلَّا استَمْتَعتُ به، يعني: إنْ لم أجِدْ صاحبَه سآخُذُه وأَستعمِلُه.
فلمَّا رَجَعوا مِن الغزْوِ حَجُّوا، فمَرُّوا بالمدينةِ المُنوَّرةِ، فرأَى سَويدٌ الصَّحابيَّ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ رَضيَ اللهُ عنه، فسَأَلَه عن حكْمِ الْتقاطِ السَّوطِ، فأخبَرَه أُبَيٌّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه وجَد صُرَّةً على عهْدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيها مِئةُ دِينارٍ مِن ذهَبٍ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «عَرِّفْها حَوْلًا»، أي: أَخْبِرِ النَّاسَ بأنَّك وجَدْتَ شَيئًا، كأنْ يُنادي: مَن ضاع له شَيءٌ فلْيَطْلُبُه عِندي، ويكونُ ذلك في الأسواقِ ومَجامعِ النَّاسِ وأبوابِ المساجدِ عندَ خُروجِهم مِن الجَماعاتِ ونحْوِها، في الأماكنِ الَّتي يَغلِبُ على ظَنِّه وُجودُ صاحِبِها فيه، ويُبْقيها عندَه مُدَّةَ سَنَةٍ، حتَّى يَأتِيَ صاحِبُها ويَسأَلَ عنها. فعَرَّفَها أُبَيٌّ رَضيَ اللهُ عنه ولم يَأتِ صاحبُها، فلمَّا انْقَضَتِ السَّنَةُ ذهَبَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال له مرَّةً ثانيةً: «عرِّفْها حَوْلًا»، فعرَّفَها فلم يَجِدْ صاحبَها، ثُمَّ بعْدَ انقِضاءِ العامِ الثَّاني أتاهُ، فقال له مرَّةً ثالثةً: «عرِّفْها حَوْلًا»، فعرَّفَها فلم يَجِدْ صاحبَها، وبعدَ انتهاءِ العامِ الثَّالثِ ذهَبَ إليه أُبَيٌّ رَضيَ اللهُ عنه مرَّةً رابعةً، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اعْرِفْ عِدَّتَها، وَوِكاءَها»، وهو الخَيْطُ الَّذي يُربَطُ به الوِعَاءُ، فإنْ جاء صاحبُها وذَكَر هذه الأماراتِ عَلِمْتَ أنَّها له، فيَأخُذُها، وإنْ لمْ يأتِ فهي لك تَستمتِعُ بها كَيْفَ شِئْتَ.
قال شُعبةُ بنُ الحَجَّاجِ أحدُ رُواةِ الحديثِ: فلَقِيتُه -يعني: شَيْخَه سَلَمَةَ بنَ كُهَيْلٍ- بِمَكَّةَ، فَقالَ سَلَمةُ: لا أَدْرِي أَثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا.
وقيل في الجَمْعِ بيْن حَديثِ أُبَيٍّ هذا وحَديثِ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ -في الصَّحيحينِ- الَّذِي فيه الاقتصارُ في التَّعريفِ على سَنَةٍ واحدةٍ: إنَّ حَديثَ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ رَضيَ اللهُ عنه يُحمَلُ على مَزِيدِ الوَرَعِ عن التَّصرُّفِ في اللُّقَطَةِ، والمُبالَغةِ في التعفُّفِ عنها، ويُحمَلُ حَديثُ زَيْدٍ على ما لا بُدَّ مِنه.
وفي الحَديثِ: مُراعاةُ الإسلامِ لكلِّ أُمورِ الحياةِ التي يَهتَمُّ لها الإنسانُ وتَدخُلُ في حَياتِه، سواءٌ بقصْدٍ أو بغَيرِ قصْدٍ.