الموسوعة الحديثية


- اهتَمَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للصلاةِ، كيف يَجمَعُ الناسَ لها؟ فقيلَ له: انصِبْ رايةً عندَ حُضورِ الصلاةِ، فإذا رَأَوْها آذَنَ بعضُهم بعضًا، فلم يُعجِبْه ذلك، قال: فذُكِرَ له القُنعُ -يَعْني الشَّبُّورَ، وقال زيادٌ: شَبُّورُ اليَهودِ- فلم يُعجِبْه ذلك، وقال: "هو من أمرِ اليَهودِ"، قال: فذُكِرَ له الناقوسُ، فقال: "هو من أمرِ النَّصارى". فانصرَفَ عبدُ اللهِ بنُ زَيدٍ، وهو مُهتَمٌّ لِهَمِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأُرِيَ الأذانَ في مَنامِه، قال: فغَدا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأخبَرَه، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي لبينَ نائمٍ ويَقظانَ؛ إذ أَتاني آتٍ فأَراني الأذانَ، قال: وكان عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه قد رَآه قبلَ ذلك، فكتَمَه عِشرينَ يومًا، قال: ثم أخبَرَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال له: "ما منَعَكَ أنْ تُخبِرَني؟" فقال: سبَقَني عبدُ اللهِ بنُ زَيدٍ، فاستَحيَيْتُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يا بلالُ، قُمْ فانظُرْ ما يأمُرُكَ به عبدُ اللهِ بنُ زَيدٍ فافعَلْه"، قال: فأذَّنَ بلالٌ. قال أبو بِشرٍ: فأخبَرَني أبو عُمَيرٍ أنَّ الأنصارَ تَزعُمُ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ زَيدٍ لولا أنَّه كان يومَئذٍ مَريضًا لَجعَلَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُؤذِّنًا.
الراوي : عمومة أبي عمير بن أنس | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن أبي داود | الصفحة أو الرقم : 498 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

اهتمَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ للصلاة كيف يجمع الناسَ لها فقيل له انصُب رايةً عند حضور الصلاةِ فإذا رأوها آذنَ بعضُهم بعضًا فلم يعجبْه ذلك قال فذكر له القنعُ يعني الشبورَ وقال زياد شبورُ اليهودِ فلم يعجبْه ذلك وقال هو من أمرِ اليهودِ قال فذُكر له الناقوسُ فقال هو من أمرِ النصارى، فانصرف عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ بنِ عبدِ ربِّه وهو مهتمٌّ لهمِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأريَ الأذانَ في منامِه قال فغدا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأخبره، فقال له يا رسولَ اللهِ إني لبين نائمٍ ويقِظانٍ إذ أتاني آتٍ فأراني الأذانَ، قال وكان عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ قد رآهُ قبل ذلك فكتمهُ عشرينَ يومًا قال ثم أخبر النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال له ما منعك أن تخبرَني، فقال سبقني عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ فاستحييتُ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يا بلالُ قمْ فانظرْ ما يأمرُك به عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ فافعله،قال فأذَّن بلالٌ، قال أبو بشرٍ فأخبرني أبو عميرٍ أنَّ الأنصارَ تزعم أنَّ عبدَ اللهِ بنَ زيدٍ لولا أنه كان يومئذٍ مريضًا لجعله رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مؤذنًا
الراوي : عمومة أبي عمير بن أنس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود
الصفحة أو الرقم: 498 | خلاصة حكم المحدث : حسن

التخريج : أخرجه أبو داود (498) واللفظ له، والبيهقي (1908) باختلاف يسير


في هذا الحَديثِ يَحكي أبو عُمَير بنُ أنسِ بنِ مالكٍ، عن عُمومةٍ له مِن الأنصارِ، أنَّهم قالوا: "اهتمَّ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للصَّلاة كيف يَجمَعُ النَّاسَ لها"، أي: أَهمَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بَعْضُ شأْنِ الصَّلاةِ وشَغَلَه كيف يَجمَعُ الناسَ لها، فجَعَل يُشاوِرُ أصحابَه رضِيَ اللهُ عنهم في كيفيَّةِ إعلامِ النَّاسِ بدُخولِ وقتِ الصَّلاةِ، وقدْ كان النَّاسُ في أوَّلِ أمْرِ الصَّلاةِ يتَّجهونَ إلى المَسْجِدِ إذا جاءَ وَقْتُها بلا أَذانٍ ولَا نِداءٍ، ولَا غيرِ ذلك.
فأَشارَ إليهِ بعضُ الصَّحابةِ فقال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "انْصِبْ رايَةً"، أي: ارفَعْ علَمًا، "عند حُضورِ الصَّلاةِ" أي: دُخولِ وقْتِها، "فإذا رأَوْها آذَنَ بعْضُهم بَعضًا"، أي: أعْلَمَ بعضُهم بعْضًا، "بِدُخولِ وَقْتِ الصَّلاةِ، فلَمْ يُعجِبْه ذلك"، يعني: النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، "فذُكرَ له القُنْعُ، أي: الشَّبُّورُ، وهو البُوقُ الَّذي يُنفَخُ فيهِ فيُصدِرُ صوْتًا يَسمعُه النَّاسُ، وقال زِيادٌ أحَدُ رُواةِ الحَديثِ: "شَبُّورُ اليَهودِ، فلَمْ يُعجِبْه ذلك"، يعني: اتِّخاذَ الشَّبُّورِ والقُنْعِ، وقال: "هو مِن أَمْرِ اليَهودِ"، يعني: مِن شأنِهم وأعْمالِهم؛ فلذلك كَرِهَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
قال: "فذُكِرَ له النَّاقوسُ"؛ وهو الجَرَسُ، وكان على شَكْلِ خَشَبةٍ طَويلَةٍ تُضرَبُ بخَشَبةٍ أَصْغَرَ منها تَجعلُه النَّصارى عَلامةً لأوْقاتِ صَلاتِهم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "هو مِن أمْرِ النَّصارى"، أي: مِن شأْنِهم وأعْمالِهم، "فانصرَفَ عبدُ اللهِ بنُ زَيْدِ بنِ عبدِ ربِّه وهو مُهْتمٌّ لِهَمِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم"، أي: وهو مُنشغِلٌ في نفْسِه بالشأنِ الذي يَشغَلُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، "فأُرِيَ عبدُ اللهِ الأذانَ في مَنامِه" أي: رأى رُؤيَا تَتعلَّقُ بشأنِ الأذانِ، قال: "فغَدا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم"، يعني: جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في وقْتِ الغَداةِ وهو الصَّباحُ، "فأَخْبرَه" أي: بما رَأى في مَنامِه، فقال لهُ: "يا رسولَ اللهِ، إنِّي لبَينَ نائمٍ ويَقظانَ"، أي: ينامُ نومًا خفيفًا، وقيل: هو حالةُ الاضطجاعِ بعدَ الاستيقاظِ من النومِ وقَبْلَ القِيامِ منه، "إذْ أَتاني آتٍ فأَراني الأَذانَ" أي: عَلَّمَني إيَّاه، والأذانُ لُغةً: الإعلامُ، وفي الشَّرْعِ هو: الإعلامُ بدُخولِ وقتِ الصَّلاةِ بألفاظٍ مَخصوصةٍ.
قال: "وكان عمَرُ بنُ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنهُ قدْ رآهُ قبْلَ"، يعني: قد رَأى مِثلَ رُؤيَةِ عبدِ اللهِ بنِ زيْدٍ، "فكَتَمَه" أي: الأذانَ، ولمْ يخبِرْ بهِ أحَدًا "عِشرين يوْمًا"، قال: "ثمَّ أَخبَرَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم"، أي: أَعْلَمه بما رَأَى، فقال له النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ما مَنَعَك أنْ تُخبِرَني"؟ فقال عمرُ رضِيَ اللهُ عنهُ: "سبَقَني عبدُ اللهِ بنُ زيْدٍ فاستَحيَيتُ"، أي: مَنعَه حياؤُه مِن بَثِّ رُؤياهُ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ.
فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "يا بِلالُ، قُمْ فانظُر ما يَأمُرُك بهِ عبدُ اللهِ بنُ زيْدٍ فافْعَلْه"، يعني: أنْ يأْخُذَ أَلفاظَ الأذانِ من عبدِ اللهِ بنِ زيْدٍ، "فأذَّنَ بِلالٌ"، أي: أصْبحَ بلالٌ مُؤذِّنَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ. قال أبو بِشْرٍ، وهو جَعفرُ بنُ أبي وَحشيَّةَ: "فأخبَرَني أبو عُمَيرٍ: أنَّ الأَنصارَ تَزعُمُ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ زيْدٍ لولا أنَّه كان يوْمئذٍ"، يعني: اليومَ الذي عرَضَ فيه الأذانَ على رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ "مَريضًا، لجَعلَهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مؤذِّنًا".
وفي روايةٍ: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال له: "فقُمْ مع بلالٍ فألْقِ عليه ما رأيتَ، فلْيُؤذِّنْ به؛ فإنَّه أَنْدَى صوتًا منك"، فقدَّمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ بلالًا في الأذانِ لحُسنِ صَوتِه.
وكان للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أَربعَةٌ منَ المؤذِّنينَ؛ وهم: بِلالُ بنُ رَباحٍ، وابنُ أمِّ مَكٍتومٍ القُرَشيُّ العامِريُّ الأَعْمى، وأبو مَحْذورَةَ أوْسُ بنُ مِعيَرِ الجُمَحيُّ، وسَعْدُ بنُ عائذٍ موْلى عَمَّارِ بنِ ياسِرٍ بقُباءَ- رضِيَ اللهُ عنهم جميعًا.
وفي الحديثِ: التَّشاوُرُ في الأمورِ المُهمَّةِ، وأنَّ للمُتشاوِرينَ أنْ يقولَ كلُّ واحد منهم ما عِندَه، ثمَّ صاحِبُ الأمرِ يَفعَلُ ما فيه المَصلحةُ.
وفيه: مَنقبَةٌ لعُمرَ بنِ الخَطَّابِ وعبدِ اللهِ بنِ زيدٍ رضِيَ اللهُ عنهما.