الموسوعة الحديثية


- اجلسْ في بيتكَ فإن خفتَ أن يبهركَ شعاعُ السيفِ فغطّ وجهكَ وفي لفظٍ فكُنْ كخيرِ ابنيْ آدمَ وفي لفظٍ فكُنْ عبدَ اللهَ المقتولَ ولا تكنْ عبد اللهِ القاتلَ
الراوي : - | المحدث : الألباني | المصدر : إرواء الغليل | الصفحة أو الرقم : 2451 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

كيف أنت يا أبا ذرٍّ وموتًا يصيب الناسَ حتى يقوم البيتُ بالوصيفِ يعني القبرَ قلتُ ما خار اللهُ لي ورسولُه أو قال اللهُ ورسولُه أعلمُ قال تصبرُ قال كيف أنت وجوعًا يصيب الناسَ حتى تأتي مسجدَك فلا تستطيع أن ترجع إلى فراشِك ولا تستطيع أن تقومَ من فراشك إلى مسجدِك قال قلتُ اللهُ ورسولُه أعلمُ أو ما خار اللهُ لي ورسولُه قال عليك بالِعفَّةِ ثم قال كيف أنت وقتلًا يصيب الناسَ حتى تغرق حجارةُ الزيتِ بالدمِ قلتُ ما خار اللهُ لي ورسولُه قال الْحقْ بمن أنت منهُ قال قلتُ يا رسولَ اللهِ أفلا آخذُ بسيفي فأضربُ به من فعل ذلك قال شاركتَ القومَ إذا ولكنِ ادخلْ بيتَك قلتُ يا رسولَ اللهِ فإن دخل بيتي قال إن خشيتَ أن يبهركَ شعاعُ السيفِ فألقِ طرفَ ردائكَ على وجهكَ فيبوءُ بإثمهِ وإثِمك فيكونُ من أصحابِ النارِ
الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه
الصفحة أو الرقم: 3212 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

التخريج : أخرجه أبو داود (4261)، وابن ماجه (3958) واللفظ له، وأحمد (21325).


أرشَد النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أُمَّتَه إلى سُبلِ الهُدى والرَّشادِ، وعلَّمَها الصَّبرَ على الشَّدائدِ، وحذَّرها مِن الوُقوعِ والانسِياقِ وَراءَ الفِتَنِ، وشدَّد على حُرمةِ الدَّمِ المعصومِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ الصَّحابيُّ الجليلُ أبو ذَرٍّ الغِفاريُّ عمَّا علَّمَه إيَّاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، حيثُ قال له: "كيف أنتَ يا أبا ذَرٍّ ومَوتًا يُصيبُ النَّاسَ؟"، أي: كيف يَكونُ حالُك وماذا ستَفعَلُ في أيَّامٍ يَكثُرُ فيها الموتُ، "حتَّى يُقوَّمَ"، مِن التَّقويمِ، "البيتُ بالوصيفِ؟"، أي: حتَّى تَصيرَ قيمةُ البيتِ بثمَنِ العبدِ، قيل: المرادُ بالبيتِ القبرُ، أي: يُباعُ مَوضِعُ القبرِ بعَبدٍ وَصيفٍ؛ كِنايةً عن ارتفاعِ مَواضِعِ القُبورِ مِن الأمواتِ، أو لِتَبلُغَ أجرةُ الحفَّارِ قِيمةَ العبدِ؛ لِكَثرةِ الموتى وقِلَّةِ الحفَّارِين، واشتِغالِهم بالمعيشةِ. وقيل: المرادُ بالبيتِ البيتُ المُتعارَفُ، والمعنى: أنَّ البيوتَ تَصيرُ رَخيصةً؛ لكثرةِ الموتِ وقلَّةِ مَن يَسكُنُها، فيُباعُ البيتُ بعَبدٍ، مع أنَّ البيتَ عادةً يكونُ أكثرَ قيمةً، قال أبو ذَرٍّ رضِيَ اللهُ عنه: "قلتُ: ما خار اللهُ لي ورسولُه، أو قال: اللهُ ورسولُه أعلَمُ"، أي: أفعَلُ ما يَأمُرُني به اللهُ ورسولُه في مثلِ هذه الحالِ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "تَصبَّرْ"، أي: اطلُبِ الصَّبرَ وتَكلَّفْه على هذه الحالةِ.
ثمَّ قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "كيف أنت وجُوعًا يُصيبُ النَّاسَ"، أي: يصيبُ النَّاسَ جوعٌ شديدٌ، وشِدَّةٌ في العيشِ وقِلَّةٌ في الطَّعامِ، "حتَّى تأتِيَ مسجِدَك فلا تَستطيعَ أن تَرجِعَ إلى فِراشِك، ولا تَستطيعَ أن تَقومَ مِن فِراشِك إلى مَسجِدِك؟"، أي: تَضعُفُ قُوَّتُك وجسَدُك بسبَبِ قِلَّةِ الطَّعامِ، وهذا كِنايةٌ عن شِدَّةِ الجوعِ الَّذي لا يَقدِرُ الإنسانُ أن يَبلُغَ به حاجَتَه؟ قال أبو ذَرٍّ: "قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، أو: ما خارَ اللهُ لي ورسولُه، قال: عليك بالعِفَّةِ"، أي: الْزَمِ التَّعفُّفَ، فلا تَطلُبْ حَرامًا ولا تَسأَلِ النَّاسَ.
ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأبي ذرٍّ رضِيَ اللهُ عنه: "كيف أنتَ وقَتلًا يُصيبُ النَّاسَ حتَّى تُغرَقَ حِجارةُ الزَّيتِ؟"، وهو موضِعٌ بالمدينةِ في الحَرَّةِ؛ سُمِّي بها لِسَوادِ الحِجارةِ هُناك، حتَّى كأنَّها طُلِيَت بالزَّيتِ، والمعنى: أنَّ الدَّمَ يَعْلو حِجارةَ الزَّيتِ ويَستُرُها؛ لِكثرَةِ القَتْلى، وهذا إشارةٌ إلى وَقْعةِ الحَرَّةِ الَّتي كانت زمَنَ يَزيدَ، فقال أبو ذرٍّ: "ما خار اللهُ لي ورسولُه"، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "الْحَقْ بمَن أنتَ مِنه"، أي: الْزَمْ أهلَك وبيتَك، ولا تُشارِكْ بما سيَحدُثُ مِن فِتَنٍ، فقال أبو ذرٍّ رَضِي اللهُ عَنه: "يا رسولَ اللهِ، أفلا آخُذُ بسَيْفي فأضرِبُ به مَن فعَلَ ذلك؟"، أي: ألَا تَأمُرُني أن أمنَعَ حالةَ القَتلِ وأَقتَصَّ مِمَّن قتَل، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "شارَكتَ القومَ إذنْ"، أي: شارَكتَهم في الفِتنةِ، وتَحمَّلتَ مِن آثامِهم إذا أنتَ فعَلْتَ ذلك! "ولكنِ ادخُلْ بيتَك"، أي: مُؤكِّدًا عليه لُزومَه لبيتِه دونَ أدْنى مُشارَكةٍ منه، قال أبو ذَرٍّ: "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فإنْ دُخِلَ بَيتي؟"، أيْ: إنْ دَخَل علَيَّ مَن يُريدُ قَتْلي وأنا في بَيتي؟ فقال: "إنْ خَشِيتَ أن يَبهَرَك شُعاعُ السَّيفِ"، أي: إذا كان الخوفُ مِن السَّيفِ سيَحمِلُك على أنْ تَدفَعَه، وشُعاعُ السَّيفِ: بَريقُه ولَمَعانُه، "فأَلْقِ طرَفَ رِدائِك على وَجْهِك"، والمعنى: لا تُحارِبْهم وإنْ حارَبوك، بل استَسلِمْ للقتلِ؛ لأنَّ أولئِك مِن أهلِ الإسلامِ، ويَجوزُ معَهم عدَمُ المحاربةِ والاستسلامُ، كما أشار إليه بقولِه: "لِيَبوءَ"، أي: لِيَرجِعَ القاتلُ "بإثمِك"، أي: بإثمِ قَتلِك، "وإثمِه"، أي: وبسائرِ إثمِه؛ "فيَكونَ مِن أصحابِ النَّارِ"، وهذا الكلامُ زجرٌ مِنه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن السَّعيِ في كَثرةِ إراقةِ الدِّماءِ، وإلَّا فمِن المعلومِ مِن أصلِ الشَّرعِ: أنَّ دفْعَ الخَصْمِ واجبٌ.
قيل: أخبَر بهذه الوقائعِ على احتِمالِ أنَّ أبا ذَرٍّ لَعلَّه يُدرِكُها، وإلَّا فأبو ذَرٍّ مات قبلَ وقْعةِ الحرَّةِ؛ فإنَّه مات في خِلافةِ عُثمانَ رَضِي اللهُ عَنه، أو يكون تعليمًا لِمَن يُدرِكُها، وأمَّا وُقوع الجوعِ والموتِ بالمدينةِ فيَحتمِلُ أنَّ أبا ذَرٍّ أدرَكها؛ لأنَّه وقَع قَحْطٌ وموتٌ بها في عامِ الرَّمادةِ وغيرِه.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن في الفِتَنِ.
وفيه: الحثُّ على البُعدِ عن إراقةِ الدِّماءِ، وأنَّ العبدَ خَيرٌ له أن يُقتَلَ مَظلومًا، ولا يَسفِكَ دَمًا مَعصومًا.