الموسوعة الحديثية


- عن أبي الحوراء: قُلتُ لِلحَسَنِ: ما تَذكُرُ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قال: أذكُرُ أنِّي أخَذتُ تَمْرةً مِن تَمرِ الصَّدَقةِ، فجَعَلتُها في فيَّ، فنَزَعَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بلُعابِها، فجَعَلَها في التَّمرِ. فقيل: يا رَسولَ اللهِ، وما كان عليكَ مِن هذه التَّمرةِ لهذا الصَّبيِّ؟ قال: إنَّا -آلَ محمدٍ- لا تَحِلُّ لنا الصَّدَقةُ. قال: وكان يَقولُ: دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ؛ فإنَّ الصِّدقَ طُمَأنينةٌ، والكَذِبَ رِيبةٌ. وكان يُعَلِّمُنا هذا الدُّعاءَ: اللَّهمَّ اهْدِني فيمَنْ هَدَيتَ... الحَديثَ، وتَمامُه: وعافِني فيمَن عافَيتَ، وتَوَلَّني فيمَن تَوَلَّيتَ، وبارِكْ لي فيما أعطَيتَ، وقِني شَرَّ ما قَضَيتَ، إنَّه لا يَذِلُّ مَن والَيتَ.
الراوي : الحسن بن علي | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سير أعلام النبلاء | الصفحة أو الرقم : 3/246 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح.

( دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ ) قال ( الخيرُ طُمأنينةٌ والشَّرُّ رِيبةٌ ) وأُتِي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بشيءٍ مِن تمرِ الصَّدقةِ فأخَذْتُ تمرةً فألقَيْتُها في فِيَّ فأخَذها بلُعابِها حتَّى أعادها في التَّمرِ فقيل له : يا رسولَ اللهِ ما كان عليكَ مِن هذه التَّمرةِ مِن هذا الصَّبيِّ ؟ فقال : ( إنَّا آلَ مُحمَّدٍ لا يحِلُّ لنا الصَّدقةُ ) وسمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدعو بهذا الدُّعاءِ : ( اللَّهمَّ اهدِنا فيمَنْ هدَيْتَ وعافِنا فيمَنْ عافَيْتَ وتولَّنا فيمَنْ تولَّيْتَ وبارِكْ لنا فيما أعطَيْتَ وقِنا شرَّ ما قضَيْتَ إنَّك تَقضي ولا يُقضَى عليكَ إنَّه لا يذِلُّ مَن والَيْتَ تبارَكْتَ وتعالَيْتَ )
الراوي : الحسن بن علي | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان
الصفحة أو الرقم: 722 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

الاحتِرازُ عن الشُّبُهاتِ استِبْراءٌ للدِّينِ، والاعتِدادُ بالوَساوِسِ إفْسادٌ له؛ ولذلِكَ لا بُدَّ للمُسلِمِ الَّذي يُريدُ أنْ يَحفَظَ دِينَهُ أنْ يكونَ واعيَ القَلبِ لِكُلِّ ما حَولَهُ، وما يمُرُّ به من أحْداثٍ، وقد جعَلَ اللهُ في قَلبِ المُؤمِنِ مِيزانًا يَزِنُ به ما اشتَبَهَ عليه.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي الحَسَنُ بنُ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رضِيَ اللهُ عنه سِبْطُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عِدَّةَ رِواياتٍ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، منها أنَّه قال: "دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ"، والمَعْنى: اتْرُكْ واستَغْنِ عمَّا تَشُكُّ فيه مِن أُمورٍ لم تَسكُنْ إليها نَفسُك إلى ما لا تَشُكُّ فيه، فتَطْمئِنَّ لها نَفسُكَ، وتَبعُدَ عن الشَّكِّ والوَساوسِ؛ فإنَّ الاحتِرازَ عن الشُّبُهاتِ استِبْراءٌ للدِّينِ، والاعتِدادَ بالوَساوِسِ إفسادٌ له "قال: الخَيرُ طُمَأنينةٌ"، فإنَّ الصِّدقَ والخَيرَ والحقَّ يَسكُنُ إليه القَلبُ ويَرْتاحُ به، "والشَّرُّ رِيبةٌ"؛ فإنَّ غَيرَ الحَقِّ يَجعَلُ القَلْبَ مُضطرِبًا، غَيرَ مُطمَئِنٍّ؛ نَتيجةَ الشَّكِّ الَّذي به، وفي هَذَا إشارةٌ إلى رُجوعِ المُؤمِنِ الصَّادِقِ إلى قَلبِهِ عِندَ الاشتِباهِ؛ لأنَّ قلْبَ المُؤمِنِ دَليلٌ له إلى الخَيرِ، ومُبعِدٌ له عَن الشَّرِّ.
قال الحَسَنُ رضِيَ اللهُ عنه: "وأُتِيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بشَيءٍ من تَمْرِ الصَّدَّقةِ"، وهي الزَّكَواتُ الَّتي كانت تُدفَعُ من أمْوالِ النَّاسِ "فأخَذتُ تَمْرةً فألْقَيتُها في فيَّ"، أي: وَضَعتُها في فمي؛ لآكُلَها، وقد كان الحَسَنُ صَغيرًا لا يَعي، "فأخَذَها" وأخرَجَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من فَمِهِ، "بلُعابِها"، وهو أثَرُ الفَمِ الَّذي كان على التَّمْرةِ، "حتَّى أعادَها في التَّمرِ، فقيلَ له: يا رسولَ اللهِ، ما كان عليكَ من هذه التَّمْرةِ من هذا الصَّبيِّ؟!" وكأنَّهم رَأَوْا أنَّ التَّمْرَ شَيءٌ قَليلٌ ويَسيرٌ، لا تضُرُّ ولا تَنقُصُ من التَّمرِ شَيئًا، وقد أخَذَها طِفلٌ صَغيرٌ مَرْفوعٌ عنه القَلَمُ؛ فبيَّنَ لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: "إنَّا آلُ مُحمَّدٍ لا يَحِلُّ لنا الصَّدَقةُ؛ فأهْلُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَأخُذونَ مِن الزَّكاةِ، ولا مِن صَدَقاتِ التَّطوُّعِ تَكْريمًا وتَشْريفًا لهم؛ لأنَّها أوْساخُ النَّاسِ الَّتي يُطهِّرون بها الأموالَ مِن أدْناسِها، وآلُ محمَّدٍ المَقْصودونَ هم: آلُ عليٍّ، وآلُ العبَّاسِ، وآلُ عَقيلٍ، وآلُ جَعفَرٍ.
وقال الحَسَنُ رضِيَ اللهُ عنه: "وسَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدْعو بهذا الدُّعاءِ: اللَّهُمَّ اهْدِنا فيمَن هَدَيتَ" يَعني: يا ربِّ أسأَلُك أنْ تَرزُقَنا الهِدايةَ، وأنْ تُثبِّتَنا عليها، وأنْ تَجعَلَنا مِن الَّذين هَدَيتَهم "وعافِنا فيمَن عافَيتَ"، أي: فارزُقْنا العافيةَ والمُعافاةَ وهي السَّلامةُ مِن الأسقامِ وأمراضِ القلوبِ وأمراضِ الأبدانِ والبَلاءِ والفِتنِ، "وتَوَلَّنا فيمَن تَولَّيتَ" تَولَّ أمْرَنا كُلَّهُ، ولا تَجعَلْنا نَركَنُ إلى أنفُسِنا، وأدْخِلْنا في جُملةِ مَن تَفَضَّلتَ عليهم بذلِكَ "وبارِكْ لنا فيما أعطَيتَ"، وأسأَلُكَ البَرَكةَ فيما أعطيْتَهُ لنا ورَزَقْتَنا به من كُلِّ شيءٍ.
"وَقِنا شَرَّ ما قَضَيتَ" ممَّا قَدَّرتَهُ، وليس في ذلِكَ نِسْبةُ الشَّرِّ إلى اللهِ سُبحانَهُ؛ بل هَذا من بابِ نِسْبةِ الشَّرِّ إلى مُقتضَياتِهِ مِن فَقرٍ، ومَرَضٍ، وإقامةِ حَدٍّ، وغَيرِ ذلِكَ، وهذه المُقتَضَياتُ عِندَ التَّأمُّلِ ليسَتْ شرًّا خالِصًا؛ فقَطعُ يَدِ السَّارِقِ مَثَلًا بالنِّسْبةِ للسَّارِقِ يَرَى أنَّ هذا شَرٌّ، ولكِنْ بالنَّظَرِ إلى أنَّها كَفَّارةٌ له كفَردٍ، وأنَّها زَجْرٌ له ولباقي المُجتَمَعِ، وحِفظٌ له؛ فهي خَيرٌ؛ فإنَّ اللهَ سُبحانَهُ -لأنَّه خالِقُ كُلِّ شَيءٍ وخالِقُ الخَيرِ والشَّرِّ- فقَضاؤُه كلُّه خَيرٌ، وجمَيعُ الأُمورِ مِن حيثُ نِسبتُها إلى اللهِ تعالى خَيرٌ، فلا يُنسَبُ إليه شَرٌّ؛ لكَمالِ حِكمتِهِ وعَظيمِ رَحمتِهِ. "إنَّك تَقْضي ولا يُقْضى عليك" فأنتَ تَحكُمُ بما تَشاءُ وتُقدِّرُهُ، ولا مُعقِّبَ لحُكمِكَ وقَضائِكَ، "إنَّه لا يَذِلُّ مَن واليتَ" فلا يَكونُ ذَليلًا مَن واليتَهُ وقرَّبتَهُ؛ بل يَكونُ عَزيزًا، "تَبارَكتَ وتَعالَيتَ"، أي: كَثُرَ خَيرُك، ووَسِعَتْ رَحمتُكَ الخَلْقَ، "تَعالَيتَ وارتفَعْتَ وتنَزَّهتَ عمَّا لا يَليقُ بكَمالِكَ وجَلالِكَ.
وفي الحَديثِ: اعتبارُ النَّواحي القَلْبيَّةِ الصَّحيحةِ في الإقْدامِ على الأُمورِ مِن عَدَمِها.
وفيه: بَيانُ حِرْصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الدُّعاءِ بجَوامِعِ الكَلِمِ الَّتي فيها الدُّعاءُ الخالِصُ .