الموسوعة الحديثية


- أن عمرَو بنَ العاصِ قال في الطاعونِ في آخرِ خطبةٍ خطبَ الناسَ : إن هذا رجزٌ مثلُ السيلِ ، من تنكبْهُ أخطأَهُ ، ومِثلُ النارِ من تنكبْها أخطأَها ، ومن أقامَ أحرقَتْهُ فآذتْهُ ، فقال شرحبيلُ بنُ حسنةَ : إن هذا رحمةُ ربِّكم ، ودعوةُ نبيِّكم وقبضُ الصالحينَ قبلَكُم
الراوي : أبو منيب الأحدب | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : بذل الماعون | الصفحة أو الرقم : 155 | خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات

أنَّ الطَّاعونَ وَقَع، فقال عمرُو بنُ العاصِ: إنَّه رِجسٌ؛ فتفَرَّقوا عنه، وقال شُرَحبيلُ بنُ حَسَنةَ: إنِّي قد صَحِبتُ رَسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعَمرٌو أضَلُّ مِن جَمَلِ أهْلِه -وربما قال شعبةُ: أضَلُّ مِن بعيرِ أهْلِه- وإنَّه قال: إنَّها رَحمةُ رَبِّكم، ودعوةُ نَبيِّكم، وموتُ الصَّالحينَ قَبْلَكم؛ فاجتَمِعوا ولا تَفَرَّقوا عنه، قال: فبلغ ذلك عَمرَو بنَ العاصِ، فقال: صَدَقَ.
الراوي : شرحبيل بن حسنة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم: 17755 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

في هذا الحَديثِ يَحكي التابِعيُّ شُرَحْبيلُ بنُ شُفْعةَ الرَّحَبيُّ، عن عَمْرِو بنِ العاصِ: "أنَّ الطاعونَ وقَعَ" وكان ذلك بالشامِ سَنةَ ثَمانَ عَشْرةَ على الراجِحِ، وكان أوَّلُ ظُهورِه ببَلدةٍ صَغيرةٍ يُقالُ لها: (عَمَواسُ) بينَ القُدسِ والرَّمْلةِ، والطاعونُ هو الوَباءُ العامُّ، "فقال عَمْرُو بنُ العاصِ: إنَّه رِجْسٌ" عذابٌ يُعذِّبُ اللهُ به الناسَ، "فتَفرَّقوا عنه" أمرَهم بالابتِعادِ والخُروجِ منَ المَدينةِ، "وقال شُرَحْبيلُ بنُ حَسَنةَ: إنِّي قد صحِبْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعَمْرُو أضَلُّ من جمَلِ أهلِه -ورُبَّما قال شُعْبةُ: أضَلُّ من بَعيرِ أهلِه-" يُريدُ أنَّ عَمْرًا كان وقتَئذٍ كافرًا، وأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إنَّها رَحْمةُ ربِّكم"؛ لأنَّ الميِّتَ منه يأخُذُ أجْرَ الشُّهداءِ كما جاء في الرِّواياتِ، أو لأنَّه يُسرِعُ بهم إلى رَحمةِ اللهِ، "ودَعْوةُ نَبيِّكم" من قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَديثِ أحمَدَ عن أبي موسى الأشْعَريِّ رضِيَ اللهُ عنه مَرْفوعًا: "اللَّهمَّ اجعَلْ فَناءَ أُمَّتي بالطعْنِ والطاعونِ"، أو يُشيرُ به إلى حَديثِ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها في الصحيحِ: "أنَّه عَذابٌ يَبعَثُه اللهُ على مَن يَشاءُ، وأنَّ اللهَ جعَلَه رَحْمةً للمُؤمِنينَ، ليس من أحَدٍ يَقَعُ الطاعونُ، فيَمكُثُ في بَلَدِه صابرًا مُحتَسِبًا، يَعلَمُ أنَّه لا يُصيبُه إلَّا ما كتَبَ اللهُ له، إلَّا كان له مِثلُ أجْرِ شَهيدٍ"، قال شُرَحْبيلُ بنُ حَسَنةَ رضِيَ اللهُ عنه: "وموتُ الصالِحينَ قَبلَكم"، حيث كان اللهُ سُبحانَه يُرسِلُه لقَبضِ الصالِحينَ، "فاجتَمِعوا ولا تَفَرَّقوا عنه" فلا يَخرُجُ أحدٌ منَ المكانِ الذي وقَعَ فيه الطاعونُ، "قال: فبلَغَ ذلك عَمْرَو بنَ العاصِ فقال: صدَقَ"، ومن ذلك نَعلَمُ أنَّ عَمْرًا أمَرَ الناسَ بالتفَرُّقِ عنه لعدَمِ بُلوغِه الخَبرَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلك، ويُمكِنُ أنْ نَقولَ: إنَّ عَمْرًا راعَى الأسبابَ العاديَّةَ فأمَرَ جُندَه بالتفَرُّقِ في هذه البِقاعِ حيثُ يَطيبُ الهَواءُ، وشُرَحْبيلُ غلَّبَ جانِبَ التوَكُّلِ على جانِبِ الحَيْطةِ.
وقد تُوفِّيَ في هذا الطاعونِ منَ المُسلِمينَ خَلقٌ كَثيرٌ بلَغَ خَمْسةً وعِشرينَ ألفًا، أو ثَلاثينَ ألفًا، وكان ممَّن تُوفِّيَ فيه أبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ، ويَزيدُ بنُ أبي سُفْيانَ، ومُعاذُ بنُ جبَلٍ، وشُرَحْبيلُ بنُ حَسَنةَ، والحارثُ بنُ هشامٍ رضِيَ اللهُ عنهم. .