الموسوعة الحديثية


- أنَّ أعرابيًّا جاءَ يَلطِمُ وَجهَهُ، ويَنتِفُ شَعرَهُ، ويَقولُ: ما أراني إلَّا قد هلَكتُ. فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وما أهلَكَكَ؟ قال: أصَبتُ أهلي في رمضانَ. قال: أتَستَطيعُ أن تُعتِقَ رَقَبةً؟ قال: لا. قال: أتَستَطيعُ أنْ تَصومَ شَهرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ؟ قال: لا. قال: أتَستَطيعُ أنْ تُطعِمَ سِتِّينَ مِسكينًا؟ قال: لا. وذكَرَ الحاجةَ، قال: فأُتيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بزِنبيلٍ، وهو المِكتَلُ، فيه خَمسةَ عَشَرَ صاعًا، أحسَبُهُ تَمرًا، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أين الرَّجُلُ؟ قال: أطعِمْ هذا. قال: يا رسولَ اللهِ، ما بَينَ لابَتَيْها أحدٌ أحوَجُ مِنَّا أهْلَ بَيتٍ. قال: فضَحِكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتى بدَتْ أنيابُهُ، قال: أطعِمْهُ أهلَكَ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 10688 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (1936) بنحوه، ومسلم (1111) باختلاف يسير

جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: هَلَكْتُ! قَالَ: وما شَأْنُكَ؟ قَالَ: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي في رَمَضَانَ، قَالَ: تَسْتَطِيعُ تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: اجْلِسْ. فَجَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَرَقٍ فيه تَمْرٌ -والعَرَقُ: المِكْتَلُ الضَّخْمُ- قَالَ: خُذْ هذا فَتَصَدَّقْ به. قَالَ: أعَلَى أفْقَرَ مِنَّا؟ فَضَحِكَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ: أطْعِمْهُ عِيَالَكَ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 6709 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

التخريج : أخرجه البخاري (6709)، ومسلم (1111)


رَمَضانُ شَهرٌ كَريمٌ، وصيامُه فَرْضٌ على العاقِلِ البالِغِ القادِرِ، وللفِطْرِ العَمْدِ فيه أحكامٌ، وفي هذا الحَديثِ بيانٌ للكَفَّارةِ لِمن جامَعَ أهْلَه في نهارِ رَمَضانَ، فيروي أبو هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالَ: «هَلَكْتُ!» أي: فَعَلْتُ ما هو سَبَبٌ لِهَلاكي، فسَألَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ما شَأنُك؟» فأخبر أنَّه جامع امرأتَه في نهارِ رَمَضانَ، فسَألَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن استطاعتِه أنْ يُعتِقَ رَقبةً، ويُرادُ بها العبْدُ المملوكُ أو الأَمَةُ، فقالَ: لا أسْتَطيعُ، فسَألَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن استطاعتِه أنْ يَصومَ شَهْرَينِ مُتَتابِعَين، لا يَفصِل بيْنَ الشَّهرَيْنِ بأيَّامِ فِطْرٍ لغيرِ عُذرٍ، فقالَ: لا أسْتَطيعُ، فسَألَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن استطاعَتِه أن يُطعِمَ سِتِّين مِسكينًا، قال: لا، فأوضَحَ الرَّجُلُ أنَّه فقيرٌ وعاجِزٌ عن أداءِ أيٍّ من أنواعِ الكَفَّاراتِ الثَّلاثةِ.
فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له: «اجْلِسْ»، وإنما أمره بالجُلوسِ لانتظارِ الوَحْيِ في حَقِّه، وقيل: أو عرَف أنَّه سيؤتى بشَيءٍ يعينُه به، فانتظَرَ الرَّجُلُ حتى أُتِيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِعَرَقٍ فيه تَمْرٌ، والعَرَقُ: المِكتَلُ أو الوِعاءُ الضَّخمُ يَسَعُ خَمْسةَ عَشَرَ صاعًا، والصَّاعُ يُساوي بالجرامِ (2036) في أقلِّ تَقديرٍ، وفي أعْلى تَقْديرٍ يُساوي (4288) جرامًا، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له: «خُذْ هذا» العَرَقَ بِتَمْرِه «فتَصدَّقْ به» على الفُقَراءِ والمحتاجين، فقال الرَّجُلُ: «أعلى أفْقَرَ منَّا؟!» أي: أتصَدَّقُ به على شَخصٍ أفقَرَ مِنَّا؟! كأنَّه قال: ليس هناك في المدينةِ من هو أفقَرُ مِن أهلِ بيتي، فأنا أَوْلى بهذه الصَّدَقةِ من غيري، فضَحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى ظَهَرَت «نَواجِذُه» وهي آخِرُ الأسنانِ أو هي الأضراسُ؛ تَعجُّبًا مِن حالِه؛ حيث إنه جاءه خائفًا على نَفْسِه راغبًا في فدائِها، فلمَّا وجد الرُّخصةَ طَمِعَ أن يأكُلَ ما أُعطِيَه من الكَفَّارةِ! وقيل: ضحك مِنْ حسْنِ بيانِ المتكَلِّمِ وتلَطُّفِه في الخِطابِ وتوَسُّلِه في التوَصُّلِ إلى مَقصِدِه. ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أطعِمْه عِيالَك».
وفي الحَديثِ: أنَّ كَفَّارةَ الجِماعِ في نَهارِ رَمَضانَ مُرَتَّبةٌ إعتاقًا، ثُمَّ صَومًا، ثُمَّ إطعامًا.
وفيه: إعانةُ المُعسرِ في الكَّفارةِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ المُبالَغةِ في الضَّحكِ عندَ التَّعجُّبِ.
وفيه: استِعمالُ الكِنايةِ فيما يُستَقْبَح ظُهورُه بصَريحِ لَفظِه.
وفيه: الرِّفقُ بالمُتعلِّم، والتَّلطُّفُ في التَّعليمِ، والتَّأليفُ على الدِّين.
وفيه: النَّدمُ على المَعصيةِ، واستِشعارُ الخَوفِ.