الموسوعة الحديثية


- [عن] حضين بن المنذر الرقاشي، قال: شَهِدتُ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه وأُتيَ بالوَليدِ بنِ عُقْبةَ، قال: فشَهِدَ عليه حُمْرانُ ورَجُلٌ آخَرُ، فشَهِدَ أحدُهما أنَّه رَآه يَشرَبُ الخَمرَ، وشَهِدَ الآخَرُ أنَّه رَآه يَتقيَّؤُها، فقال عُثمانُ: إنَّه لم يَتقيَّأْها حتى شَرِبَها، فقال لعليٍّ عليه السَّلامُ: أقِمْ عليه الحَدَّ، فقال عليٌّ للحَسَنِ: أقِمْ عليه الحَدَّ، فقال الحَسَنُ: وَلِّ حارَّها مَن تَولَّى قارَّها، قال لعبدِ اللهِ بنِ جَعفَرٍ: أقِمْ عليه الحَدَّ، فأخَذَ السَّوطَ فجَلَدَه، وعليٌّ يَعُدُّ حتى بَلَغَ أربعينَ جَلْدةً، قال: أمسِكْ؛ جَلَدَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أربعينَ. قال عبدُ العَزيزِ: أحسَبُه قال: وأبو بَكرٍ، وجَلَدَ عُمَرُ ثَمانينَ، وكلٌّ سُنَّةٌ، وهذا أحَبُّ إليَّ.
الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن الدارقطني | الصفحة أو الرقم : 3470 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه مسلم (1707) باختلاف يسير

[عن] حضين بن المنذر الرقاشي أبو ساسان، قال: شَهِدْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ وَأُتِيَ بالوَلِيدِ قدْ صَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قالَ: أَزِيدُكُمْ؟ فَشَهِدَ عليه رَجُلَانِ -أَحَدُهُما حُمْرَانُ- أنَّهُ شَرِبَ الخَمْرَ، وَشَهِدَ آخَرُ أنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُ، فَقالَ عُثْمَانُ: إنَّه لَمْ يَتَقَيَّأْ حتَّى شَرِبَهَا، فَقالَ: يا عَلِيُّ، قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَقالَ عَلِيٌّ: قُمْ يا حَسَنُ فَاجْلِدْهُ، فَقالَ الحَسَنُ: وَلِّ حَارَّهَا مَن تَوَلَّى قَارَّهَا، فَكَأنَّهُ وَجَدَ عليه، فَقالَ: يا عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ، قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ يَعُدُّ حتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ، فَقالَ: أَمْسِكْ، ثُمَّ قالَ: جَلَدَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهذا أَحَبُّ إلَيَّ.
الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 1707 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

التخريج : من أفراد مسلم على البخاري


أقام الإسلامُ نِظامَ الحدودِ والعُقوباتِ على الكبائرِ، وبيَّن شُروطَ إقامِتها وكَيفيَّةَ التَّحرُّزِ فيها؛ حتَّى لا يُقامَ الحدُّ بالخطأِ، فلَأنْ يُخطِئَ الإمامُ في العفوِ خَيرٌ مِن أنْ يُخطِئَ فيُقِيمَ الحدَّ على مَن لا يَجِبُ عليه.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي التَّابعيُّ حُضَينُ بنُ المُنذِرِ أنَّه شَهِدَ الخليفةَ عُثمانَ بنَ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه، وقدْ أُتِيَ بِالوليدِ بنِ عُقْبَةَ بنِ أبي مُعَيْطٍ رَضيَ اللهُ عنه بسَببِ أنَّه شَرِبَ خمرًا لِيُقِيمَ عليه الحدَّ، وكان واليًا على الكوفةِ، وكان الوليدُ أخًا لعُثمانَ بنِ عفَّانِ لأُمَّهِ، فلمَّا شاع الأمرُ في الكوفةِ وجَرى مِن الأحوالِ ما جَعَل عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه أن يُحضِرَه، حيثُ صلَّى الوليدُ صَلاةَ الصُّبحِ رَكعتَينِ ثُمَّ قالَ لمَن خلْفَه مِن المأمومينَ: «أَزيدُكم؟» وقصَدَ بهذا القولِ الزِّيادةَ في عَددِ الرَّكعاتِ، وحمَلَ الطَّاعِنون والكارِهون للوليدِ قوْلَه هذا على أنَّه كان سَكرانَ، ومَن اعتذَرَ له قال: إنَّه نَسِي العددَ ولم يكُنْ سَكرانَ، وشَهِدَ على الوليدِ أنَّه شَرِبَ الخَمرَ رجُلانِ: أحدُهما التَّابعيُّ حُمْرانُ بنُ أبانَ مَولى عُثمانَ، وَشَهِدَ الرَّجلُ الآخَرُ أنَّه رآهُ يَتقيَّأُ خمْرًا، فقالَ عثمانُ رَضيَ اللهُ عنه: إنَّه لم يَتقيَّأْ حتَّى شَرِبَها، أي: إنَّ التَّقيُّؤَ بالخمرِ يَستلزِمُ شُربَها، وأراد عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه بهذا القولِ دفْعَ ما يُتوهَّمُ مِن التَّعارضِ بيْن الشَّهادتينِ؛ فلا مُنافاةَ بيْنهما.
فَطلَبَ عُثمانُ مِن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنْ يَقومَ ويُقيمَ عليه حدَّ شُربِ الخمرِ بالجَلدِ، فأقرَّ علِيٌّ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنهما على الحدِّ، وأمَرَ ابنَه الحسنَ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يَقومَ فَيجلِدَه، فقالَ الحسنُ لأبيهِ: «وَلِّ حارَّهَا مَنْ تولَّى قارَّها» وهذا مَثلٌ مِن أمثالِ العرَبِ، والحارُّ: الشَّديدُ المكرُوهُ، والقَارُّ: الباردُ الهنيءُ الطَّيِّبُ، والمعنى: يتَولَّى شِدَّتَها وَأوساخَها مَن تولَّى هَنِيئَتَها ولذَّاتِها، والضَّميرُ عائدٌ إلى الخِلافةِ وَالوِلايةِ، وعليه فإنَّ مُرادَ الحسنِ رَضيَ اللهُ عنه: كما أنَّ عثمانَ رَضيَ اللهُ عنه وأقارِبَه يَتولَّوْن هَنِيءَ الخِلافةِ ويَختصُّونَ به، فليَتولَّوْا نَكَدَها وقَاذُوراتِها أيضًا، ولِيتولَّ هذا الجَلْدَ عثمانُ رَضيَ اللهُ عنه بِنفسِه أو بعضُ خاصَّةِ أقاربِه الأَدْنَيْنِ، فلمَّا سَمِع ذلك علِيٌّ مِن ابنهِ الحسنِ رَضيَ اللهُ عنهما كأنَّه غَضِبَ عليه وتَألَّمَ لِرفضِ ابنِه أمْرَه وإنْ كان مُحقًّا، فَطلبَ عليٌّ مِن عبدِ اللهِ بنِ جَعفرٍ رَضيَ اللهُ عنهم أنْ يَقُومَ فَيجلِدَه، فاستجابَ عبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه لقولِه، فقام فَجَلدَه، وعليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه يَعُدُّ، حتَّى بَلغَ أربعين جَلدةً، فقال له علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه: تَوقَّفْ عن الجَلدِ، ثُمَّ أخبَرَ علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جلَدَ أَربعينَ، وجلَدَ أبو بكرٍ في زمَنِ خِلافتِه أربعينَ، وزاد عُمرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه في زمَنِ خِلافتِه الجَلدَ إلى ثمانينَ عُقوبةً لشاربِ الخمرِ، وعندَ البُخاريِّ: عن السَّائبِ بنِ يَزيدَ قال: «كنَّا نُؤتى بالشَّاربِ على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وإمرةِ أبي بَكرٍ وصَدْرًا مِن خِلافةِ عُمرَ، فنَقومُ عليه بأيْدِينا ونِعالِنا وأرْدِيتِنا، حتَّى كان آخِرُ إمرةِ عُمرَ فجَلَد أربعينَ، حتَّى إذا عَتَوا وفسَقُوا جَلَدَ ثمانينَ»؛ ولذلك قال علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه: «وكلٌّ سُنَّةٌ»، أي: إنَّ كلَّ ما ورَدَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وخُلفائهِ الرَّاشدينَ مع الاختلافِ في عَددِ الضَّرباتِ هو سُنَّةٌ مُتَّبعةٌ في عُقوبةِ شاربِ الخمرِ، ثمَّ أخبَرَ أنَّ الجَلدَ أربعينَ أحبُّ إليَّه.
وفي الحديثِ: أنَّ مِن هدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهدْيِ أصحابِه الْجَلْدَ في الخَمرِ أربعينَ، أو ثَمانينَ، وأنَّ كُلَّ ذلك حَسَنٌ.
وفيه: تعظيمُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه لآثارِ أبي بكرٍ وعُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، واعتبارُ حُكْمِهما سُنَّةً، وأَمْرِهما حقًّا.
وفيه: ثُبوتُ حدِّ شاربِ الخمرِ بشَهادةِ رَجلينِ عَدلينِ.