الموسوعة الحديثية


- عنِ ابنِ عبَّاسٍ قال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] إلى قَولِه: {الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47]، هؤلاء الآياتُ الثَّلاثُ نَزَلتْ في اليَهودِ خاصَّةً في قُرَيظةَ والنَّضِيرِ.
الراوي : عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن أبي داود | الصفحة أو الرقم : 3576 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

عنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } إلى قولِه { الْفَاسِقُونَ } هؤلاءِ الآياتِ الثَّلاثِ نزلَتْ في اليَهودِ ، خاصَّةً في قريظةَ والنَّضيرِ
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود
الصفحة أو الرقم: 3576 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح الإسناد

التخريج : أخرجه أبو داود (3576) واللفظ له، وأحمد (2212) باختلاف يسير.


إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هو الحَكَم، والإيمانُ بهذا الاسمِ يُوجِبُ التحاكُمَ إلى شَرْعِ اللهِ وحْدَه لا شريكَ له، ومِن تمام رُبوبيَّتِه سُبحانه للخَلْقِ أنْ يكونَ مَلِكَهم وسيِّدَهم والمُتصرِّفَ في شُؤونِهم، وسِيادةُ التشريع مِن خصائصِ الرُّبوبيَّة؛ فليستْ لأيِّ شَخصٍ أو طائفةٍ أو قبيلةٍ أو شَعبٍ، و والرِّضا بشَرْعِ اللهِ والتحاكُم إليه وحْدَه في كلِّ شأنٍ مِن الشُّؤونِ في الأنفُسِ والأموالِ والأعراضِ مِن أنواعِ العِبادةِ والطَّاعةِ التي تُصرَفُ للهِ سُبحانَه دونَ ما سواه، وهو مِن مُقتضَى شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه. وقد أنزَل اللهُ شَرائعَه فيها هدًى ونُورٌ، وأمَر بالحُكْمِ بِما فيها؛ فهي مشتملةٌ على أعلى المصالِح وأجلِّ المنافِع، والعدلِ بَينَ الخَلقِ. وأمَّا التحاكُم إلى غَيرِ شَرْعِه فإنَّه يُنافي الإيمانَ باللهِ عزَّ وجلَّ، وهو مِن أخطرِ مَظاهرِ الانحرافِ عنِ الإسلامِ، وله عواقبُ وخيمةٌ لا تُعَدُّ ولا تُحصَى مِن أنواعِ الفَسادِ وصُنوفِ الظُّلمِ والذُّلِّ والمَحْقِ، وقد قالَ الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47].
وفي هذا الأثَرِ بيانُ رأي ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما في تَفسيرِ هذه الآياتِ الثَّلاثِ، حيثُ يرَى أنَّها نزلَتْ في اليهودِ خاصَّةً؛ في قُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ، وهُما قَبيلتانِ مِن قبائلِ اليَهودِ كانوا يَسكُنونَ المدينةَ؛ ذُكِرَ أنَّ بني النَّضيرِ قد قاتلتْ بني قُريظةَ في الجاهليةِ وقهرَتْهم، فكان إذا قَتَل النَّضيريُّ القُرظيَّ لا يُقتَلُ به بل يُفادَى بمئة وَسْقٍ مِن التَّمر، وإذا قَتَل القُرظيُّ النَّضيريَّ قُتِل؛ فإنْ فادَوْه فدَوْه بمِئتي وَسْقٍ مِن التَّمرِ ضِعْفي دِيةِ القُرظيِّ؛ فغَيَّروا بذلِك حُكمَ اللهِ تعالى في التَّوراةِ.
والحُكم بغيرِ ما أَنزلَ اللهُ تعالى قد يَكونُ كُفرًا أكبرَ يَنقُلُ عنِ المِلَّة، وقد يَكونُ كفرًا أصْغرَ ومَعصيةً ولا يَنقُلُ عن المِلَّةِ بحَسَبِ حالِ الحاكِم كما هو مُفصَّلٌ في مَوضِعِه.
وما في هذا الأَثرِ هو رأيُ ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما، وقدْ قيل: إنَّ ما في هذِه الآياتِ لا يَختَصُّ بقُريظَةَ والنَّضيرِ؛ بل إنَّها تشمَلُ الكُفَّارَ مِن اليهودِ والنَّصارَى الَّذين حَكَمُوا بغيْر ما أنزَل اللهُ، ويَدُلُّ لهذا ما أخرَجَه مسْلِمٌ مِن حديثِ البَرَاءِ: أنَّها نزَلت في الكُفَّار، وكذلك يعمُّ الحُكمُ ويَشمَلُ مَن فَعَل هذا وسَلَك سَبيلَهم مِن هذِه الأمَّةِ وتَرَك الحُكمَ بما أَنزلَ اللهُ. .