الموسوعة الحديثية


- كنَّا بحَضرةِ ماءٍ مَمَرٍّ مِنَ النَّاسِ، وكان يَمُرُّ بنا الرُّكبانُ، فنَسألُهم: ما هذا الأمْرُ؟ ما للنَّاسِ؟ فيَقولونَ: نَبيٌّ يَزعُمُ أنَّ اللهَ أرسَلَه، وأنَّ اللهَ أوْحى إليه كذا وكذا، فجعَلتُ أتلَقَّى ذلك الكَلامَ فكأنَّما يُغْرَى في صَدري بغِراءٍ، يقولُ: أحفَظُه، وكانتِ العَربُ تَلَوَّمُ بإسلامِها الفَتحَ، ويقولونَ: أبصِروه وقَومَه؛ فإنْ ظهَرَ عليهم، فهو نَبيٌّ صادقٌ، فلمَّا جاءنا وَقعةُ الفَتحِ بادَرَ كلُّ قَومٍ بإسلامِهم، فانطلَقَ أبي بإسلامِ أهلِ حِوائِنا ذلك، فقَدِمَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأقامَ عندَه، فلمَّا أقبَلَ من عندِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، تَلقَّيْناه، فلمَّا رَآنا قال: جِئتُكم واللهِ من عندِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقًّا؛ وإنَّه يَأمُرُكم بكذا وكذا، وقال: صَلُّوا صَلاةَ كذا في حينِ كذا، وصَلاةَ كذا في حينِ كذا، في حينِ كذا، فإذا حضَرَتِ الصَّلاةُ فليُؤَذِّنْ لكم أحدُكم، وليَؤُمَّكم أكثَرُكم قُرآنًا، فنَظَروا في أهلِ حِوائِنا ذلك، فما وَجَدوا أحدًا أكثَرَ قُرآنًا منِّي؛ ممَّا كنتُ أتلَقَّى منَ الرُّكبانِ، فقَدَّمُوني بيْنَ أيْديهم وأنا ابنُ سَبعِ سِنينَ أو سِتِّ سِنينَ، فكانتْ علَيَّ بُرْدةٌ فيها صِغَرٌ، فإذا سَجَدتُ تَقلَّصَتْ عنِّي، فقالتْ امرأةٌ منَ الحَيِّ: ألَا تُغطُّون عنَّا استَ قارئِكم؛ فكَسَوْني قَميصًا من مَعقَدِ البَحرَينِ، فما فَرِحتُ بشيءٍ كفَرَحي بذلك القَميصِ.
الراوي : عمرو بن سلمة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن الدارقطني | الصفحة أو الرقم : 1705 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

 عَنْ أيُّوبَ، عن أبِي قِلابَةَ، عن عَمْرِو بنِ سَلِمَةَ، قالَ: قالَ لي أبو قِلابَةَ: ألَا تَلْقاهُ فَتَسْأَلَهُ؟ قالَ: فَلَقِيتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فقالَ: كُنَّا بماءٍ مَمَرَّ النَّاسِ، وكانَ يَمُرُّ بنا الرُّكْبانُ فَنَسْأَلُهُمْ: ما لِلنَّاسِ؟ ما لِلنَّاسِ؟ ما هذا الرَّجُلُ؟ فيَقولونَ: يَزْعُمُ أنَّ اللَّهَ أرْسَلَهُ، أوْحَى إلَيْهِ -أوْ أوْحَى اللَّهُ بكَذا- فَكُنْتُ أحْفَظُ ذلكَ الكَلامَ، وكَأنَّما يُغْرَى في صَدْرِي، وكانَتِ العَرَبُ تَلَوَّمُ بإسْلامِهِمُ الفَتْحَ، فيَقولونَ: اتْرُكُوهُ وقَوْمَهُ؛ فإنَّه إنْ ظَهَرَ عليهم فَهو نَبِيٌّ صادِقٌ، فَلَمَّا كانَتْ وقْعَةُ أهْلِ الفَتْحِ، بادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بإسْلامِهِمْ، وبَدَرَ أبِي قَوْمِي بإسْلامِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: جِئْتُكُمْ واللَّهِ مِن عِندِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقًّا، فقالَ: صَلُّوا صَلاةَ كَذا في حِينِ كَذا، وصَلُّوا صَلاةَ كَذا في حِينِ كَذا، فإذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أحَدُكُمْ، ولْيَؤُمَّكُمْ أكْثَرُكُمْ قُرْآنًا. فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ أكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي؛ لِما كُنْتُ أتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبانِ، فَقَدَّمُونِي بيْنَ أيْدِيهِمْ وأنا ابنُ سِتٍّ أوْ سَبْعِ سِنِينَ، وكانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إذا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقالتِ امْرَأَةٌ مِنَ الحَيِّ: ألَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قارِئِكُمْ؟ فاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لي قَمِيصًا، فَما فَرِحْتُ بشَيءٍ فَرَحِي بذلكَ القَمِيصِ.
الراوي : عمرو بن سلمة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 4302 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

في هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَمْرُو بنُ سَلِمةَ رَضيَ اللهُ عنهما عن قِصَّةِ إمامَتِه لقَومِه عندَما سَأَلَه التَّابِعيُّ أبو قِلابةَ عبدُ اللهِ بنُ زَيدٍ الجَرْميُّ عن ذلك، فأخْبَرَ عَمْرُو بنُ سَلِمةَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّهم كانوا ساكِنينَ بمَوضِعٍ في المَدينةِ فيه ماءٌ، يمُرُّ النَّاسُ عليه، وكانوا كلَّما مَرَّ بهم الرُّكْبانُ -وهمُ المُسافِرونَ- سَأَلوهم: ما للنَّاسِ؟ ما للنَّاسِ؟ وما هذا الرَّجلُ؟ أي: ما حالُ النَّاسِ، أو ما طَرَأ للنَّاسِ حتَّى ظهَرَ عليهمُ القَلقُ والفزَعُ؟ وسُؤالُهم هذا يدُلُّ على حُدوثِ أمرٍ غَريبٍ؛ ولذا كَرَّروا السُّؤالَ: «ما للنَّاسِ؟)  ويَسْأَلونَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكان المُسافِرونَ يَذكُرونَ أنَّه رَجلٌ يَدَّعي أنَّ اللهَ أرْسَلَه إلى النَّاسِ كافَّةً، وأوْحَى إليه بكذا وكذا، أي: أوْحَى إليه بآيةِ كذا، أو سُورةِ كذا، كِنايةً عنِ القُرآنِ، فكان عَمْرُو بنُ سَلِمةَ رَضيَ اللهُ عنه يَحفَظُ ما يَنقُلونَه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن القُرآنِ وغيرِه، وكان ما يَسمَعُه يُغْرَى، أي: يُلْصَقُ بالغراء، وفي نُسْخةٍ: «يُقَرُّ»، أي: يُثبَتُ في صَدرِه رَضيَ اللهُ عنه، ولأبي داودَ: «وكُنتُ غُلامًا حافِظًا، فحفِظْتُ مِن ذلك قُرآناً كَثيرًا»، وكانتِ العَرَبُ -ما عدا قريشًا قومَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في ذلك الوَقتِ تَتَلَوَّمُ بإسْلامِهمُ الفَتحَ، أي: يَنتَظِرونَ فَتْحَ مكَّةَ، أي: نَصْرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على قَومِه للدُّخولِ في الإسْلامِ، فيَقولونَ: اتْرُكوه؛ فإنْ أظْهَرَه اللهُ على قُريشٍ ونصَرَه عليهمْ، فهو نَبيٌّ صادِقٌ؛ إذْ لا يُتصَوَّرُ غلَبَتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليهم كذلك، إلَّا بمَحضِ المُعجِزةِ الخارِقةِ للعادةِ القاضيةِ بأنَّه لا يَظهَرُ عليهم؛ لضَعفِه وقوَّتِهم.
فلمَّا فتَحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مكَّةَ في العامِ الثَّامِنِ مِن الهِجْرةِ، سارَعَ كلُّ قومٍ بإعْلانِ إسْلامِهم، وأسرَعَ أبوه، وسبَقَ قَومَه بإسْلامِه، وقدِمَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا رجَعَ مِن عندِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لهم: «جِئتُكُم واللهِ مِن عندِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقًّا»، أيِ: الَّذي نُبِّئَ حقًّا، فهو لا يَكذِبُ في هذا، وأخْبَرَ قَومَه بما أخْبَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الصَّلَواتِ المَكْتوبةِ عليهم ومَواقيتِها، وأنْ يُؤَذِّنَ أحَدُهم عندَ حُضورِ وقتِ الصَّلاةِ، وأنْ يَؤُمَّهم أكثَرُهم حِفظًا للقُرآنِ، فلمْ يَجِدوا أحفَظَ مِن عَمْرِو بنِ سَلِمةَ رَضيَ اللهُ عنهما؛ لِمَا كان يَحفَظُه وقْتَ أنْ كان يُقابِلُ الرُّكْبانَ المُسافِرينَ والمارِّينَ عليهم، فأَمَّهم وهو ابنُ سِتِّ سِنينَ، أو سَبعِ سِنينَ، وكان يَلبَسُ بُرْدةً -أي كِساءً أسْوَدَ مُرَبَّعًا- وهو يُصَلِّي، فكلَّما سجَدَ انحسَرَتْ ورُفِعَتْ إلى أعالي البَدَنِ، فتَنكشِفُ عَوْرتُه، فقالتِ امْرأةٌ مِن قَومِه: ألَا تُغَطُّونَ عنَّا اسْتَ قارِئِكم؟! أي: عَوْرتَه، فاشتَرَوْا له قَميصًا، وهو ثَوبٌ مَخِيطٌ بكُمَّيْنِ غَيرُ مُفرَّجٍ يُلْبَسُ تحْتَ الثِّيابِ، يَقولُ عَمْرُو بنُ سَلِمةَ رَضيَ اللهُ عنه: فما فرِحْتُ بشَيءٍ فَرَحي بذلك القَميصِ؛ إمَّا لأجْلِ حُصولِ التَّستُّرِ، وعدَمِ تَكلُّفِ الضَّبطِ، وخَوفِ الكَشفِ، وإمَّا فرِحَ به كما هو عادةُ الصِّغارِ بالثَّوبِ الجَديدِ.
وفي الحَديثِ: فَضلُ عَمْرِو بنِ سَلِمةَ رَضيَ اللهُ عنهما.
وفيه: مَشْروعيَّةُ إمامةِ الصَّبيِّ المُميِّزِ في الفَريضةِ.
وفيه: سَترُ العَوْرةِ عندَ الصَّلاةِ.