الموسوعة الحديثية


- وذكَرَه. [يقصد حديث : أنَّ أبا طَلْحةَ مات له ابنٌ، فقالت أُمُّ سُلَيمٍ: لا تُخبِروا أبا طَلْحةَ حتى أَكونَ أنا الذي أُخبِرُه. فسَجَّتْ عليه، فلمَّا جاء أبو طَلْحةَ وضَعَتْ بيْن يَدَيهِ طعامًا، فأكَلَ، ثمَّ تَطَيَّبَتْ له، فأَصابَ منها، فعَلِقَتْ بغُلامٍ، فقالت: يا أبا طَلْحةَ، إنَّ آلَ فُلانٍ استَعارُوا مِن آلِ فُلانٍ عاريَّةً، فبَعَثوا إليهم: ابعَثُوا إلينا بعاريَّتِنا، فأبَوْا أنْ يَرُدُّوها، فقال أبو طَلْحةَ: ليس لهم ذلك؛ إنَّ العاريَّةَ مُؤَدَّاةٌ إلى أهْلِها...]
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 14066 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (5470)، ومسلم (2144)، وأبو داود (4951)، وأحمد (14066) واللفظ له

اشتَكى ابنٌ لأبي طَلحَةَ وراحَ إلى المسجِدِ وتوفِّيَ الغُلامُ فهيَّأتْ أمُّ سُلَيمٍ أمرَ بيتِها ونشَرَت عشاءَها وقالَت لأهلِها لا يذكُرَنَّ أحدٌ منكُم لأبي طَلحَةَ وفاةَ ابنِهِ فرجَع أبو طلحَةَ ومعهُ أناسٌ من أصحابِهِ من أهلِ المسجِدِ فقالَ ما فعلَ الغُلامُ فقالَت أمُّ سُلَيمٍ خيرَ ما كانَ فقدَّمَت عشاءَه فتعشَّى وأصحابُهُ فلمَّا خرَجوا عنهُ قامَت إلى ما تَقومُ إليهِ المرأةُ فلمَّا كانَ مِن آخِرِ اللَّيلِ قالَت ألم ترَ يا أبا طَلحَةَ إلى آلِ فلانٍ استَعاروا عاريَةً فتَمتَّعوا بها فلمَّا طُلِبَت إليهِم شقَّ عليهِم قال ما أنصَفوا قالَت إن فلانًا لابنها كانَ عاريةً من اللهِ تعالى فقبضَه فاستَرجَعَ ثُمَّ غدا علَى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ باركَ الله لكُما في ليلتِكما فحمَلَت بعبدِ اللهِ فلَمَّا ولدَت ولدَت ليلًا فكرِهَت أن تحنِّكَهُ حتَّى يُحنِّكَهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال فغدوتُ بهِ وتمراتِ عجوَةٍ فأتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو يَهنَأُ أباعِرَ له ويَسِمُها فقلتُ يا رسولَ اللهِ ولدَت أمُّ سُلَيم الليلةَ فكرهتُ أن تُحنِّكَهُ حتَّى تحنِّكَهُ أنتَ قالَ معكَ شيءٌ قلتُ تمراتُ عجوَةٍ فأخذَ بعضَ ذلكَ التَّمرَ فمصَّهُ فجمَعَ بزاقَهُ فأوجَرَهُ إيَّاهُ فتلَمَّظَ الصَّبيُّ فقالَ حِبُّ الأنصارِ التَّمرُ قلتُ سّمِّهِ يا رسولَ اللهِ قال هوَ عبدُ اللهِ
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : ابن عساكر | المصدر : معجم الشيوخ
الصفحة أو الرقم: 1/138 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

التخريج : أخرجه أبو يعلى (3882)، وابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (1/137) واللفظ له


الحُزنُ على المُصابِ غَريزةٌ طبيعيَّةٌ، يَسْتطيعُ أن يتغلَّبَ عليها المُؤْمِنُ بالتحلِّي بِشَيْءٍ مِنَ الصَّبرِ، والرِّضا بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِهِ، والتَّسليمِ لأَمْرِهِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "اشْتَكَى"، أي: مَرِضَ "ابْنٌ لأبي طَلْحَةَ" وهو زَوْجُ أُمِّ أنسِ بنِ مالكٍ، وقد جاءَ في صَحيحِ ابْنِ حِبَّانَ أنَّ هذا الابنَ هو أبو عُمَيرٍ الَّذي كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُداعِبُهُ بقوْلِهِ: يا أبا عُمَيرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ "وراحَ إلى المسْجِدِ"، أي: ذَهَبَ أبو طَلْحَةَ إلى المسْجِدِ، "وَتُوفِّيَ الغُلامُ، فهَيَّأَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ أَمْرَ بيتِها ونَشَرَتْ عَشاءَها"، أي: أَحْضَرَتْ طعامًا شهيًّا، "وقالتْ لأَهْلِها: لا يَذْكُرَنَّ أحَدٌ منكم لأبي طَلْحَةَ وَفاةَ ابْنِهِ، فرَجَعَ أبو طَلْحَةَ، ومعه أُناسٌ من أصْحابِهِ من أهْلِ المسْجِدِ، فقال: ما فَعَلَ الغُلامُ؟ فقالتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: خيرُ ما كان" فظَنَّ أبو طَلْحَةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ الصَّبيَّ قد تَحَسَّنَتْ صِحَّتُهُ، وسَكَنَتْ آلامُهُ، وأخْلَدَ إلى النَّوْمِ، فباتَ مع امرأتِهِ "فقَدَّمَتْ عَشاءَهُ، فتَعَشَّى وأَصْحابُهُ، فلما خَرَجوا عنه، قامتْ إلى ما تَقومُ إليه المرأةُ" وهذا كنايةٌ عن قِيامِها إلى التزيُّنِ والاستعدادِ للجِماعِ والمُعاشَرَةِ، "فلمَّا كان من آخِرِ اللَّيْلِ" بعدَما أتاها زَوجُها وعاشرَها مُعاشرَةَ الأزواجِ وهو لا يَعلمُ بموتِ وَلدِه، "قالتْ: ألمْ تَرَ يا أبا طَلْحَةَ إلى آلِ فُلانٍ اسْتَعاروا عارِيَّةً"، أي: أَخَذوا شيئًا على سَبيلِ السَّلَفِ من غَيْرِهِم "فتَمَتَّعوا بها، فلما طُلِبَتْ إليهم، شَقَّ عليهم،"، أي: صَعُبَ عليهم رَدُّ السَّلَفِ المُسْتَعارِ "قال: ما أَنْصَفوا"، أي: لم يَعْدِلوا، "قالتْ: إنَّ فُلانًا لابْنِها كان عارِيَّةً منَ اللهِ تعالى فقَبَضَهُ"، أي: ماتَ وتوَفَّاهُ اللهُ، وهذا مِن حُسْنِ عَزاءِ المرأةِ لزَوْجِها ومن حِكمةِ هذه الصَّحابيةِ الفَقيهةِ كذلك، "فاسْتَرْجَعَ"، أي: قال: إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجِعونَ! "ثم غَدَا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، أي: ذَهَبَ مُبَكِّرًا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخْبَرَهُ القِصَّةَ كُلَّها "فقال: بارَكَ اللهُ لكما في ليلَتِكُما"، أي: أرْجو اللهَ أنْ يُبارِكَ لكما في ليلتِكما ويُعوِّضَكما عن فقيدِكما بالخَلَفِ الصَّالِحِ، فاسْتَجابَ اللهُ دَعْوةَ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فحَمَلَتْ بعَبْدِ اللهِ، فلما وَلَدَتْ وَلَدَتْ ليْلًا، فكَرِهَتْ أنْ تُحَنِّكَهُ حتى يُحَنِّكَهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم" والتَّحْنيكُ: أنْ يَمْضُعَ المرءُ التَّمْرَ أو شيئًا حُلْوًا، ثُمَّ يَدلُكَ به حَنَكَ المولودِ، وتُحَكَّ فيه حتَّى تتحلَّلَ في فمِهِ، وكانوا يَفعلون ذلك تبرُّكًا بريقِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فغَدَوْتُ به"، أي: ذَهَبَ أنسٌ بأخيهِ المولودِ صباحًا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِيُحَنِّكَهُ، "وتَمراتُ عَجْوَةٍ، فأَتَيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو يَهْنَأُ أَباعِرَ له"، أي: يُفلِّي ويُنَظِّفُ جَمالًا له من القَمْلِ والحَشَراتِ، "وَيَسِمُها"، أي: يَجْعَلُ لها عَلامَةً بالكَيِّ في أفْخاذِها أو مُؤخِّراتِها؛ لتُحْدِثَ فيها وَسْمًا، أي: عَلامَةً خاصَّةً تُميِّزُها عن غيْرِها، "فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ اللَّيْلَةَ، فكَرِهَتْ أنْ تحنِّكَهُ حتى تُحنِّكَهُ أنْتَ، قال: معك شَيْءٌ؟ قلت: تَمراتُ عَجْوَةٍ، فأَخَذَ بعْضَ ذلك التَّمْرِ، فمَصَّه فجَمَع بُزاقَه فأوْجَره إيَّاه"، أي: وَضعَه في فَمِ الطِّفلِ، "فتَلَمَّظَ الصَّبيُّ"، أي: سالَ لُعابُهُ تَشهِّيًا مع التَّمْرِ "فقال: حُبُّ الأنْصارِ التَّمْرَ"، أي: عادةُ الأنصارِ في حُبِّ التَّمْرِ منذُ صِغرهِم، وقيلَ المعنى: انْظُروا إلى حُبِّ الأنصارِ التَّمْرَ، "قُلتُ: سَمِّهِ يا رسولَ اللهِ قال: هو عَبْدُ اللهِ"، وهذا مِن أَحَبِّ الأسْماءِ إلى اللهِ، وقد نَشأَ عبدُ اللهِ، وقرَأَ العِلمَ، وجاءَه عَشرةُ أولادٍ كُلُّهم قَرؤُوا -أي: حفِظوا- القرآنَ، وروَى أكثرُهم العِلمَ، منهم: إسحاقُ بنُ عبدِ اللهِ بن أبي طلحةَ -شيخ الإمامِ مالكٍ.
وفي الحديثِ: فَضْلُ أُمِّ سُلَيْمٍ رضِيَ اللهُ عنها، واتِّصافُها بالصَّبرِ على البَلاءِ، والرِّضا بالقَضاءِ، والتَّسليمِ لأَمْرِ اللهِ في الضَّرَّاءِ، مع الحِكمةِ في الإخبارِ بالمُصيبةِ.
وفيه: فَضْلُ الصَّبْرِ، وعاقبتُهُ الحميدةُ، والتَّعويضُ العاجِلُ لكُلِّ مَن صَبَرَ عندَ الصَّدْمةِ الأُولى.
وفيه: أنَّ المرأةَ تتزيَّنُ لزَوْجِها تعرُّضًا للجِماعِ.
وفيه: ذِكْرُ المَعاريضِ المُوهِمَةِ إذا دعَتِ الضَّرورةُ إليها، بشَرْطِ ألَّا تُبطِلَ حَقًّا لمُسْلِمٍ.
وفيه: اعتناءُ الإمامِ بأَمْوالِ الصَّدَقةِ، وتَولِّيها بنَفْسِه .