الموسوعة الحديثية


- أنَّ رجلًا أفطَر في رمضانَ فأمَره النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يُكفِّرَ بعتقِ رقبةٍ أو صيامِ شهرينِ أو إطعامِ ستَّينَ مسكينًا قال: لا أجِدُ فأُتي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَرَقِ تمرٍ فقال: ( خُذْ هذا فتصدَّقْ به ) فقال: يا رسولَ اللهِ ما أجِدُ أحدًا أحوجَ منِّي فضحِك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى بدَتْ أنيابُه ثمَّ قال: ( كُلْه )
الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 3523 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه | التخريج : أخرجه البخاري (1936) بلفظ: "وقعت على امرأتي وأنا صائم"، ومسلم (1111) بلفظ: "وقعت على امرأتي في رمضان"

أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال للواقعِ على أهلِه : هل تجِدُ رقبةً تُعتِقُها ؟ قال : لا ، قال : فهل تستطيعُ أن تصومَ شهرَيْن متتابعَيْن ؟ قال : لا ، قال : فهل تجِدُ إطعامَ ستِّين مسكينًا ؟ قال : لا . وذكر سائرَ الحديثِ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : موفق الدين ابن قدامة | المصدر : المغني لابن قدامة
الصفحة أو الرقم: 4/381 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

لَمَّا أتَى الإسلامُ نظَّمَ الحياةَ الزَّوجيَّةَ، وبيَّنَ ما يَحِلُّ وما يحرُمُ فيها، وشرَع الطَّلاقَ، وجعَل الكفَّارةَ لمن جامَعَ امرأتَه في نهارِ رمضانَ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيْرةَ رضِيَ اللهُ عنه: "بينما نحنُ جُلوسٌ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ إذ جاءه رَجُلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ هلكْتُ، قال: ما لَكَ؟ قال: وقعْتُ على امْرَأَتي وأنا صائِمٌ"، أي: وطِئْتُها وجامعْتُها في نهارِ رمضانَ "فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هل تجِدُ رَقَبةً تُعتِقُها؟"، أي: هل تَملِكُ مملوكًا تُعتِقُهُ كفارةً عن فِعْلِك؟ "قال: لا، قال: فهل تَستطيعُ أنْ تَصومَ شهرَيْنِ مُتَتابعَيْنِ؟" كفارةً عن الجِماعِ في نَهارِ رَمضانَ "قال: لا، قال: فهل تجِدُ إطْعامَ سِتينَ مِسْكينًا؟" فيُطعِمَ عن كُلِّ يوْمٍ مِسْكينًا من أَوْسَطِ طعامِهِ "قال: لا"، أي: لا يَملِكُ مالًا لإطْعامِ سِتينَ مِسْكينًا؛ لأنَّه كان فقيرًا "قال: فمَكَثَ"، أي: انْتَظَرَ "النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبينا نحنُ على ذلك أُتِيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَرَقٍ فيه تمرٌ والعَرَقُ المِكْتَلُ" والعَرَقُ المِكْتَلُ الضَّخْمُ يَسَعُ خَمْسةَ عَشَرَ صاعًا، وهو ما يُعادِلُ وزْنَ 35 كيلوجرامًا تقريبًا "قال: أين السائِلُ؟ فقال: أنا، قال: خُذْ هذا فتصَدَّقْ به"، أي: تصَدَّقْ به كفارةً عن فِعْلِكَ "فقال الرَّجُلُ: أعَلَى أَفْقَرَ مني يا رسولَ اللهِ؟ فواللهِ ما بين لابَتَيْها يُريدُ الحَرَّتَيْنِ" الشَّرقيةَ والغَربيَّةَ، ويَحُدُّ المدينةَ شَمالًا جَبلُ ثَوْرٍ خَلفَ أُحُدٍ، وجَنوبًا جَبلُ عَيرٍ، وهما جَبلانِ يُحيطانِ بالمدينَةِ، والحَرَّةُ الأَرضُ المُلبَسةُ حِجارةً سَوداءَ، "أهْلُ بيْتٍ أفْقَرُ من أهْلِ بيتي، فضَحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى بَدَتْ أنيابُهُ"، أي: ضَحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَعجُّبًا مِن حالِهِ " ثم قال: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ" وكأنَّه تصَدَّقَ على أهْلِهِ الفُقراءِ، وكفَّر عن فِعْلِهِ بذلك، وهذا من سَماحَةِ الإسْلامِ، وتَيْسيرِهِ على الناسِ.
وقد دلَّ هذا الحديثُ على استِقرارِ الكَفَّارةِ في الذِّمَّةِ وأنَّ مَن عَجَزَ عن الكَفَّارةِ بخِصالِها الثَّلاثِ لم تَسقُطْ عنه وتبقَى دَينًا في ذِمَّتِه إلى أنْ تَتيسَّرَ له الكَفَّارةُ فيُكفِّرَ؛ لأنَّه أخبرَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّه عاجزٌ عن الخِصالِ الثَّلاثِ، ثُمَّ أتَى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ببعضِ التَّمرِ فأمَرَه بإخراجِه في الكَفَّارةِ؛ فلو كانتْ تسقُطُ بالعَجزِ لم يكُن عليه شَيءٌ ولم يأمُرْه بإخراجِه. وقيل: بل يَدُلُّ الحديثُ على أنَّ مَن عَجَزَ عن الكَفَّارةِ، فإنَّها تَسقُطُ عنه؛ لأنَّ الرَّجُلَ لَمَّا قال: "لا أستطيعُ أنْ أُطعِمَ سِتِّينَ مِسكينًا" لم يقُلِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَطْعِمْهم متَى استطعتَ، بل أمَرَه أنْ يُطعِمَ حِينَ وَجَدَ، فقال: "خُذْ هذا تصدَّقْ به، فقال: أعلى أفْقرَ منِّي يا رسولَ اللهِ؟... فقال: أطْعِمْه أهلَك"، ولم يقُلْ: والكفَّارةُ واجبةٌ في ذِمَّتِك؛ فدلَّ هذا على أنَّها تسقُط بالعَجزِ.
وفي الحديثِ: أنَّ الجماع في نهار رمضانَ عمدًا معصيةٌ عظيمةٌ، وانتهاكٌ لحُرمةِ الشَّهرِ الكريمِ، تستوجِبُ الكفَّارةَ .