- قال أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم إنَّا إذا كنَّا عند النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم رأَيْنا في أنفسِنا ما نُحِبُّ فإذا رجَعنا إلى أهلِنا وخالَطْناهم أنكَرْنا أنفسَنا فذكَروا ذلك للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم فقال لو تدومونَ على ما تكونون عندي في الخلاءِ لصافَحَتْكُم الملائكةُ بأجنحتِها ولكن ساعةً وساعةً
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد
الصفحة أو الرقم: 10/311 | خلاصة حكم المحدث : رجاله رجال الصحيح غير زهير بن محمد الرازي وهو ثقة
التخريج : أخرجه البزار (7253)، وأبو يعلى (3035)، وابن حبان (344)
وفي هذا الحديثِ يَقولُ حَنظلَةُ رضِي اللهُ عنه: لَقِيَني أبو بكرٍ، أي: في بَعضِ الطُّرُقاتِ، فقال: كيف أَنتَ يا حَنظلَةُ؟ وذلك أنَّهم كانَ يَطمَئِنُّ بَعضُهم على بعضٍ ويَتَحسَّسُ بَعضُهم أَخبارَ بَعضٍ في دينِه ودُنياهُ، قال: قُلتُ: نَافَقَ حَنظلةُ، أي: خَشِيَ على نَفسِه النِّفاقَ؛ لأنَّه يَكونُ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيُذَكِّرُهم بالنَّارِ والجنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأيَ عَينٍ، أي: نَكونُ وكَأنَّنا نَراهُما رأيَ عَينٍ مِن قوَّةِ الإيمانِ، واستِحضارِ القَلبِ، وتَأثَّرنا بذَلكَ تَأثُّرَ مَن يَراهُما بعَينِه، فإذا خَرجْنا مِن عِندِه، تَبدَّل حالُنا وعافَسْنا الأَزواجَ والأَولادَ، أي: لاعَبْناهُم وصَارعْناهُم وانْشغَلْنا بِهم، وبالضَّيعاتِ، وهِي مَعاشُ الرَّجلِ مِن مالٍ أو حِرفَةٍ أو صناعةٍ، ونَسينا كثيرًا، أي: كَثيرًا مِمَّا ذَكَّرَنا بِه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصِرنا وكَأنَّنا لم نَسمَعْ شَيئًا.
وإنَّما اتَّهمَ نَفسَه بالنِّفاقِ بِسببِ ذلكَ؛ لأنَّ النِّفاقَ إنَّما يَكونُ بإِظهارِ شَيءٍ وكَتْمِ غَيرِه، وهُو يُظهِرُ شَيئًا في حَضرةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإذا كان مَع أَولادِه وزَوجَتِه يَكونُ خِلافَ ذلكَ.
قال أَبو بكرٍ: واللهِ إنَّا لَنلْقَى مِثلَ هَذا، أي: أَفعَلُ مِثلَ ما تَقولُ، فذَهبَ مَعه حتَّى دَخلَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وشَكى إليه ما يَجِدُه مِمَّا شَكاه لأَبي بَكرٍ مِن قَبْلُ، فأَخبَرَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ هَذا لَيسَ مِنَ النِّفاقِ، وأنَّ اللهَ لم يُكلِّفْهمُ المُداومةَ عَلى تِلكَ الحالِ مِنَ الخَوفِ والخَشيَةِ ودَوامِ الذِّكرِ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهم أنَّهم لَو داموا عَلى ما يَكونون بِه عِندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن صَفاءِ القَلبِ والخَشيَةِ والذِّكرِ لصافَحتْهمُ الملائِكةُ عَلى فُرُشِهم وفي طُرُقاتِهم عِيانًا.
ثُمَّ نادَاه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باسمِه إِيناسًا لَه وتَبيُّنًا له أنَّه ثابتٌ على الصِّراطِ المُستَقيمِ، فَقال: ولَكِنْ يا حَنظَلَةُ ساعةً وساعةً، أي: ساعةً في الحُضورِ والذِّكْرِ، وساعةً في مُعافَسةِ الأَولادِ والأَزْواجِ، وكَرَّرَها ثَلاثَ مَرَّاتٍ؛ تَأكيدًا لِتلكَ المعاني ولِيُزيلَ عَنهم ما اتَّهَموا بِه أَنفُسَهم مِنَ النِّفاقِ.
وفي الحديثِ: عَدْلُ الشَّريعةِ الإِسلاميَّةِ في إِعطاءِ كُلِّ ذي حقٍّ حقَّه مِنَ النَّفسِ والأَولادِ والزَّوجاتِ بَعدَ حَقِّ اللهِ تَعالى.
وفيه: التَّعبُّدُ إلى اللهِ بِراحةِ النَّفسِ؛ لأنَّ العَبدَ إذا أَثقَلَ على نَفسِه مَلَّ وتَعِبَ ورُبَّما أضاعَ حُقوقًا كثيرةً.