- إنَّ فتًى شابًّا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : يا رسولَ اللهِ ائذنْ لي بالزِّنا فأقبل القومُ عليه فزجَروه وقالوا : مَهْ مَهْ فقال : ادنُهْ فدنا منه قريبًا قال : فجلس قال : أَتُحبُّه لِأُمِّكَ ؟ قال : لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَك قال : ولا الناسُ يُحبونَه لأُمهاتِهم قال : أفتُحبُّه لابنتِك قال : لا واللهِ يا رسولَ اللهِ جعلني اللهُ فداءَك قال : ولا الناسُ يُحبونَه لبناتِهم قال : أفتُحبُّه لأُختِك قال : لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَك قال : ولا الناسُ يُحبونَه لأَخَواتِهم قال : أَفتُحبُّه لعمَّتِك قال : لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَكَ قال : ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لعمَّاتِهم قال : أفتُحبُّه لخالتِك قال : لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَكَ قال : ولا النَّاسُ يحبونَه لخالاتِهم قال : فوضع يدَه عليه وقال : اللهمَّ اغفرْ ذنبَه وطهِّرْ قلبَه وحصِّنْ فرْجَهُ فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفتُ إلى شيءٍ
الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة
الصفحة أو الرقم: 1/712 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو أُمامةَ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ فتًى شابًّا"، أي: حديثَ السِّنِّ، "أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، ائذَنْ لي بالزِّنَا"، أي: يطلُبُ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُحِلَّ له الزِّنا، "فأقبَلَ القومُ عليه فزَجَروه"، أي: قام إليه النَّاسُ لِيَنْهَوه عن طَلبِه وسؤالِه مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "وقالوا: مَهْ، مَهْ"، أي: اسكُتْ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ادْنُهْ"، أي: اقْترِبْ، "فدَنا منه قريبًا، قال: فجلَسَ"، أي: جلَسَ الشَّابُّ قُرْبَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أتُحِبُّه لِأُمِّك؟" أي: أتَرْضى أنْ يَزْنِيَ أحدٌ بأُمِّك؟ فقال الشَّابُّ: "لا واللهِ، جَعَلني اللهُ فِداءَك"، أي: جعَلَني اللهُ خلاصًا ووِقايةً لك مِن كلِّ مكروهٍ وشرٍّ، "قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونه لِأُمَّهاتِهم"، وقد بدَأَ بالأمِّ حيث هي مِن مَحلِّ الحُرمةِ مع المَحبَّةِ بالمكانِ الأسمى عندَ ابْنِها، "قال: أفتُحِبُّه لابنتِك؟" والبنتُ هي مَحلُّ الشَّرفِ والكرامةِ لأبيها مع مَحلِّها مِن قلْبِه، ويَلحَقُ به ما لا يَلحَقُه بغيرِها مِن الشَّينِ إذا فعَلَتِ الفاحشةَ، "قُلْ قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، جَعَلني اللهُ فِداءَك، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونه لِبناتِهم، قال: أفتُحِبُّه لأختِك؟" والأختُ في مرتبةٍ أقلَّ مِن الأمِّ والبنتِ، وهكذا تدرَّجَ معه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بيانِ الحُرماتِ مِن الأعلى إلى الأدْنى؛ لِيُبيِّنَ له أنَّ الفاحشةَ مُحرَّمةٌ ومكروهةٌ في القريبِ والبعيدِ، "قُلْ قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، جَعَلني اللهُ فِداءَك، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونه لأخواتِهم، قال: أفتُحِبُّه لعمَّتِك؟ قُلْ قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، جَعَلني اللهُ فِداءَك، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونه لعمَّاتِهم، قال: أفتُحِبُّه لخالتِك؟ قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، جَعَلني اللهُ فِداءَك، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونه لخالاتِهم"، والمعنى: أنَّه إذا كان الإنسانُ لا يَرْضى بفِعلِ الفاحشةِ في أهلِه مِن أحدٍ فمِن بابِ أَولى ألَّا يَطلُبَ الفاحشةَ في غيرِهم حتَّى لا يَطلُبَه النَّاسُ في أهْلِه، وفي هذا الأسلوبِ بَيانٌ لحِكمةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في دعوةِ النَّاسِ فُرادى، وكيف أقنَعَ الشَّابَّ بحُرمةِ الزِّنا مع فَرَطِ الشَّهوةِ وقوَّةِ الشَّبابِ، وقد أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِيُرخِّصَ له فيه.
قال أبو أُمامةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فوضَعَ"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "يدَهُ عليه"، أي: على الفتى بعدَما بيَّن له الأمرَ، واستجابةِ الفتى لنُصْحِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "وقال: اللَّهُمَّ اغفِرْ ذَنْبَه"، أي: بمَحْوِه، "وطهِّرْ قَلْبَه"، أي: مِن حُبِّ الفواحشِ والمعاصي إلى حبِّ الطَّاعاتِ والعِباداتِ، "وحصِّنْ فَرْجَه"، أي: احْفَظْه مِن الحرامِ.
قال أبو أُمامةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فلم يكُنْ بعدَ ذلك الفتَى يَلْتفِتُ إلى شيءٍ"، أي: ببركةِ دُعاءِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحِفْظِ اللهِ له.
وفي الحديثِ: بيانٌ لِمَا كان عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن مكارمِ الأخلاقِ وحُسنِ السِّياسةِ.
وفيه: مَنقبةٌ عظيمةٌ لهذا الشَّابِّ؛ حيث دَعا له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذه الدَّعواتِ المُباركاتِ الَّتي هي مِن جوامعِ الكلِمِ، ودعاؤُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُستجابٌ( ).