المبحث السادس: إثبات عمل القلب التشكيل
لما كان إيمان القلب من الأهمية بالدرجة التى عرضنا طرفا منها ، كان لا بد أن يكون حظ الحديث عنه من الذكر الحكيم الذى أنزله الله لإصلاح حياة العالمين وتزكيتها هو الحظ الأوفر ، وهكذا جاء في القرآن آيات كثيرة تبين أعمال القلب وأهميتها في الإيمان أصلا أو وجوبا ، ولو ذهبنا في جمعها واستقصائها لطال المقام جدا .
وحسبنا أن نورد ما يتجلى به صحة مذهب أهل السنة والجماعة وشذوذ المرجئة المنكرين لدخول أعمال القلب في الإيمان عدا التصديق القلبي ، ويتضح أن مصدر القوم في التلقي لم يكن الكتاب والسنة، وإلا فكيف يضربون صفحا عن هذه الآيات المحكمات ، ويعتمدون أكثر ما يعتمدون على آية واحدة ليست في مورد الإيمان الشرعي، بل حكاها الله تعالى عن قوم قالوها في التصديق الخبرى المجرد، وهو قوله تعالى على لسان اخوة يوسف: وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا [ يوسف:17] !!
وهذه بعض أعمال القلب مقرونة بما تدل عليها من الآيات ، منها ما هو في حق المؤمنين ، ومنها ما هو في حق الكفار دالا على أمور سوى التكذيب الذي لم يقر المرجئة بغيره ، ونظرا لكثرتها اكتفيت بما ورد فيها العمل مسندا إلى القلب - أو الصدر - بالمنطوق الصريح .
1- الوجل : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ[الأنفال :2]
2- الإخبات: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ [ الحـج:54]
3- السلامة من الشرك دقيقة وجليله يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء :88 -89]
4- الإنابة : مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ [ ق:33].
5- الطمأنينة : وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [ البقرة: 260] أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [ الرعد : 28 ]
واشترطها في المكره إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [ النحل:106] " فكيف بغيره .
6- التقوى : ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحـج:32] " الحج :32" .. إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [الحجرات:3]"
7- الانشراح : فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَم [الأنعام :125] أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ [الزمر:22].
8- السكينة : هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ [ الفتح :4]
9- اللين : ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر :23] وقد اسنده للقلب والجوارح هنا .
10- الخشوع: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الحديد :16[]
11- الطهارة : ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [ الأحزاب :53] وهى في أية الحجاب ، فدلت على التلازم بين عمل القلب وعمل الجوارح .
12- الهداية وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [ التغابن :11] وهى مما يدل على تلازم أعمال القلب .
13- العقل : أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [ الحـج:46]
14- التدبر: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[محمد:24]
15- الفقه : لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا [ الأعراف :179]
16- الإيمان : مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ [ المائدة :41].
وفى الإيمان الخاص :قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [ الحجرات :14] ولهذا كان فيهم الصنف الذى سماه الله :وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [ التوبة :60 ].
17- السلامة من الغل للمؤمنين وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10]
18- الرضا والتسليم فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء : 65].
ويلاحظ أن الإسناد فيها للنفس لا للقلب أو الصدر ، لحكمة دقيقة هى أن النفس مكمن الهوى والاعتراض .
ومما ورد مسندا إلى القلب غير المؤمن :
1- الإنكار : فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ [النحل : 22 ].
2- الكبر : إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ [غافر : 56 ] كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [ غافر : 35 ].
3- الإعراض واللهو : مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ [ الأنبياء :2-3]
4- الاشمئزاز وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [ الزمر :45].
5- الزيغ : فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [ الصف :5]. فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [ ال عمران :7]
6- العمى : فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [ الحج : 46]
7- القفل ، وعدم الفقه ، وعدم العقل : وقد تقدم ما يدل عليها .
8- المرض : فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً [ البقرة :10]
9- القسوة : ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ [ البقرة :74 ]
10- الغمرة : بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا [ المؤمنون : 63 ]
11- الران : كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ [ المطففين :14]
12- العداوة للحق وأهله : قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران : 118].
والآيات في ذلك وعلاقته بأعمال الجوارح كثيرة أيضا . وأكثر مما ذكرنا الآيات الواردة في أعمال القلوب ، ولكن لم يذكر فيها لفظه ، كآيات الخوف والرجاء والتوكل والاستعانة والرضا وغيرها .ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي لسفر الحوالي - 2/547