الموسوعة الفقهية

المطلَبُ الثَّالِثُ: صلاةُ العُراةِ


الفَرْعُ الأوَّلُ: صَلاةُ العُرْيانِ
المسألة الأولى: العُريانُ إذا لم يجِدْ سُترةً
العُريانُ إذا لم يجِدْ سُترةً، صلَّى عُريانًا، ولا إعادةَ عليه، وذلك في الجُملةِ.
الدَّليل من الإجماع:
نقَل الإجماع على ذلك: النوويُّ قال النوويُّ: (إذا عَدِم السُّترةَ الواجبة فصلَّى عاريًا، أو ستَر بعض العورة وعجز عن الباقي، وصلَّى، فلا إعادةَ عليه، سواء كان من قوم يعتادون العُري، أم غيرهم، وحَكى الخُراسانيُّون فيمن لا يَعتادون العري وجهًا أنَّه يجب الإعادة... وهو ضعيفٌ ليس بشيء، وقد قال الشيخ أبو حامد في التعليق: لا أعلم خلافًا بين المسلِمين أنَّه لا يجب الإعادةُ على مَن صلَّى عاريًا للعجز عن السُّترة) ((المجموع)) (3/183). ، وابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (وكذلك العُريان: كالذي تنكسِر به السَّفينة، أو يأخذ القطَّاع ثيابَه؛ فإنَّه يُصلِّي عريانًا، ولا إعادةَ عليه باتِّفاق العلماء) ((مجموع الفتاوى)) (21/224). وقال أيضًا: (وقد اتَّفق المسلمون...على أنَّ العريان إذا لم يجِد سُترةً، صلَّى، ولا إعادةَ عليه) ((مجموع الفتاوى)) (21/441). ووقَع خُلافٌ في الإعادة في الوقت؛ قال الحطَّاب: (وكذلك من صلَّى عريانًا لكونِه لم يجِد ثوبًا يستتر به، ثم وجد ما يستترُ به، فإنَّه إن كان قريبًا منه أخذه واستتر به، وكَّمل صلاته، وإن لم يكن قريبًا، فإنَّه يُكمل صلاته، ثم يعيدها في الوقت) ((مواهب الجليل)) (2/194). وقال الخَرَشيُّ: (لا عاجز صلَّى عريانًا (ش)... والمعنى: أنَّ العاجزَ عن السِّتر بكلِّ شيءٍ إذا صلَّى عريانًا، ثم وجَد ما يستترُ به في الوقت، فلا إعادةَ عليه، ولم يحكِ ابنُ رشد خلافَه، وجعَل المازريُّ المذهبَ الإعادة في الوقت؛ قال بعضهم: وهو الجاري على تقديمِ النَّجس والحَرير على التعرِّي؛ لأنَّه إذا لزمتِ الإعادةُ مَن صلَّى فيهما مع تقديمهما على التعرِّي، فلْتَلزم مع التعرِّي الأضعف منهما أحْرى، وأمَّا على تقديم التعرِّي عليهما، فلا إشكال...) ((شرح مختصر خليل)) (1/25).
المسألة الثانية: قِيامِ العُريانِ إذا صلَّى وحْدَه
العُريانُ إذا صلَّى وحْدَه يُصلِّي قائمًا، وهو مذهبُ المالكيَّة [1655] ويُعيد في الوقت استحبابًا. يُنظر: ((الكافي)) لابن عبد البر (1/239)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/221). ، والشافعيَّة [1656] ((المجموع)) للنووي (3/182)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/175). ، وروايةٌ عن أحمد [1657] قال المرداويُّ: (وعنه - أي: الإمام أحمد - أنَّه يُصلي - أي: العاجز عن سَتْر عورته - قائمًا ويسجُد بالأرض - يعني: يلزمه ذلك) ((الإنصاف)) (1/327). ، وبه قال بعضُ السَّلف [1658] قال النوويُّ: (إذا لم يجِد سترةً يجب لُبسُها، وجَبَ عليه أن يُصلِّي عريانًا قائمًا، ولا إعادةَ عليه، هذا مذهبنا، وبه قال عُمرُ بن عبد العزيز، ومجاهد، ومالك) ((المجموع)) (3/183). ، واختاره ابنُ باز قال ابنُ باز: (يُصلِّي العاري قائمًا لا جالسًا) ((اختيارات الشيخ ابن باز وآراؤه الفقهية في قضايا معاصرة)) لخالد آل حامد (1/398).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلِّ قائمًا، فإنْ لم تستطعْ فقاعدًا، فإنْ لم تستطعْ فعلى جَنْبٍ )) [1660] رواه البخاري (1117).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
 أنه علَّق الصَّلاةَ قاعدًا على عدمِ الاستطاعةِ، والقيامُ ركنٌ؛ فوجَبَ ألَّا يجوزَ تَرْكُه مع القُدرةِ عليهِ [1661] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/176).
ثانيًا: لأنَّه لا يُجزِئ أحدًا أنْ يُصلِّيَ جالسًا وهو يَقدِرُ على القيامِ ((الكافي)) لابن عبد البر (1/239).
ثالثًا: لأنَّ المحافظةَ على الأركانِ- كالقِيامِ، والركوعِ، والسجودِ- أَوْلى من المحافظةِ على بعضِ الفَرْضِ وهو السَّترُ ((المجموع)) للنووي (3/182).
الفَرْعُ الثاني: صلاة الجَماعةِ للعُراةِ
المسألةُ الأولى: صِفةُ صَلاةِ الجَماعةِ للعُراةِ
العراةُ يُصلُّونَ جماعةً صفًّا واحدًا لئلَّا يرى بعضُهم عورةَ بعض. ، ويقومُ إمامُهم وسْطَهم، وهذا مذهبُ الشافعيَّة [1665] الشافعيَّة قالوا: لهم أن يُصلُّوا جماعةً وفُرادَى؛ فإنْ صلَّوا جماعةً وهم بصراءُ وقَف إمامهم وسْطَهم، فإنْ خالف ووقَف قُدَّامهم صحَّت صلاتُه، وإنْ كانوا عميًا أو في ظُلمة بحيث لا يرى بعضهم بعضًا، استحبَّ الجماعة، ويقف إمامُهم قُدَّامهم. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (3/185)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/285)، ((الأم)) للشافعي (1/111). ، والحنابلة [1666] الحنابلة قالوا: إنْ تقدَّم عليهم الإمامُ بطَلَتْ صلاتُهم، فإنْ كانوا عميانًا، أو كانوا في ظلمة يجوز أن يتقدَّمهم الإمامُ. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/273)، ((المغني)) لابن قدامة (1/427). ، واختارَه ابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (لو انكسرتْ سفينةُ قوم أو سَلَبهم المحاربون ثيابَهم صلَّوْا عُراةً بحسب أحوالهم، وقام إمامُهم وَسْطَهم؛ لئلَّا يرى الباقون عورتَه) ((مجموع الفتاوى)) (28/389).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عمومُ قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلاةُ الجماعةِ تَفضُلُ صلاةَ الفذِّ بخمسٍ وعشرينَ درجةً )) رواه البخاري (645)، ومسلم (650) من حديث عبد الله بن عُمرَ رضي الله عنهما.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ لفظَ الجماعةِ عامٌّ يدخُلُ فيه كلُّ جماعةٍ، ومنها جماعةُ العُراةِ [1669] ((الأوسط)) لابن المنذر (5/66).
ثانيًا: أنَّ العُراةَ يُمكنهم الجماعةُ من غير ضررٍ، فلزمتْهم كالمستترِينَ [1670] ((المغني)) لابن قدامة (1/428)، ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (1/617).
ثالثًا: أنَّ قيامَ الإمامِ وسْطَهم أستَرُ من أن يَتقدَّمَ عليهم [1671] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/273).
المسألة الثَّانية: قِيامِ العُراةِ في صلاةِ الجماعةِ
العراةُ إذا صَلَّوا جماعةً يُصلُّون قِيامًا، وهو مذهبُ المالكيَّة [1672] ((الكافي)) لابن عبد البر (1/239)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/106). ، والشافعيَّة [1673] ((المجموع)) للنووي (3/182)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/111). ، وروايةٌ عن أحمدَ [1674] ((المغني)) لابن قدامة (1/428).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: للنُّصوصِ الدالَّة على وجوبِ الركوعِ والسجودِ ((الذخيرة)) للقرافي (2/107).
ثانيًا: أنَّ القيامَ والركوعَ والسجودَ أركانٌ متَّفَق عليها، والسُّترة شرطٌ مختلَف فيه، والأركان مُقدَّمةٌ على الشروطِ، والمجمَع عليه مُقدَّمٌ على المختلَف فيه ((الذخيرة)) للقرافي (2/107).
ثالثًا: لأنَّه لا يُجزئ أحدًا أن يُصلِّي جالسًا وهو يَقدِرُ على القيامِ ((الكافي)) لابن عبد البر (1/239).

انظر أيضا: