الموسوعة الفقهية

المَطلَب الثَّالث: الاستدلالُ على القِبلةِ


الفَرْعُ الأول: الاستدلال على القبلة بالعِلمِ بالجِهاتِ
المسألة الأولى: الاستدلالُ على القِبلةِ بالشَّمسِ والقَمرِ ومواقِعِ النُّجومِ
يجوزُ الاستدلالُ على القِبلةِ بالشمسِ قال العينيُّ: (أمَّا الشمس: فمَن أَشكلت عليه القِبلة وكان بالمشرق، يجعل الشمس خلفَه في أول النهار، وتلقاءَ وجهه في آخِره، وإنْ كان في المغرب فعلى العكس، وإنْ كان بالشام يجعلها في أول النَّهار على جانبه الأيسر، وفي آخِر النهار على جانبه الأيمن، وإنْ كان باليمن فعلى العكس يجعلُها) ((البناية)) (2/148). ، والقمرِ قال العينيُّ: (أما القمر: فإنه يَطلُع في أول الشهر على يمنةِ المصلِّي، ويختلف مطلعُه في اليمنة، فربما كان مع قُرب شقِّه اليسرى، وربما كان إلى مدائرها أقرب، ويَطلُع في ليلة ثمان وعشرين رفيعًا لحظة، ثم يغيب على يسرةِ المصلِّي...) ((البناية)) (2/148) ، ومواقعِ النُّجومِ ((البناية)) للعيني (2/148).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكِتاب
1- قال الله تعالى: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل: 16]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الإشارةَ إلى ذلك في سِياقِ الامتنانِ تدلُّ على مشروعيَّةِ الاهتداءِ بها ((الذخيرة)) للقرافي (2/124).
2- قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأنعام: 97]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الهدايةَ إنَّما تكونُ للمقاصدِ، والصَّلاةُ من أهمِ المقاصدِ ((الذخيرة)) للقرافي (2/124).
3- هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [يونس: 5]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ هذا كلَّه تنبيهٌ على وجوهِ تحصيلِ المصالحِ من الكواكبِ، ومن أهمِّ المصالحِ إقامةُ الصَّلاةِ على الوجهِ المشروعِ ((الذخيرة)) للقرافي (2/124).
ثانيًا: من الإجماع
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (أجمَعوا أنَّ على مَن غاب عنها، بعُدَ أو قرُب، أن يتوجَّه في صلاته نحوها بما قدَر عليه مِن الاستدلال على جِهتها، من النُّجوم، والجبال، والرِّياح، وغيرها) ((الاستذكار)) (2/455). وقال أيضًا: (وأجمَعوا أنَّ على كلِّ مَن غاب عنها أن يستقبلَ ناحيتها، وشطرها وتلقاءها، وعلى أنَّ على مَن خفِيت عليه ناحيتُها الاستدلالَ عليها بكلِّ ما يمكنه، من النُّجوم، والجبالِ، والرياح، وغير ذلك ممَّا يمكن أن يستدلَّ به على ناحيتها) ((التمهيد)) (17/54). ، والقرطبيُّ يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (2/160).
ثالثًا: أنَّ القاعدةَ: أنَّ كلَّ ما أفضى إلى المطلوبِ فهو مطلوبٌ، وهذه الأمورُ مفضيةٌ إلى إقامةِ الصلواتِ المطلوبةِ؛ فتكونُ مطلوبةً ((الذخيرة)) للقرافي (2/124).
المسألة الثَّانية: الاستدلالُ على القِبلةِ بالرِّياحِ أو الأنهارِ
أوَّلًا: الاستدلالُ على القِبلةِ بالرِّياحِ
يجوزُ الاستدلالُ على القِبلةِ بالرِّياحِ، وهو باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة ((البناية)) للعيني (2/148). ، والمالكيَّة [1393] ((التاج والإكليل)) للمواق (1/508)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/127). ، والشافعيَّة [1394] ((المجموع)) للنووي (3/205)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/146). ، والحنابلة [1395] واعتبر الحنابلة أنَّ الاستدلال بها عسُر إلَّا في الصحاري، وأمَّا بين الجبال والبنيان، فإنَّها تدور، فتختلف وتَبطُل دَلالتُها. ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/309)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/321). ، وحُكِي الإجماعُ على ذلك [1396] قال ابنُ عبد البَرِّ: (أجمَعوا أنَّ على من غاب عنها بَعُد أو قَرُب: أن يَتوجَّه في صلاته نحوها بما قدَر عليه من الاستدلالِ على جِهتها من النجوم والجبال، والرياح، وغيرها) ((الاستذكار)) (2/455). وقال أيضًا: (وأجمعوا أنَّ على كلِّ مَن غابَ عنها أن يستقبلَ ناحيتَها وشطرَها وتلقاءَها، وعلى أنَّ مَن خفيت عليه ناحيتُها الاستدلالَ عليها بكلِّ ما يُمكنه من النجومِ، والجِبال، والرياح، وغير ذلك ممَّا يُمكن أن يستدلَّ به على ناحيتها) ((التمهيد)) (17/54). وقال الجويني: (وذكَر الصيدلانيُّ منها مهابَّ الرياح، وهذا بعيدٌ عندي جدًّا؛ فإنَّ الرَّياح لا معوَّل عليها، والتفافَها في مهابِّها أكثرُ من استِدادها، ثم لا يتأتَّى التمييزُ فيها) ((نهاية المطلب)) (2/93). ؛ وذلك لأنَّ كلَّ ما أَفْضى إلى المطلوبِ فهو مطلوبٌ، والاستدلالُ بالرِّياحِ وغيرِها يُفضِي إلى إقامةِ الصَّلواتِ المطلوبةِ؛ لذا يجوزُ الاستدلالُ بها ((الذخيرة)) للقرافي (2/124).
ثانيًا: الاستدلالُ على القِبلةِ بالأنهارِ
يجوزُ الاستدلالُ على القِبلةِ بالأنهارِ الكِبار، كدِجلةَ والفراتِ والنِّيلِ؛ نصَّ على هذا الجمهور: الحنفيَّة قال العينيُّ: (أمَّا الأنهار والمياه: فإنها تحُلُّ جاريةً من يمنة المصلِّي إلى يسرته على انحرافٍ قليل يقرُب من كتفه اليمنى، وتنفذ من الماء في اليسرى، كدجلة والفرات، والنهرين وغيرها من الأنهار، أحدها بخراسان، والأخرى: بالشام يُسمَّى العاصي، ويقال لهما: العارض؛ لأنَّهما يخالفان لجريان الماء؛ لأنَّهما يجريان عن يسرة المصلِّي إلى يمينه، ولا اعتبارَ بالأنهار المحدَثة والسَّواقي؛ لأنَّها بحسب الحاجات، ونيل مصر أيضًا يجري إلى الشمال على خلافِ الأنهار) ((البناية)) (2/149) ، والمالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (2/128)، ((الكافي)) لابن عبد البر (1/198). المالكية نصوا  على أن الاستدلال على القبلة يكون بكل ما يمكن الاستدلال به. ، والحنابلة [1400] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/310)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/321). ؛ وذلك لأنَّ كلَّ ما أَفْضى إلى المطلوبِ فهو مطلوبٌ ((الذخيرة)) للقرافي (2/124).
الفَرْعُ الثاني: الاستدلالُ على القِبلةِ بالآلاتِ والأجهزةِ الحَديثةِ
يجوزُ الاستدلالُ على القِبلةِ بالآلاتِ والأجهزةِ الحديثةِ؛ وهو قولُ: ابنِ عابدين قال ابن عابدين: (ينبغي الاعتمادُ في أوقات الصلاة وفي القِبلة على ما ذَكَره العلماء الثِّقات في كتُب المواقيت، وعلى ما وضعوه لها من الآلات كالربع والإصطرلاب، فإنَّها إنْ لم تُفِدِ اليقين تُفِد غلبةَ الظنِّ للعالِم بها، وغلبةُ الظن كافيةٌ في ذلك) ((حاشية ابن عابدين)) (1/431). ، وابنِ باز قال ابن باز - وقد سُئِل: كيف يُمكن تحديدُ اتجاه القبلة في الليل والنهار؟ فأجاب -: (هذا يختلف باختلافِ عِلم الناس، والناس يختلفون في هذا العِلم، فالذي عنده بُوصلة يعرف عن طريق البوصلة، والذي ما يَعرِف هذا يُمكن أن ينظر إلى الشمس؛ طلوعها وغروبها) ((فتاوى نور على الدرب)) (7/362). ، وابنِ عثيمين قال ابنُ عُثَيمين: (وقد يسَّر الله في زماننا هذا ما يُعرَف به جِهةُ القِبلة بواسطة دلائل القبلة (البوصلة)، فإذا أراد الإنسانُ أن يسافر إلى جِهة ما، فليأخذ معه هذه الآلةَ؛ حتى يكونَ على بصيرة من أمره) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/417). وقال أيضًا: (هذه الدلائلُ أصبحتْ قويةَ الدلالة لقوَّة العِلم ودِقَّته؛ فإذ أصبحت تُشير إلى جهةٍ فإنَّ الصواب غالبًا فيها إنْ لم يكن المؤكَّد) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين) (12/419).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ كلَّ ما أفضى إلى المطلوبِ فهو مطلوبٌ، وهذه الأمورُ مفضيةٌ إلى إقامةِ الصلواتِ المطلوبةِ؛ فتكون مطلوبةً ((الذخيرة)) للقرافي (2/124).
ثانيًا: أنَّ الشارعَ لم يُحدِّدْ أدلَّةَ معرفةِ القِبلة، ولم يمنعْ من الاستعانةِ بما يدلُّ عليها ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (6/315).
ثالثًا: أنَّ هذه الأجهزةَ والآلاتِ إنْ لم تُفِدِ اليقينَ، فإنَّها تُفيدُ غَلبةَ الظنِّ للعالِم بها، وغلبةُ الظنِّ كافيةٌ في ذلك ((حاشية ابن عابدين)) (1/431).
الفَرْعُ الثَّالِثُ: الاستدلالُ على موضِعِ القِبلةِ بالسُّؤالِ أو الخبرِ
المسألة الأولى: الاستدلالُ على القِبلةِ بخبرِ العَدلِ
مَن اشتبهتْ عليه جهةُ القِبلةِ، وأَخْبَره مَن يُقبلُ خَبرُه بجِهتها، فإنَّه يَلزمُه أنْ يُصلِّيَ بقولِه، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة [1408] ((تبيين الحقائق للزيلعي، مع حاشية الشلبي)) (1/101)، ((البناية)) للعيني (2/149). ، والمالكيَّة ((منح الجليل)) لابن عليش (1/236)، وينظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 41). ، والشافعيَّة [1410] ((المجموع)) للنووي (3/200)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/146). ، والحنابلة [1411] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/306)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/318).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: ((بينما الناسُ بقُباءٍ في صلاةِ الصُّبحِ إذ جاءَهم آتٍ فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أُنزِلَ عليه اللَّيلةَ قرآنٌ، وقد أُمِر أن يَستقبلَ الكعبةَ فاستَقْبِلوها، وكانتْ وجوهُهم إلى الشامِ، فاستداروا إلى الكعبةِ )) [1412] رواه البخاري (403)، ومسلم (526). وفي روايةٍ لمسلم (527) من حديثِ أنسٍ رضي الله عنه: (فمرَّ رجلٌ من بني سَلِمة وهم ركوعٌ في صلاة الفجر وقد صَلَّوا ركعةً، فنادى: ألَا إنَّ القبلة قد حُوِّلت، فمالوا كما هم نحوَ الكعبة).
ثانيًا: أنَّه لا سبيلَ لِمَن غابَ عن موضعِ القبلةِ إلى معرفةِ جِهتها إلَّا بالخبر؛ ولا يُمكن غيرُ ذلك [1413] ((المحلى)) لابن حزم (2/258)، وينظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشلبي)) (1/101)، ((المجموع)) للنووي (3/200).
المسألة الثانية: خبَرُ الفاسقِ والكافرِ بجِهةِ القِبلةِ
أوَّلًا: الاستدلالُ على القِبلةِ بخبرِ الفاسِقِ
لا يُقبلُ خبرُ الفاسقِ في تحديدِ جِهةِ القِبلةِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهب الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة [1414] قال ابن عابدين: (أمَّا غير مقبول الشهادة، كالكافر والفاسق والصبيِّ؛ فلعدم الاعتدادِ بإخباره فيما هو مِن أمور الدِّيانات ما لم يغلبْ على الظنِّ صدقُه) ((حاشية ابن عابدين)) (1/431). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/510)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/259). ، والشافعيَّة على المشهور [1416] ((المجموع)) للنووي (3/201)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/146). ، والحنابلة [1417] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/10)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/306).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لقِلَّة دِينِه، وتطرُّق التُّهمةِ إليه [1418] ((المغني)) لابن قدامة (1/327).
ثانيًا: أنَّه لا تُقبلُ سائرُ أخبارِه فيما هو من أمورِ الدِّياناتِ [1419] ((حاشية ابن عابدين)) (1/431)، ((المجموع)) للنووي (3/201).
ثانيًا: الاستدلالُ على القِبلةِ بخبرِ الكافرِ
لا يُقبَلُ خبرُ الكافرِ في تحديدِ جِهةِ القِبلةِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة [1420] ((الهداية)) للمرغيناني (4/364)، ((الاختيار لتعليل المختار)) لابن مودود الموصلي (4/163). ، والمالكيَّة [1421] ((الشرح الكبير)) للدردير (1/226)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/332). ، والشافعيَّة [1422] ((المجموع)) للنووي (3/200)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/146). ، والحنابلة [1423] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/306)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/327). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [1424] قال النوويُّ: (لا يُقبل خبرُ الكافر في القِبلة بلا خِلاف) ((المجموع)) (3/200). وقال العدويُّ: (احترز بـ"المكلَّف" من الصبيِّ والمجنون؛ فإنهما لا يُقلَّدان، وبـ"العارف" من الجاهل الذي لا عِلمَ عنده بالأدلَّة، وبـ"العدل" من الفاسق والكافِر؛ لأنَّ قولَ كلٍّ منهما لا يُلتفت إليه إجماعًا) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/332).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لعدمِ الاعتدادِ بإخبارِه فيما هو من أمورِ الدِّياناتِ ((حاشية ابن عابدين)) (1/431).
ثانيًا: أنَّ الكافرَ ليس بموضعِ أمانةٍ قال ابنُ قُدامة: (ولا يتبع دلالةَ مشرك بحال؛ وذلك لأنَّ الكافر لا يُقبل خبرُه، ولا روايته، ولا شهادته؛ لأنَّه ليس بموضع أمانة؛ ولذلك قال عمرُ رضي الله عنه: لا تأتمنوهم بعدَ إذ خوَّنهم الله عزَّ وجلَّ) ((المغني)) (1/327).
الفرعُ الرَّابع: الاستدلالُ على القِبلةِ بمحاريبِ المُسلمينَ
يجبُ اعتمادُ محاريبِ المسلمينَ في الدَّلالةِ على القِبلةِ، ولا يجوزُ معها الاجتهادُ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة [1427] ((حاشية ابن عابدين)) (1/431)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/118). ، والمالكيَّة [1428] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/266)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/295). قال المالكيَّة: المعتبَر في محراب المصر الذي يجوز للمجتهد تقليدُه: أنْ يُعلم أنه إنما نُصِب باجتهاد جمْع من العلماء، سواء كان عامرًا أو خرابًا. ، والشافعيَّة [1429] ((المجموع)) للنووي (3/201)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/145). ، والحنابلة [1430] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/10)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/306). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [1431] قال النوويُّ: (أمَّا المحراب فيجب اعتمادُه، ولا يجوزُ معه الاجتهاد، ونَقَل صاحب الشامل إجماعَ المسلمين على هذا) ((المجموع)) (3/201). ووقَع خلافٌ في المسألة؛ فقال شمس الدين ابنُ قُدامة: (أمَّا في حقِّ مَن يلزمه قصدُ الجهة، فإنْ كان أعمى أو مَن فرضُه التقليدُ لزِمَه الرجوعُ إلى ذلك، وإن كان مجتهدًا جاز له الرجوعُ لِمَا ذكرنا، كما يجوز له الرجوعُ في الوقت إلى قول المؤذِّن، ولا يلزمه ذلك، بل يجوز له الاجتهاد إنْ شاء، إذا كانت الأدلَّة على القِبلة ظاهرة؛ لأنَّ المخبر والذي نصَب المحاريب إنما يَبني على الأدلَّة، وقد ذكر ابنُ الزاغوني في كتاب الإقناع قال: إذا دخل رجلٌ إلى مسجد قديم مشهور في بلد معروف كبغداد؛ فهل يلزمه الاجتهاد أم يجزئه التوجُّه إلى القبلة؟ فيه روايتان عن أحمد؛ (إحداهما): يلزمه الاجتهاد؛ لأنَّ المجتهد لا يجوز له أن يقلِّدَ في مسائل الفقه. (والثانية): لا يلزمه؛ لأنَّ اتفاقهم عليها مع تكرُّر الأعصار إجماعٌ عليها، ولا يجوز مخالفتها باجتهاده) ((الشرح الكبير)) (1/486).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ المحاريبَ لا تُنصَبُ إلَّا بحضرةِ جماعةٍ من أهلِ المعرفةِ بسَمْت الكواكبِ والأدلَّة؛ فجرَى ذلك مَجرَى الخبرِ [1432] ((المجموع)) للنووي (3/201).
ثانيًا: أنَّ هذه المحاريبَ أنشأتْها قرونٌ من المسلمينَ، أي: جماعات منهم صَلَّوا إلى هذا المحرابِ، ولم يُنقَلْ عن أحدٍ منهم أنَّه طعَنَ فيها، والمسلمون لا يَسكُتونَ على مِثل ذلك إلَّا لصِحَّتِه عندَهم ((فتاوى السبكي)) (1/153)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/145).

انظر أيضا: