الموسوعة الفقهية

المَطلَب الثَّالِثُ: المواضِعُ التي يُنْهَى عن الصَّلاةِ فيها


تمهيد:
تُشرَعُ الصَّلاةُ في عُمومِ الأرضِ في الجُملةِ.
الدَّليل من الإجماع:
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (أمَّا الركوع مع السُّجود، فهو مشروعٌ في عموم الأرض، كما قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((جُعِلت لي الأرضُ مَسجِدًا وطَهورًا؛ فأيُّما رجلٍ من أمَّتي أدركتْه الصَّلاةُ، فعنده مَسجِدُه وطَهورُه))، وهذا كلُّه متَّفق عليه بين المسلمين). ((مجموع الفتاوى)) (26/251).
الفَرْعُ الأول: أَعطانُ الإبلِ
لا تصحُّ الصَّلاةُ في أعطانِ [937] الأعطان: هي مواضعُ إقامة الإبل عند الماء خاصَّة، وقيل: هي مأواها مطلقًا. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/258)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/527). وقال ابنُ عُثَيمين: (قوله: «وأَعطان إبِل»، جمع عَطَن، ويُقال: مَعَاطِن جمع مَعْطَنٌ، وأعطان الإبل فُسِّرتْ بثلاثة تفاسير: قيل: مباركها مطلقًا. وقيل: ما تُقيم فيه وتأوي إليه، وقيل: ما تبرك فيه عند صدورها من الماء؛ أو انتظارها الماء. فهذه ثلاثة أشياء، والصَّحيح: أنَّه شاملٌ لما تقيم فيه الإبل وتأوي إليه، كمَرَاحِها، سواءٌ كانت مبنيَّةً بجدران، أم محوطةً بقوس أو أشجار، أو ما أشبه ذلك، وكذلك ما تعطن فيه بعد صدورها من الماء. وإذا اعتادتِ الإبِلُ أنها تبرُك في هذا المكان، وإنْ لم يكن مكانًا مستقرًّا لها فإنه يُعتبر معطنًا. أمَّا مبرك الإبل الذي بركت فيه لعارضٍ ومشت، فهذا لا يَدخُل في المعاطن؛ لأنَّه ليس بمبرَك). ((الشرح الممتع)) (2/242-243). الإبلِ، وهو مذهبُ الحنابلة [938] ((الفروع)) لابن مفلح (2/105)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/294). ، وروي عن مالك وقال البغوي: (وذهب مالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور إلى أن صلاته في أعطان الإبل لا تصح قولا واحدا، لظاهر الحديث). ((شرح السنة)) (2/405). وهو قول طائفة من الفقهاء قال به وإسحاق، وأبو ثور وأصبغ وابن حبيب. يُنظر: ((شرح السنة)) للبغوي (2/405) ((شرح التلقين)) للمازري (1/822). واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزمٍ: (مَن صلَّى في عطن إبل بطَلَتْ صلاتُه عامدًا كان أو جاهلًا). ((المحلى)) (2/341). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (والدليلُ قول الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «صلُّوا في مرابض الغنم، ولا تُصلُّوا في أعطان الإبل»، والحديث في «الصحيح». ووجه الدلالة من كون الصلاةِ لا تصحُّ في معاطن الإبل: النهيُ عن الصلاة فيها، فإذا صليتَ فيها فقد وقعتَ فيما نهى عنه رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وذلك معصية، ولا يُمكن أن تنقلِبَ المعصيةُ طاعةً، وإذا؛ لا تصحُّ الصلاة). ((الشرح الممتع)) (2/243) وقال أيضًا: (والحِكمة من عدم صحَّة الصلاة في أعطان الإبل: أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عنه، فنهيُ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأمرُه الشرعيُّ هو العِلةُ بالنِّسبةِ للمؤمن، بدليلِ قَوْلِه تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ **الأحزاب: 36**، فالمؤمن يقول: سمِعْنا وأطعْنا. ويدلُّ لذلك أنَّ عائشةَ سُئلت: ما بال الحائض تَقضي الصومَ ولا تَقضي الصلاةَ؟ قالت: «كان يُصيبنا ذلك؛ فنُؤمَر بقضاء الصومِ ولا نُؤمَر بقضاء الصلاةِ»، فبيَّنت أنَّ العلة في ذلك هو الأَمْرُ). ((الشرح الممتع)) (2/244)
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن جابرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ رجلًا سألَ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أأتوضَّأُ من لحومِ الغنمِ؟ قال: إنْ شِئتَ فتوضَّأ، وإنْ شِئتَ فلا توضَّأ، قال أتوضَّأ من لحومِ الإبل؟ قال: نعَمْ فتَوضَّأْ من لحومِ الإبل، قال: أُصلِّي في مرابض الغنَمِ؟ قال: نعم، قال: أُصلِّي في مباركِ الإبلِ؟ قال: لا )) [943] رواه مسلم (360).
2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلُّوا في مرابضِ الغَنمِ، ولا تُصلُّوا في أعطانِ الإبلِ )) رواه الترمذي (348)، وابن ماجه (629)، وأحمد (2/451) (9824). قال الترمذيُّ: حسنٌ صحيح. واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (4/24)، وصحَّحه أحمد شاكر في ((شرح سنن الترمذي)) (2/181)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (348)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (1422) وقال: على شَرْط البخاريِّ.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه نهى عن الصَّلاةِ في معاطنِ الإبل، والوقوعُ فيما نهى عنه رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معصيةٌ، ولا يُمكن أن تنقلِبَ المعصيةُ طاعةً؛ وعلى ذلك فلا تصحُّ الصَّلاةُ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/244).
الفَرْعُ الثاني: الحمَّام
تجوزُ الصَّلاةُ في الحمَّامِ [946] قال ابنُ عُثَيمين: (والحمَّام هو المُغتَسل، وكانوا يجعلون الحمَّامات مغتسلاتٍ للنَّاسِ، يأتي الناس إليها ويَغتسلون، يختلطُ فيه الرِّجال والنِّساءُ، وتنكشف العورات، وليس المقصودُ به «المرحاض»). ((الشرح الممتع)) 3/243. مع الكراهةِ، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة [947] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/35)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/115). والمالكيَّة [948] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/64)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/128)، لكنَّهم قالوا: إذا كان موضعه طاهرًا فلا كراهةَ. ، والشافعيَّة [949] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (2/166)، ((نهاية المحتاج)) للرَّمْلي (2/62). ، ورواية عن أحمد [950] ((الإنصاف)) للمرداوي (1/344).
الدليل مِنَ السُّنَّة:
عمومُ قولِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((جُعِلتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا )) رواه البخاري (335)، مسلم (521) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ لفظَ الحديثِ عامٌّ، فيدخل فيه الصَّلاة في الحمَّامِ وفي كلِّ موضعٍ من الأرض إذا كانَ طاهرًا من الأنجاسِ [952] ((التمهيد)) لابن عبد البر (5/220).
الفَرْعُ الثَّالِثُ: المَقبُرَة
لا تصحُّ الصَّلاةُ في المَقبُرة عند الحنابلة على الصحيحِ مِن مذهَبِهم لا يَضُرُّ قبرٌ ولا قبران: إذا لم يُصَل إليه، وذهب ابنُ تيمية إلى أنَّ هذا يضر، فقال: (وليس في كلام أحمد وعامَّةِ أصحابه هذا الفرق، لا بعمومِ كلامِهم وتعليلِهم واستدلالِهم يوجب مَنْع الصلاة عند قبرٍ من القبور، وهذا هو الصواب؛ فإنَّ قَوْلَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَتَّخِذوا القبورَ مساجِدَ)) أي: لا تتَّخِذوها موضِعَ سجود؛ فمن صلَّى عند شيء من القبور فقد اتَّخَذَ ذلك القبرَ مسجدًا؛ إذ المسجِدُ في هذا الباب المراد به موضِعُ السجود مطلقًا، لا سيما ومقابلَةُ الجمع بالجَمْع يقتضي توزيعَ الأفرادِ على الأفرادِ، فيكون المقصودُ: لا يُتَّخَذ قبرٌ من القبور مسجدًا من المساجد، ولأنه لو اتُّخِذَ قبرُ نبيٍّ أو قبر رجل صالح مسجدًا، لكان حرامًا بالاتفاق؛ كما نهى عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فعُلِمَ أنَّ العدد لا أَثَر له، وكذلك قَصْدُه للصلاة فيه، وإن كان أغلَظَ، لكن هذا الباب سَوَّى في النهي فيه بين القاصِدِ وغيرِ القاصد؛ سدًّا لباب الفساد). ((شرح العمدة - كتاب الصلاة)) (4/460). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (2/399)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/344). ، وهو مذهبُ الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/344)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/293) ونسب إلى كثير من أهل العلم قال ابن القيم: (فالصَّلاةُ في المقبرة معصيةٌ لله ورسوله، باطلةٌ عند كثيرٍ من أهل العِلْمِ، لا يَقْبَلُها اللهُ ولا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِفِعْلِها). ((إعلام الموقعين)) (4/138). ، وهو قول ابن حزم قال ابنُ حزمٍ: (ولا تحِلُّ الصلاةُ في... مقبرةٍ - مقبرة مسلمين كانت أو مقبرةَ كُفَّارٍ - فإن نُبِشَت وأُخْرِجَ ما فيها من الموتى جازَتِ الصلاة فيها. ولا إلى قبرٍ، ولا عليه، ولو أنَّه قَبْرُ نبيٍّ أو غيره، فإن لم يجد إلا موضِعَ قبرٍ أو مقبرةٍ، أو حمَّامًا، أو عطنا، أو مزبلةً، أو موضعًا فيه شيء أُمِرَ باجتنابه -: فليَرْجِع ولا يُصَلِّي هنالك جمعةً، ولا جماعةً، فإن حُبِسَ في موضع مِمَّا ذَكَرْنا فإنَّه يصلِّي فيه، ويجتنب ما افتُرِضَ عليه اجتنابُه بسجودِه، لكنْ يَقْرب مما بين يديه من ذلك ما أمكَنَه، ولا يضَعْ عليه جبهة، ولا أنفًا، ولا يدينِ ولا ركبتين، ولا يجلس إلَّا القرفصاء). ((المحلى)) (2/345). وقال أيضًا: (وكل هذه الآثار حَقٌّ، فلا تحل الصلاة حيث ذكرْنا، إلا صلاةَ الجنازةِ؛ فإنَّها تصلَّى في المقبرةِ، وعلى القبر الذي قد دُفِنَ فيه صاحِبُه، كما فعل رسولُ الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - نُحَرِّمُ ما نهى عنه، ونَعُدُّ مِنَ القُرَبِ إلى الله تعالى أن نفعل مثل ما فَعَل؛ فأَمْرُه ونَهْيُه حقٌّ، وفِعْلُه حقٌّ، وما عدا ذلك فباطل). ((المحلى)) (2/345). ونسبه ابن رجب لأهل الظَّاهر أو بعضهم فقال ابن رجب: (والمشهورُ عن أحمد الذي عليه عامَّة أصحابه: أنَّ عليه الإعادة؛ لارتكاب النهيِ في الصلاة فيها. وهو قول أهلِ الظاهر- أو بعضِهم- وجعلوا النَّهيَ هاهنا لمعنًى يختَصُّ بالصَّلاة من جهة مكانِها). ((فتح الباري)) 2/399 واختارَه ابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (لا تصحُّ الصلاةُ في المقبرة ولا إليها). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 411). ، والصنعاني قال الصنعاني: (والحديث دليل على أن الأرض كلها تصح فيها الصلاة ما عدا المقبرة، وهي التي تدفن فيها الموتى، فلا تصح فيها الصلاة). ((سبل السلام)) (1/136). وابنُ باز قال ابن باز: (أمَّا الصلاة في المقبرة فلا تصحُّ؛ لقول النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لعَن الله اليهودَ والنصارَى؛ اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجدَ» متفق عليه). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (9/374). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (لو أنَّ أحدًا من الناس صلَّى صلاةَ فريضةٍ أو صلاة تطوُّع في مقبرة أو على قبر، فصلاته غيرُ صحيحة). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/375).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- أنَّ عائشةَ، وعبدَ اللهِ بنَ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهم، قالَا: لَمَّا نُزِلَ قوله: ((نُزِلَ)) - بضمِّ النون وكسر الزاي -: أي: نَزَل الموت، أو مَلَكُ الموت والملائكة الكرامُ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويُروَى بفتح النون والزاي (نَزَلَ)، ومعناه كسابقِه. ويُروَى بالفَتَحات أيضًا مع تاء التأنيث (نَزَلَتْ)، ومعناه: حضرت المنيَّةُ والوفاةُ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (5/13)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/532)، (6/497). برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، طَفِقَ يَطرحُ خَميصةً له على وجهِه، فإذا اغتمَّ بها كشَفَها عن وجهِه، فقال وهو كذلك: ((لَعْنةُ اللهِ على اليهودِ والنَّصارَى؛ اتَّخَذُوا قبورَ أَنبيائِهم مساجِدَ ))، يُحذِّرُ ما صَنَعوا رواه البخاري (435، 436)، ومسلم (531).
2- عن جُندُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قبل أن يموتَ بخمسٍ، وهو يقولُ: ((ألَا وإنَّ مَن كان قَبلَكم كانوا يتَّخذونَ قُبورَ أنبيائِهم وصالِحيهم مساجدَ، ألَا فلا تتَّخذوا القبورَ مساجدَ، إنِّي أَنهاكُم عن ذلِك )) [963] رواه مسلم (532).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الصَّلاة لا تصحُّ لارتكابِ النهيِ في الصَّلاة فيها، فالنَّهيُ هاهنا لمعنًى يختصُّ بالصَّلاةِ من جِهةِ مكانِها [964] ((فتح الباري)) لابن رجب (2/399).
ثانيًا: أنَّ الصَّلاةَ في المقبرة قد تُتَّخذُ ذريعةً إلى عبادةِ القبورِ، أو إلى التشبُّهِ بِمَن يَعبُدُ القبورَ؛ فإنَّ أصلَ الشِّركِ وعِبادةِ الأوثانِ كانتْ مِن تعظيمِ القُبورِ ((فتح الباري)) لابن رجب (2/402)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/239).
الفَرْعُ الرَّابع: المَزْبَلةُ والمَجْزَرةُ
تصحُّ الصَّلاةُ في المزبلةِ [966] قال ابنُ قُدامة: (المزبلة: الموضعُ الذي يُجمَع فيه الزَّبل). ((المغني)) (2/53). وقال المرداويُّ: (المزبلة: ما أُعِدَّ للنجاسَةِ والكُناسة والزبالة، وإنْ كانت طاهرة). ((الإنصاف)) (1/346). والمجزرةِ إذا خَلَتِ من النَّجاسةِ، وهو مذهبُ الحنفيَّة [967]  ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 241)، وينظر: ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/113). ، والمالكيَّة [968] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/166)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/99). ؛ واختارَه ابنُ حزمٍ [969] قال ابنُ حزمٍ: (والصلاةُ في البيعة، والكنيسة، وبيت النار والمجزرة - ما اجتُنب البول والفرث والدَّم - وعلى قارعة الطريق، وبطن الوادي، ومواضع الخَسْف؛ وإلى البَعير والناقة، وللمُتحدِّث، والنيَّام، وفي كلِّ موضِع -: جائزةٌ، ما لم يأتِ نصٌّ أو إجماع متيقَّن في تحريم الصلاة في مكانٍ ما؛ فيوقف عند النهي في ذلك»). ((المحلى)) (2/400). ، وابنُ باز [970] قال ابن باز: (تصحُّ - أي الصلاة - في المزبلة، والمجزرة، إلَّا إذا كان فيها نجاسَةٌ، وكذا قارِعَةُ الطَّريقِ) ((اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية)) لخالد آل حامد (1/424).
الدليل مِنَ السُّنَّة:
عمومُ قولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((جُعِلتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا )) رواه البخاري (335)، مسلم (521) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه.
الفَرْعُ الخامس: قارعةُ الطَّريقِ
تُكرَهُ الصَّلاةُ قال ابنُ عُثَيمين: (يعني: لو صلَّى في قارعة الطريق فصلاتُه صحيحة، لكن إذا كان الطريق مسلوكًا فالصلاة فيه حالَ سلوك الناس فيه مكروهةٌ؛ من أجْل الانشغال والتشويش، فإنْ كان مسلوكًا بالسَّياراتِ فقد نقول بالتَّحريمِ؛ لأنَّه لا يمكن أن يُقيم الصَّلاةَ والسياراتُ تمشي، أو يُعطِّل الناسَ فيعتدي عليهم؛ لأنَّ وقوفَ النَّاسِ بأماكن الطُّرقِ يمنعُ الناسَ من التَّطرُّق؛ ففيه عُدوانٌ عليهم، والحقُّ لهم). ((الشرح الممتع)) (2/254 - 254). على قارعةِ الطريقِ [973] قارعة الطريق: موضع قرْع المارَّة، وهو وسَط الطَّريقِ، وقيل: أعلاه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/45)، ((المجموع)) للنووي (3/162).           ، وهو مذهبُ الجمهور: الحنفيَّة [974] ((مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح)) للشرنبلالي (ص: 130)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/379). ، والمالكيَّة [975] في المدوَّنة: (كان مالكٌ يكره أن يصلِّي أحد على قارعة الطريق؛ لِمَا يمرُّ فيها من الدواب فيقع في ذلك أبوالها وأرواثها؛ قال: وأحبُّ إليَّ أن يتنحَّى عن ذلك)، ونصَّ المتأخِّرون من المالكيَّة على جواز الصلاة فيها إنْ أُمِنت النَّجاسة) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/182)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (1/188)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/99). ، والشافعيَّة [976] ((المجموع)) للنووي (3/162)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/203).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لِمَا يمرُّ فيها من الدوابِّ فيَقَعُ في ذلك مِن أبوالِها وأرواثِها ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/182)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/418).
ثانيًا: أنَّه يَشغَلُ حقَّ العامَّة بما ليس له؛ لأنَّها حقُّ العامَّةِ للمُرورِ [978] ((المجموع)) للنووي (3/162).
ثالثًا: أنَّه يَشغَلُ الخاطرَ عن الخشوعِ بمُرورِ الناسِ ولَغَطِهم [979] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 130)، ((عمدة القاري)) للعيني (4/190)، ((المجموع)) للنووي (3/162).
الفَرْعُ السَّادِس: الأرضُ المَغصوبةُ
لا تجوزُ الصَّلاةُ في الأرضِ المغصوبةِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عمومُ ما جاءَ عن أبي بَكرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، حيثُ قال: خطَبَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ النَّحرِ، قال: ((فإنَّ دِماءَكم وأموالَكم عليكم حرامٌ، كحُرمةِ يَومِكم هذا، في شَهرِكم هذا، في بَلدِكم هذا، إلى يومِ تَلْقَونَ ربَّكم.. )) رواه البخاري (67)، ومسلم (1679)
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ [981] قال النوويُّ: (الصلاة في الأرض المغصوبة حرامٌ بالإجماع، وصحيحةٌ عندنا وعند الجمهور من الفقهاء وأصحابِ الأصول، وقال أحمد بن حنبل والجبَّائي وغيره من المعتزلة: باطلة...). ((المجموع)) (3/164).
ثالثًا: أنَّ في الصَّلاةِ في الأرضِ المغصوبةِ استعمالًا لمالِ الغَيرِ بغيرِ إذنِه ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/162).
الفَرْعُ السابع: حُكمُ الصَّلاةِ في الأرضِ المَغصوبَةِ
الصَّلاة في الأرضِ المغصوبةِ صحيحةٌ، وهو مذهبُ الجمهور [983] قال النوويُّ: (الصلاةُ في الأرض المغصوبة حرامٌ بالإجماع، وصحيحةٌ عندنا وعند الجمهورِ من الفقهاء وأصحابِ الأصول). ((المجموع)) (3/164). : الحنفيَّة [984] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/283)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 141). ، والمالكيَّة [985] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/188)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/716). ، والشافعيَّة [986] ((المجموع)) للنووي (3/164)، وينظر: ((البيان)) للعمراني (2/113). ، وروايةٌ عن أحمد [987] ((المغني)) لابن قدامة (1/420). ؛ وذلك لأنَّها أرضٌ طاهرةٌ، وإنَّما المنعُ فيها لمعنًى في غيرها، وهو حقُّ المالكِ، وذلك لا يَمنعُ صِحَّةَ الصَّلاةِ [988] ((البيان)) للعمراني (2/113).
الفَرْعُ الثامن: الكَنيسةُ والبِيعَةُ
تُكرَهُ قال ابنُ تيميَّة: (الصحيح المأثور عن عُمر بن الخطَّاب وغيره، وهو منصوصٌ عن أحمد وغيره، أنه إنْ كان فيها صور لم يُصلِّ فيها; لأنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، ولأنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يدخل الكعبة حتى مُحي ما فيها من الصور، وكذلك قال عمر: إنَّا كنَّا لا ندخُلُ كنائِسَهم والصُّوَرُ فيها. وهي بمنزلة المسجدِ المبنيِّ على القبر). ((مجموع الفتاوى)) (22/162). الصَّلاةُ في الكَنيسةِ الكنيسة: متعبَّد اليهود وتُطلق أيضًا على متعبَّد النصارى، مُعرَّبة. يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (2/542)، ((عمدة القاري)) للعيني (4/191). والبِيْعةِ البِيعة: بالكسر كَنِيسةُ النصارى وقيل: كنيسة اليهودِ، والجمع بِيَعٌ. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (8/26)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/531). ، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة [992] ((حاشية ابن عابدين)) (1/380). ، والمالكيَّة [993] ((التاج والإكليل)) للمواق (1/419)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/189). ، والشافعيَّة [994] ((المجموع)) للنووي (3/158)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/203). ، وروايةٌ عن أحمدَ [995] قال المرداويُّ: (وله دخولُ بِيعة وكنيسة، والصلاة فيهما، من غير كراهة، على الصَّحيح من المذهب، وعنه تُكره). ((الإنصاف)) (1/349). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (2/436)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/293). ، وقالتْ به طائفةٌ من السَّلفِ [996] قال ابنُ المنذر: (واختَلفوا في الصلاة في الكنائس والبِيع فكَرهتْ طائفة الصلاة فيها إذا كان فيها تماثيلُ؛ قال عمر لرجل من النصارى: إنَّا لا ندخل بِيعَكم من أجْل الصور التي فيها، وكره ابن عباس ومالكٌ الصلاةَ فيها من أجْل الصور التي فيها). ((الأوسط)) (2/318).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّها مواضعُ الكُفر ومحلُّ الشياطين؛ فكُرِهتِ الصَّلاةُ فيها كما كُرِهت في المكانِ الذي حضرَهم فيه الشيطانُ [997] ((شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 503)، ويُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (1/380).
ثانيًا: أنَّ في الصَّلاةِ فيها تَعظيمًا لها [998] ((شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 503).
ثالثًا: أنَّ في ذلِك تكثيرًا لجَمْعِهم [999] ((شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 503).
فائدة: الصَّلاة في أماكنِ المَعصيةِ ومَأوَى الشَّياطينِ  
تُكرَهُ الصَّلاةُ في أماكنِ المَعصيةِ ومَأوَى الشَّياطينِ، نصَّ عليه الشافعيَّة [1000]- قال النوويُّ: (الصلاة في مأوى الشيطان مكروهةٌ بالاتفاق، وذلك مثل مواضع الخمْر والحانة، ومواضع المكوس، ونحوها من المعاصي الفاحشة، والكنائس والبِيَع والحُشوش، ونحو ذلك). ((المجموع)) (3/162).  

انظر أيضا: