الموسوعة الفقهية

المَطلَب الثَّاني: الطَّهارَةُ مِن النَّجَسِ


تمهيد:
 الطهارةُ من النَّجسِ في البَدنِ والثَّوبِ والمكانِ شرطٌ في صحَّةِ الصَّلاة، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة [879] ((تبيين الحقائق للزيلعي، مع حاشية الشلبي)) (1/95)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/114). ، والشافعيَّة [880] ((المجموع)) للنووي (3/131، 132)، وينظر: ((كفاية الأخيار)) للحصني (ص: 90). ، والحنابلة [881] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/288)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/48). ، وهو قول للمالكيَّة [882] ((الشرح الكبير)) للدردير (1/201)، وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/117)، ((المنتقى))‏ للباجي (1/41)، ((تفسير القرطبي)) (8/262). ، وحُكيَ عن عامَّة العلماءِ [883] قال النوويُّ: (صلاةُ الفرض والنفل وصلاةُ الجنازة، وسجود التلاوة والشكر، فإزالة النجاسة شرطٌ لجميعها، هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة، وأحمد، وجمهور العلماء من السلف والخلف، وعن مالكٍ في إزالة النجاسة ثلاثُ روايات، أصحُّها وأشهرها: أنه إنْ صلَّى عالِمًا بها لم تصحَّ صلاته، وإنْ كان جاهلًا أو ناسيًا صحَّت، وهو قول قديمٌ عن الشافعي، والثانية: لا تصحُّ الصلاة، عَلِم أو جهِل أو نسي، والثالثة: تصحُّ الصلاة مع النجاسة وإنْ كان عالِمًا متعمدًا، وإزالتُها سُنَّة. ونقل أصحابُنا عن ابن عباس وسعيد بن جُبير نحوَه، وقال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيِّب: وعامَّة العلماء على أنَّ إزالتَها شرط إلَّا مالكًا). ((المجموع)) (3/132). وقال ابنُ قُدامة: (الطهارة من النجاسة في بدن المصلِّي وثوبه شرطٌ لصحة الصلاة في قول أكثرِ أهل العلم؛ منهم ابن عبَّاس، وسعيد بن المسيَّب، وقتادة، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي). ((المغني)) (2/48). ، وحُكيَ الإجماع على ذلك قال ابنُ عبد البَرِّ: (قد أجمَعوا أنَّ مِن شرْطِ الصلاةِ: طهارةُ الثياب، والماء، والبدن). ((التمهيد)) (22/242). وقال أيضًا: (احتجُّوا بإجماعِ الجمهور الذين هم الحُجَّة على مَن شذَّ عنهم، ولا يُعدُّ خِلافُهم خلافًا عليهم، أنَّ مَن صلى عامدًا بالنجاسة يَعلمُها في بدنه أو ثوبه، أو على الأرض التي صلَّى عليها وهو قادرٌ على إزاحتِها واجتنابها وغسلها ولم يفعلْ، وكانت كثيرةً: أنَّ صلاته باطلة... فدلَّ هذا على ما وصَفْنا من أمر رسول اللهِ بغسل النجاسات وغسلها له من ثوبه، على أنَّ غسل النجاسةِ فرضٌ واجبٌ). ((الاستذكار)) (1/332). وقال أيضًا: (قال بعضُ مَن يرى غسل النجاسة فرضًا: لَمَّا أجمعوا على أنَّ الكثير من النجاسة واجبٌ غسله من الثوب والبدن، وجَب أن يكونَ القليل منها في حُكم الكثير كالحدث قياسًا ونظرًا؛ لإجماعهم على أنَّ قليل الحدث مثلُ كثيره في نقضِ الطهارة وإيجابِ الوضوء فيما عدَا النومَ، وكذلك دمُ البرغوث... وهذا كلُّه أصلٌ وإجماع.. قالوا: ولَمَّا أجمعوا - إلَّا من شذَّ ممن لا يُعدُّ خلافًا على الجميع لخروجه عنهم - على أنَّ مَن تعمَّد الصلاة بالثوب النجس تفسُد صلاتُه ويُصليها أبدًا متى ما ذكرها؛ كان مَن سها عن غسل النجاسةِ ونسِيَها في حُكم من تعمدها). ((التمهيد)) (22/233).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكِتاب
قول الله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ قال ابن جرير: (... عن محمَّد بن سِيرين: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ، قال: اغسِلْها بالماء... قال ابنُ زيد في قوله: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ قال: كان المشركون لا يَتطهَّرون، فأمره أنْ يتطهَّر، ويُطهِّر ثيابَه. وهذا القولُ الذي قاله ابنُ سيرين، وابنُ زيدٍ في ذلِك أظهرُ معانيه). ((تفسير ابن جرير)) (23/12). وقال القرطبيُّ: (المعنى الثاني: غسلها من النَّجاسة، وهو ظاهرٌ منها، صحيح فيها... قال ابنُ سيرين وابن زيد: لا تُصلِّ إلَّا في ثوبٍ طاهر، واحتجَّ بها الشافعيُّ على وجوبِ طهارة الثوب). ((تفسير القرطبي)) (19/66). وقال الشوكانيُّ: (المرادُ بها الثيابُ الملبوسة على ما هو المعنى اللُّغويُّ، أمَرَه الله سبحانه بتطهير ثيابه، وحِفظها عن النجاسات، وإزالة ما وقَع فيها منها). ((فتح القدير)) (5/324). وقال السعديُّ: (يَدخُل في ذلك تطهيرُ الثياب من النجاسة؛ فإنَّ ذلك من تمام التطهير للأعمال، خصوصًا في الصلاة، التي قال كثيرٌ من العلماء: إنَّ إزالة النجاسة عنها شرطٌ من شروط الصلاة. ويحتمل أنَّ المراد بثيابه، الثياب المعروفة، وأنه مأمورٌ بتطهيرها عن جميع النجاسات، في جميع الأوقات، خصوصًا في الدخول في الصلوات، وإذا كان مأمورًا بتطهير الظاهر، فإنَّ طهارةَ الظاهر من تمام طهارة الباطن). ((تفسير السعدي)) (1/895)، ويُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/223). وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر: 4، 5]
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: مرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحائطٍ من حيطانِ المدينةِ، أو مكَّةَ، فسَمِعَ صوتَ إنسانينِ يُعذَّبانِ في قُبورِهما، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يُعذَّبانِ، وما يُعذَّبانِ في كبيرٍ))، ثم قال: ((بَلَى، كان أحدُهما لا يَستتِرُ من بولِه [886] قال القاضي عياض: (أي لا يجعل بينه وبينه سُترةً ولا يتحفظ منه). ((إكمال المعلم)) (2/118) ، وكان الآخَرُ يَمشِي بالنَّميمةِ )) رواه البخاري (216)، ومسلم (292).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّها قالتْ: قالتْ فاطمةُ بنتُ أبي حُبَيشٍ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا رسولَ اللهِ، إنِّي لا أَطهرُ؛ أفأدَعُ الصَّلاةَ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما ذلكِ عِرقٌ، وليس بالحَيضةِ، فإذا أقبلتِ الحيضةُ فاتْرُكي الصَّلاةَ، فإذا ذهَبَ قَدرُها، فاغْسِلي عنكِ الدَّمَ وصَلِّي )) [888] رواه البخاري (306)، ومسلم (333).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الموجِبَ للأمْرِ بتطهيرِ الثَّوبِ من دمِ الحيض كونُه نجسًا، ولا خُصوصيةَ له بذلك؛ فيُلحَقُ به كلُّ ما كان نجسًا؛ فإنَّه يجِبُ تطهيرُه ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (1/192).
3- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قام أعرابيٌّ فبال في المسجِدِ، فتناوله الناسُ، فقال لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((دَعُوه وهَرِيقوا على بولِه سَجْلًا من ماءٍ، أو ذَنوبًا من ماءٍ؛ فإنَّما بُعِثتُم مُيسِّرين، ولم تُبعَثوا مُعسِّرينَ )) رواه البخاري (220).
4- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: بينما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي بأصحابِه إذ خَلَعَ نَعليهِ فوضَعَهما عن يَسارِه، فلمَّا رأى ذلك القومُ ألْقَوْا نِعالَهم، فلمَّا قضَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاتَه، قال: ((ما حمَلَكم على إلقاءِ نِعالِكم؟))، قالوا: رَأيناكَ ألقيتَ نَعليكَ فأَلْقَيْنا نِعالَنا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ جِبريلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتاني فَأخبَرنِي أنَّ فيهما قَذرًا - أو قال: أذًى - وقال: إذا جاءَ أحدُكم إلى المسجدِ، فلينظرْ؛ فإنْ رأى في نَعليه قذرًا أو أذًى فلْيَمْسَحْه، ولْيُصلِّ فيهما )) رواه أبو داود (650)، وأحمد (3/92) (11895) صحَّحه النوويُّ في ((المجموع)) (3/132)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/112): على شرْط مسلم، لكن رواه أبو داود مرسلًا. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (650)، والوادعيُّ على شرط مسلم في ((الصحيح المسند)) (422).
الفرعُ الأول: إزالةُ النَّجاسةِ عندَ العَجزِ والضَّررِ
في حالِ العجزِ أو الضررِ مِن إزالةِ النَّجاسةِ، فإنَّه يُصلِّي بها، ولا يُعيدُ الصَّلاة  [892] مذهب المالكيَّة: أنَّ العاجز عن ثوب طاهر يُصلِّي في ثوبه النجس، لكنَّه يُعيد تلك الصَّلاة في الوقت إنِ اتَّسع الوقتُ للتطهير. ((حاشية الدسوقي)) (1/217). ، وهذا مذهبُ الحنفيَّة [893] جاء في كتاب ((الهداية)): (وعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله يتخيَّر بين أن يُصلِّي عريانًا وبين أن يُصلي فيه، وهو الأفضل. ((الهداية)) للمرغيناني (1/46)، ويُنظر: ((الاختيار لتعليل المختار)) لابن مودود الموصلي (1/46). ، وهو روايةٌ عندَ الحنابلةِ [894] ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/465). قال المرداويُّ: (قوله: "وأعاد على المنصوص". هذا المذهبُ نصَّ عليه... ويتخرَّج أنْ لا يُعيد، وجزم به في التبصرة، والعمدة، واختاره جماعةٌ منهم المصنِّف، والمجدُ، وصاحب الحاوي الكبير، ومجمع البحرين، وابن منجا في شرحه، وغيرهم، وذكره في المذهب، وابن تميم، وغيرهما روايةً، وأطلقهما في المذهب وابن تميم). ((الإنصاف)) (1/324). ، واختارَه ابنُ قُدامةَ [895] قال ابنُ قُدامة: (وقد نصَّ في مَن صلَّى في موضعٍ نجس لا يُمكنه الخروجُ منه أنَّه لا يعيد. فكذا هاهنا. وهو مذهبُ مالك، والأوزاعيِّ. وهو الصحيح؛ لأنَّه شرط للصلاة عجَز عنه، فسقط كالسترة والاستقبال، بل أَوْلى؛ فإنَّ السترة آكدُ، بدليل تقديمها على هذا الشرط، ثم قد صحَّتِ الصلاة وأجزأت عند عدِمها، فهاهنا أَوْلى). ((المغني)) (1/426). ، وابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (ومَن لم يجِدْ إلا ثوبًا نجسًا، فقيل: يُصلِّي عريانًا. وقيل: يصلي فيه ويعيد، وقيل: يُصلي فيه ولا يعيد؛ وهذا أصحُّ أقوال العلماء؛ فإنَّ الله لم يأمر العبد أن يُصلِّي الفرض مرتين، إلا إذا لم يفعل الواجب الذي يقدِرُ عليه في المرة الأولى، مثل أن يُصلي بلا طُمأنينة، فعليه أن يُعيد الصلاة، كما أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن صلَّى ولم يطمئنَّ أن يُعيد الصلاة، وقال: «ارجعْ فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ»). ((الفتاوى الكبرى)) (2/14). ، وابنُ باز قال ابن باز: (المرض لا يَمنع من أداء الصلاة بحُجَّة العجز عن الطهارة ما دام العقل موجودًا، بل يجب على المريض أن يُصلي حسبَ طاقته، وأن يتطهَّر بالماء إذا قدَر على ذلك، فإنْ لم يستطعِ استعمالَ الماء تيمَّم وصلَّى، وعليه أن يغسل النجاسة من بدنه وثيابه وقتَ الصلاة، أو يبدِّل الثياب النجسة بثياب طاهرة وقتَ الصلاة، فإنْ عجز عن غسل النَّجاسة وعن إبدال الثِّياب النجسة بثياب طاهرة، سقَط عنه ذلك، وصلَّى حسَبَ حاله). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/307). ، وابنُ عُثَيمين [898] قال ابنُ عُثَيمين: (الصَّلاة بالثَّوب النَّجس عند الضَّرورة، الصَّواب أنها تجوز. أما على المذهب فيرون أنك تُصلِّي فيه وتُعيد، فلو فرضنا أن رجلًا في الصَّحراء، وليس عنده إِلا ثوبٌ نجسٌ وليس عنده ما يُطهِّر به هذا الثوبَ، وبقي شهرًا كاملًا، فيُصلِّي بالنَّجس وجوبًا، ويُعيد كلَّ ما صَلَّى فيه إذا طهَّره وجوبًا. يُصلِّي لأنه حضر وقت الصلاة وأُمِرَ بها، ويعيد لأنَّه صلَّى في ثوب نجس. وهذا ضعيف، والرَّاجحُ أنَّه يُصلِّي ولا يعيد). ((الشرح الممتع)) (1/66).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((دَعُوني ما تَركتُكم؛ إنَّما هلَك مَن كان قَبلَكم بسؤالِهم واختلافِهم على أنبيائِهم، فإذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتنِبوه، وإذا أمرتُكم بأمْرٍ فأتُوا منه ما استطعتُم )) [899] رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
ثانيًا: أنَّ إزالةَ النجاسةِ عن الثوبِ والبدنِ والمكانِ شرطٌ لصِحَّةِ الصَّلاةِ عندَ القُدرةِ؛ فتَسقُطُ عندَ العجزِ، كالسُّترة ((البناية)) للعيني (2/134)، ((الكافي)) لابن بد البر (1/221).
ثالثًا: قياسًا على المريضِ العاجزِ عن بعضِ الأركانِ [901] ((المجموع)) للنووي (3/155).
الفرعُ الثاني: إزالةُ النَّجاسةِ أَثناءَ الصَّلاةِ
إذا أصابتْ نجاسةٌ ثوبَ المُصلِّي أو بدنَه أثناءَ الصَّلاة، فأَزالها ولم يَبقَ لها أثرٌ، فصلاتُه صحيحةٌ.
الدَّليل من الإجماع:
نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ قال النوويُّ: (إذا أصابَ ثوبَه أو بدنَه نجاسةٌ يابسةٌ، فنَفضَها ولم يبقَ شيءٌ منها، وصلَّى، صحَّتْ صلاتُه بالإجماع). ((المجموع)) (3/164). ، وابنُ حجرٍ قال ابنُ حَجر: (من حدَث له في صلاتِه ما يمنع انعقادَها ابتداءً، لا تبطُل صلاتُه ولو تمادَى... فلو كانتْ نجاسةً فأزالها في الحال ولا أثرَ لها، صحَّتِ اتِّفاقًا). ((فتح الباري)) (1/352).
الفرعُ الثالث: الصَّلاةُ بالنَّجاسةِ ناسيًا أو جاهلًا  
مَن صلَّى وعليه نجاسةٌ ناسيًا أو جاهلًا، فصلاتُه صحيحةٌ ولا إعادةَ عليه، وهو روايةٌ عن الإمامِ أحمدَ [904] قال المرداويُّ: (فإنْ علِم أنها كانت في الصلاة، لكن جهلها أو نسيها فعلى روايتين...إحداهما: تصحُّ، وهي الصحيحة عند أكثر المتأخِّرين اختارها المصنِّف، والمجد، وابن عبدوس في تذكرته، والشيخ تقي الدين، وصحَّحه في التصحيح والنظم وشرح ابن منجا وتصحيح المحرر، وجزم بها في العمدة والوجيز والمنور والمنتخب والتسهيل وغيرهم، وقدَّمه ابن تميم وغيره). ((الإنصاف)) (1/341). ، وقول الشافعيِّ في القديمِ [905] ((المجموع)) للنووي (3/132). ، وهو اختيارُ ابنِ المنذرِ [906] قال ابنُ المنذر: (وإذا صلَّى الرجل ثم رأى في ثوبه نجاسةً لم يكن علِم بها ألْقَى الثوبَ عن نفسه وبنى على صلاته، فإنْ لم يعلم بها حتى فرغَ من صلاته فلا إعادةَ عليه، يدلُّ على ذلك أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُعِدْ ما مضى من الصَّلاة). ((الأوسط)) (2/289). ، والنوويِّ [907] قال النووي: ("فرع" في مذاهِبِ العلماءِ فيمَن صلَّى بنجاسةٍ نسيها أو جهلها. ذكرنا أنَّ الأصحَّ في مذهبنا وجوبُ الإعادة، وبه قال أبو قلابة، وأحمد، وقال جمهور العلماء: لا إعادةَ عليه، حكاه ابنُ المنذر عن ابنِ عُمرَ، وابنِ المسيَّب، وطاوس، وعطاء، وسالم بن عبد الله، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والزهري، ويحيى الأنصاري، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي ثور، قال ابن المنذر: وبه أقول، وهو مذهبُ ربيعةَ، ومالكٍ، وهو قويٌّ في الدليل وهو المختارُ). ((المجموع)) (3/157). ، وابنِ تَيميَّة [908] ((شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 419)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/341). ، وابنِ القيِّم [909] قال ابنُ القيِّم: (ولو صلَّى في ثوب لا يَعلم نجاستَه ثم علِمها بعدَ الصلاة لم يُعِد). ((بدائع الفوائد)) (3/258). وابنِ باز [910] قال ابنُ باز: (وبذلك يُعلم أنَّ مَن صلَّى وهي في ثيابِه أو بعض بدنه ناسيًا، أو جاهلًا حُكمَها، أو معتقدًا طهارتها - فصلاتُه صحيحة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/396). وابنِ عُثيمين [911] قال ابنُ عُثَيمين: (الذي صلَّى في ثوبٍ نجسٍ، وهو لا يَدري بالنجاسة إلَّا بعد فراغِه مخطِئ لا خاطئ، ولو كان يَعلم بالنجاسة لقُلنا: إنَّه خاطئ، ولكن هو الآن مخطِئ جاهِلٌ، فليس عليه إعادة...وأمَّا النسيان: بأنْ نسِي أن يكون عليه نجاسة، أو نسِي أن يغسِلَها فصلَّى بالثوبِ النَّجس؛ فالصحيحُ أنَّه لا إعادةَ عليه). ((الشرح الممتع)) (2/179).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ المؤاخذةَ إنما تكون على ما تَعمَّدَه الإنسانُ، بخِلافِ ما وقَع فيه خطأً أو نسيانًا.
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن أبي سَعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((بينما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي بأصحابِه إذ خَلَعَ نَعليهِ فوضَعَهما عن يسارِه، فلمَّا رأى القومُ ذلِك ألْقَوْا نِعالَهم، فلمَّا قضَى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاتَه قال: ما حمَلَكم على إلقائِكم نِعالَكم؟ قالوا: رأيناكَ ألْقَيتَ نَعليكَ فألْقَيْنا نِعالَنا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ جِبريلَ عليه السلامُ أتاني فأَخبَرني أنَّ فيهما قذرًا )) [912] أخرجه أبو داود (650)، وأحمد (11895)، والدارمي (1378). قال أبو حاتم الرازي كما في ((البدر المنير)) (4/135): روي مرسلًا بإسقاط أبي سعيد، ومتصلًا بإثباته وهو أشبه. واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (1/92)، وقال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (22/242): رواه حمَّاد بن زيد عن أيُّوبَ، عن أبي نضرة مرسلًا، ورواه أبانُ عن قتادةَ، عن بكرٍ المزنيِّ، عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مثله. وقال ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/112): على شرْط مسلم، لكن رواه أبو داود مرسلًا. وقال ابنُ حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/457): اختُلِف في وصله وإرساله، ورجَّح أبو حاتم في العِلل الموصولَ. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (650)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (422) وقال: على شرط مسلم.
 وَجْهُ الدَّلالَةِ:
 لو كان الثوبُ النَّجِسُ المجهولُ نجاستُه تَبطُل به الصَّلاةُ لأعادَها مِن أوَّلها [913] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/179).
2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن نَسِي وهو صائمٌ فأكَل أو شَرِبَ، فلْيُتمَّ صَومَه )) [914] أخرجه البخاري (1933)، ومسلم (1155) واللفظ له.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
الأكْلُ والشُّرْب في الصِّيامِ فِعلٌ محظورٌ، والصَّلاةُ في ثوبٍ نجسٍ فِعلٌ محظورٌ أيضًا؛ فلمَّا سقَط حُكمُه بالنِّسيانِ في بابِ الصِّيامِ قِيسَ عليه حُكمُه بالنِّسيانِ في بابِ الصَّلاةِ [915] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/179).
الفرعُ الرابع: اشتباهُ ثيابٍ طاهرةٍ بنَجِسَةٍ أو مُحرَّمةٍ 
إذا اشتبهتْ ثيابٌ طاهرةٌ بثيابٍ نجسةٍ أو بثيابٍ مُحرَّمةٍ، كأنْ يكونَ الثوبُ مسروقًا أو مغصوبًا؛ فإنَّه يتحرَّى التحرِّي: هو طلب الصَّواب، والتفتيش عن المقصود. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (1/169). ، ويُصلِّي بإحداها،، وهذا مذهبُ الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (10/165)، وينظر: ((المبسوط)) للشيباني (3/25). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/181)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/345). ، وهو قولٌ للمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/232)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/176). ، واختارَه ابنُ عَقيلٍ الحنبليُّ ((الإنصاف)) للمرداوي (1/67). ، وابنُ تيميَّة ((الفتاوى الكبرى)) (5/299)، ((اختيارات ابن تيميَّة)) (ص: 385). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (الصَّحيح: أنَّه يتحرَّى، وإذا غلب على ظنِّه طهارة أحد الثياب صلَّى فيه، والله لا يكلِّف نفسًا إلَّا وسعها، ولم يوجب الله على الإنسان أن يصلِّي الصلاة مرَّتين، فإن قلت: ألَا يحتمل مع التحرِّي أن يصلِّي بثوبٍ نجس؟ فالجواب: بلى، ولكن هذه قدرته). ((الشرح الممتع)) (1/65-66). ، ونقَلَه القاضي أبو الطيِّب عن أكثرِ العلماءِ ((المجموع)) للنووي (1/181).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه، فليتحرَّ الصَّوابَ )) رواه البخاري (401)، ومسلم (572)، واللفظ له.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه دليلٌ صريح على ثبوتِ التَّحرِّي في المشتبهات ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/61، 62).
ثانيًا: قياسًا على الاجتهادِ في الأحكامِ، والاجتهادِ في القِبلةِ، وعلى تقويمِ المُتلَفاتِ، وإنْ كان قد يقَعُ في ذلك كلِّه الخطأُ ((المجموع)) للنووي (1/181).
ثالثًا: أنَّ القاعدةَ تنصُّ على أنَّه إذا تَعذَّرَ اليقينُ رُجِعَ إلى غَلبةِ الظنِّ، وهنا تَعذَّر اليقينُ فنرجِعُ إلى غَلبةِ الظنِّ، وهو التَّحرِّي ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/62).
الفَرعُ الخامس: الصَّلاةُ في ثِيابِ أهلِ الكِتابِ
المَسألةُ الأولى: ما نَسجَه الكُفَّارُ
تُباحُ الصَّلاةُ في الثوبِ الذي يَنسِجُه الكفَّارُ.
الدَّليلُ مِنَ الإِجْماع:
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامة: (لا نَعلم خِلافًا بين أهل العلم في إباحةِ الصلاة في الثوب الذي يَنسِجه الكفَّار؛ فإنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابه، إنما كان لباسُهم مِن نَسْج الكفَّار). ((المغني)) (1/62).
المَسألةُ الثَّانيةُ: ما لَبِسَه الكفَّارُ
تجوزُ الصَّلاةُ فيما لبِسَه الكفَّارُ [929] ما لم يَتيقَّن نجاستها. ، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة [930] يجوز عند الحنفيَّة الصلاةُ في ثياب أهل الذِّمَّة إلَّا الإزار والسراويل؛ فإنَّها تُكرَه الصلاةُ فيهما؛ لقُربهما من موضِع الحدَث، وربَّما لا يستنزهون من البولِ، فصار شبيهًا بيدِ المستيقظ، ومنقارِ الدجاجة المخلاة. ((حاشية ابن عابدين)) (1/205)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/81). ، والشافعيَّة [931] ((المجموع)) للنووي (1/264)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/192). ، والحنابلة [932] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/53)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/63). ، وهو قول الظاهريَّة [933] قال ابنُ حزمٍ: (إباحةُ الصلاة في ثياب المشركين هو قولُ سفيان الثوريِّ، وداود بن عليٍّ، وبه نقول). ((المحلى)) (2/394).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكِتاب
عمومُ قولِ الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة: 29]
ثانيًا: استصحابُ الأصلِ: فالأصلُ الطهارةُ، ولم يترجَّحِ التنجيسُ فيه؛ فلا يثبتُ بالشكِّ، أشبهَ ما نَسَجَه الكفَّارُ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/81)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/192)، ((المغني)) لابن قدامة (1/62).
ثالثًا: أنَّ التوارثَ جارٍ فيما بين المسلمينَ بالصَّلاة في الثِّيابِ المغنومةِ من الكَفَرةِ قبلَ الغَسلِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/81).

انظر أيضا: