الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّاني: المُتاجَرةُ بالعُملاتِ والذَّهبِ بالأسعارِ الآجِلةِ في سُوقِ العُملاتِ


يَحرُمُ المُتاجَرةُ بالعُملاتِ والذَّهبِ بالأسعارِ الآجِلةِ في سُوقِ العُملاتِ، وبه صدَرَ قَرارُ مَجْمَعِ الفقهِ الإسلاميِّ التَّابعِ لمُنظَّمةِ المُؤتمرِ الإسلاميِّ جاء في قرار رقم: 65/1/7 بشأنِ الأسواقِ الماليَّةِ ما يَلي: (إنَّ مَجلِسَ الفقهِ الإسلاميِّ المنعقِدَ في دَورةِ مُؤتمرِه السَّابعِ بجُدَّةَ في الممْلكةِ العربيَّةِ السُّعوديَّةِ من 7 إلى 12 ذي القعدة 1412هـ، الموافق 9-14 مايو 1992م. بعْدَ اطِّلاعِه على البحوثِ الواردةِ إلى المَجْمَعِ بخُصوصِ مَوضوعِ: "الأسواقُ الماليَّةُ: الأسهُمُ، الاختياراتُ، السِّلعُ، بِطاقةُ الائتمانِ". وبعْدَ استماعِه إلى المناقَشاتِ الَّتي دارتْ حوْلَه، قرَّر:... ثالثًا: التَّعامُلُ بالسِّلعِ والعُملاتِ والمؤشِّراتِ في الأسواقِ المنظَّمةِ: 1- السِّلعُ: يَتِمُّ التَّعامُلُ بالسِّلَعِ في الأسواقِ المنظَّمةِ بإحْدى أربَعِ طُرقٍ؛ هي التَّاليةُ: الطَّريقةُ الأُولى: أنْ يَتضمَّنَ العقْدُ حقَّ تَسليمِ المَبيعِ وتَسلُّمِ الثَّمنِ في الحالِ، مع وُجودِ السِّلعِ أو إيصالاتٍ مُمثِّلةٍ لها في مِلكِ البائعِ وقبْضِه. وهذا العقدُ جائزٌ شَرْعًا بشَروطِ البَيعِ المعروفةِ. الطَّريقةُ الثَّانيةُ: أنْ يَتضمَّنَ العقْدُ حَقَّ تَسلُّمِ المَبيعِ وتَسلُّمِ الثَّمنِ في الحالِ، مع إمكانِهما بضَمانِ هَيئةِ السُّوقِ. وهذا العقدُ جائزٌ شَرْعًا بشُروطِ البَيعِ المعروفةِ. الطَّريقةُ الثَّالثةُ: أنْ يكونَ العقْدُ على تَسليمِ سِلعةٍ مَوصوفةٍ في الذِّمَّةِ في مَوعدٍ آجِلٍ، ودفْعِ الثَّمنِ عندَّ التَّسليمِ، وأنْ يَتضمَّنَ شَرْطًا يَقْتضي أنْ يَنتهِيَ فِعلًا بالتَّسليمِ والتَّسلُّمِ. وهذا العقدُ غيرُ جائزٍ؛ لتَأجيلِ البَدَلَين. ويُمكِنُ أنْ يُعدَّلَ ليَستوفِيَ شُروطَ السَّلَمِ المعروفةَ، فإذا اسْتوفى في شُروطِ السَّلمِ جاز، وكذلك لا يَجوزُ بَيعُ السِّلعةِ المُشْتراةِ سَلَمًا قبْلَ قبْضِها. الطَّريقةُ الرَّابعةُ: أنْ يكونَ العقْدُ على تَسليمِ سِلعةٍ مَوصوفةٍ في الذِّمَّةِ في مَوعِدٍ آجِلٍ، ودفْعِ الثَّمنِ عندَ التَّسليمِ دونَ أنْ يَتضمَّنَ العقْدُ شَرْطَ أنْ يَنتهِيَ بالتَّسليمِ والتَّسلُّمِ الفِعلِيَّين، بلْ يُمكِنُ تَصفيتُه بعقْدٍ مُعاكِسٍ. وهذا هو النَّوعُ الأكثرُ شُيوعًا في أسواقِ السِّلعِ، وهذا العقدُ غيرُ جائزٍ أصلًا. 2- التَّعامُلُ بالعُملاتِ: يَتِمُّ التَّعامُلُ بالعُملاتِ في الأسواقِ المنظَّمةِ بإحْدى الطُّرقِ الأربعِ المذكورةِ في التَّعامُلِ بالسِّلَعِ. ولا يَجوزُ شِراءُ العُملاتِ وبَيعُها بالطَّريقَتَين الثَّالثةِ والرَّابعةِ. أمَّا الطَّريقتانِ الأُولى والثَّانيةُ فيَجوزُ فيهما شِراءُ العُملاتِ وبَيعُها، بشَرطِ استيفاءِ شُروطِ الصَّرْفِ المعروفةِ) ((مجلة مَجْمَع الفِقهِ الإسلاميِّ الدولي)) العدد السابع (1/ 615، 616). ، والمَجْمَعِ الفِقهيِّ الإسلاميِّ التَّابعِ لِرابطةِ العالَمِ الإسلاميِّ جاء في قَرار المَجْمَعِ الفِقهيِّ الإسلاميِّ التَّابعِ للرابطةِ قرار رقم: 30 (1/7) حوْلَ سُوقِ الأوراقِ الماليَّةِ والبَضائعِ (البُورصة)؛ ما يَلي: (إنَّ العُقودَ الآجِلةَ بأنواعِها الَّتي تَجْري على المكْشوفِ -أيْ: على الأسهُمِ والسِّلعِ الَّتي ليْست في مِلكِ البائعِ بالكيفيَّةِ الَّتي تَجْري في السُّوقِ الماليَّةِ (البُورصة)- غيرُ جائزةٍ شَرْعًا؛ لأنَّها تَشتمِلُ على بَيْعِ الشَّخصِ ما لا يَملِكُ، اعتمادًا على أنَّه سيَشْترِيه فيما بعْدُ، ويُسلِّمُه في الموْعدِ، وهذا مَنهيٌّ عنه شَرْعًا؛ لِما صحَّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: «لا تَبِعْ ما ليْس عِندَك»، وكذلك ما رواهُ الإمامُ أحمَدُ وأبو داودَ بإسنادٍ صَحيحٍ، عن زَيدِ بنِ ثابتٍ رَضِي اللهُ عنه: «أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى أنْ تُباعَ السِّلَعُ حيث تُبتاعَ، حتَّى يَحُوزَها التُّجَّارُ إلى رِحالِهم) ((قرارات مَجْمَع الفِقهِ الإسلاميِّ بمكة)) (ص: 142). ، وأفتَتْ به اللَّجنةُ الدَّائمةُ في السُّعوديَّةِ جاء في فَتوى اللَّجنةِ الدَّائمةِ ما يَلي: (لا يَجوزُ؛ لِما تَقدَّمَ في جَوابِ السُّؤالِ الأوَّلِ مِن الدَّليلِ على اشتراطِ أنْ تكونَ المعاوَضةُ بيْن النَّقدينِ -الذَّهبِ والفِضَّةِ- وما في حُكمِهما -كورَقِ البَنْكنوتِ- يَدًا بيَدٍ، فتَأخيرُ أحدِهما مِن رِبا النَّسأِ، وهو حَرامٌ مُطلَقًا، سواءٌ تَفاوَتَت قِيمةُ الصَّرْفِ لأجَلٍ عن قِيمتِه عاجِلًا، أمْ لا) ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة)) (13/442). ، وابنُ بازٍ قال ابنُ بازٍ: (أمَّا إذا باع العُملةَ بعُملةٍ أُخرى إلى أجَلٍ؛ كأنْ يَبيعَ الدُّولارَ بالعُملةِ اليَمنيَّةِ إلى أجَلٍ، أو بالجُنيهِ المِصريِّ، أو الإسْترلينيِّ، أو الدِّينارِ الأُردنيِّ، أو العِراقيِّ، إلى أجَلٍ، هذا يكونُ رِبًا؛ لأنَّها مُنزَّلةٌ مَنزِلةَ الذَّهبِ والفِضَّةِ، فلا يَجوزُ بَيعُها بعضِها ببعضٍ مُؤجَّلًا، بلْ لا بُدَّ مِن القبْضِ في المجلِسِ، أمَّا رِبا الفضْلِ فإنَّه يقَعُ بالعُملةِ بنفْسِها إذا باع العُملةَ بالعُملةِ نفْسِها مُتفاضِلًا؛ كأنْ يَبيعَ الجُنيهَ الإسْترلينيَّ بجُنيهٍ إسْترلينيٍّ وزِيادةٍ، كجُنيهٍ إسْترلينيٍّ بجُنَيْهينِ، هذا رِبًا ولو كان يَدًا بيَدٍ، أو يَبيعَ العُملةَ السُّعوديَّةَ؛ عَشَرةَ رِيالاتٍ بأحَدَ عشَرَ رِيالًا، هذا رِبا فضْلٍ، وإذا كان بأجلٍ كان رِبا فضْلٍ ونَسيئةٍ جميعًا؛ فيها نَوْعَا الرِّبا) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (19/174). ، ولَجْنةُ الإفتاءِ بالأُردنِّ جاء في فَتوى لجنةِ الإفتاءِ بالأردنِّ ما يَلي: (القبْضُ الحُكميُّ إنَّما يَقومُ مَقامَ القبْضِ الحَقيقيِّ إنْ تَوافَرَ فيه شَرطانِ: الأوَّلُ: أنْ يَجْريَ العُرفُ التِّجاريُّ العامُّ والقوانينُ الدَّوليَّةُ بقَبولِ هذه الوسائلِ، واعتبارِها قبْضًا تامًّا، فيُراعى في هذا الصَّددِ الأعرافُ الاقتصاديَّةُ والقانونيَّةُ في عَمليَّاتِ القبْضِ ما لم تَتعارَضْ مع قَواعدِ الشَّرعِ... ومِن أمثلةِ ذلك: الإيداعُ، والقيْدُ المَصرِفيُّ، والشِّيكاتُ ذاتُ الرَّصيدِ القابلةِ للسَّحبِ... الثَّاني: ألَّا تَتعارَضَ مع قَواعدِ الشَّرعِ في قبْضِ الأموالِ الرِّبويَّةِ؛ فلا يَجوزُ أنْ يكونَ القبْضُ مُؤجَّلًا أو دَينًا، بلْ يَجِبُ أنْ يكونَ قَبْضًا ناجِزًا) ((الموقع الرسمي للجنة الإفتاء بالأردن - رقم الفتوى 3035)).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لا يَجوزُ شَرعًا البَيْعُ الآجِلُ للعُملاتِ؛ وذلك بدَلالةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ الأُمَّةِ يُنظر: ((مجلة مجمع الفِقه الإسلامي)) العدد الحادي عشر (1/ 613).
ثانيًا: لأنَّ التَّقابُضَ لا يَتِمُّ في مَجلِسِ العقدِ؛ لا حَقيقةً ولا حُكمًا، وهو مِن شُروطِ البَيْعِ في الأصنافِ الرِّبويَّةِ، ومنها الذَّهبُ والفِضَّةُ والعُملاتُ الورَقيَّةُ يُنظر: ((مجلة مَجْمَع الفِقهِ الإسلاميِّ الدولي)) العدد السابع (1/ 615، 616).

انظر أيضا: