الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّالثُ: بَيْعُ الكلْبِ المُرخَّصِ في اقتنائِه ككلْبِ الصَّيدِ والحِراسةِ ونحْوِه، كالكِلابِ البُوليسيَّةِ


اختلَفَ العُلَماءُ في حُكمِ بَيْعِ الكلْبِ المرخَّصِ في اقتنائهِ أمَّا الكلبُ غيرُ المرخَّصِ في اقتنائهِ، فلا يَجوزُ بَيعُه. يُنظر: مسألة بَيعِ الكلْب، في باب: البيوعُ المنهيُّ عنها. على قَولَين:
القَولُ الأوَّلُ: يَحرُمُ بَيْعُ الكلْبِ المرخَّصِ في اقتنائهِ ونصَّ بعضُ أهلِ العِلمِ ممَّن يقولُ بالتَّحريمِ على جَوازِ شِرائهِ للحاجةِ إذا لم يَجِدْ مَن يُعطِيهِ إيَّاه بدونِ بَيعٍ، وإثْمُه يكونُ على بائعهِ؛ قال ابنُ حَزْمٍ: (لا يَحِلُّ بَيعُ كلْبٍ أصلًا؛ لا كلْبِ صَيدٍ، ولا كلْبِ ماشيةٍ، ولا غيرِهما، فإنِ اضطُرَّ إليه ولم يَجِدْ مَن يُعطِيه إيَّاهُ؛ فله ابتياعُه، وهو حِلالٌ للمُشْتري، حَرامٌ على البائعِ يُنتزَعُ منه الثَّمنُ متى قُدِرَ عليه، كالرِّشوةِ في دَفعِ الظُّلمِ، وفِداءِ الأسيرِ، ومُصانَعةِ الظَّالمِ، ولا فرْقَ) ((المحلى)) (7/492). وقال ابنُ عُثَيمين: (الكلْبُ لا يَجوزُ بَيعُه، سواءٌ كان مُعلَّمًا أم غيْرَ مُعلَّمٍ ... فإنْ قيل: حَديثُ جَوازِ اتِّخاذِ (كلْبِ الصَّيدِ والماشيةِ والزَّرعِ)، كيْف يُتَّخَذُ الكلْبُ إذا لم يُشْتَرَ؟ فالجوابُ: يُتَّخَذُ الكلْبُ بأنْ يكونَ هو أَخَذَ مِن الصَّحراءِ كلْبًا فعَلَّمه. فإنْ قيل: إذا لم يَتيسَّرْ ذلك؟ فالجوابُ: وربَّما يَتيسَّرُ؛ فإذا وجَدْتَ كلْبًا عندَ شَخصٍ وقلْتَ أعْطِني، قال: أنا أَصِيدُ به؛ فهو مَعذورٌ، لكنْ إذا كان لا يَصيدُ به فيَجِبُ عليه أنْ يَبذُلَه لك، فإنْ لم يَفعَلْ فلك أنْ تُعطِيَه شيئًا، ويكونُ هو الآثِمَ) ((التعليق على الكافي)) (5/37). ، وهو مَذْهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ -على المشْهورِ- ((الكافي)) لابن عبد البر (2/675)، ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/70)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (5/31). ، والشَّافِعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (9/228)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/234). ، والحَنابِلةِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مُفلِح (3/352)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/154). ، والظَّاهريَّةِ قال ابنُ حَزْمٍ: (لا يَحِلُّ بَيعُ كلْبٍ أصلًا؛ لا كلْبِ صَيدٍ، ولا كلْبِ ماشيةٍ، ولا غيرِهما، فإنِ اضطُرَّ إليه ولم يَجِدْ مَن يُعطِيه إيَّاهُ؛ فله ابتياعُه، وهو حِلالٌ للمُشْتري، حَرامٌ على البائعِ يُنتزَعُ منه الثَّمنُ متى قُدِرَ عليه، كالرِّشوةِ في دَفعِ الظُّلمِ، وفِداءِ الأسيرِ، ومُصانَعةِ الظَّالمِ، ولا فرْقَ) ((المحلى)) (7/492)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامةَ (4/189). ، وهو قَوْلُ بعضِ السَّلفِ قال ابنُ قُدامةَ: (بيْعُ الكلْبِ باطلٌ، وإنْ كان مُعلَّمًا... وبه قال الحسَنُ، ورَبيعةُ، وحمَّادٌ، والأوزاعيُّ، والشَّافعيُّ، وداودُ) ((المغني)) (4/189)، ويُنظر: ((المجموع)) للنووي (9/228).
الأدِلَّةُ:
مِنَ السُّنَّةِ:

1- عن أبي جُحَيفةَ رَضِي اللهُ عنه قال: ((نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ثَمَنِ الكلْبِ وثَمَنِ الدَّمِ، ونَهى عنِ الواشِمةِ والموْشُومةِ، وآكِلِ الرِّبا ومُوكِلِه، ولَعَنَ المصوِّرَ )) أخرجه البخاري (2086).
2 - عن أبي مَسعودٍ الأنصاريِّ رَضِي اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن ثَمنِ الكلْبِ، ومَهرِ البَغيِّ، وحُلْوانِ الكاهنِ )) أخرجه البخاري (2237)، ومسلم (1567).
وَجْهُ الدَّلالةِ مِنَ الحَديثينِ السَّابقينِ:
أنَّه نُهِيَ عن ثمَنِ الكلْبِ مِن غيْرِ تَقييدٍ يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/70).
3- عنِ السَّائبِ بنِ يَزيدَ، حَدَّثني رافعُ بنُ خَديجٍ، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ثمَنُ الكلْبِ خَبيثٌ، ومَهرُ البَغيِّ خَبيثٌ، وكسْبُ الحَجَّامِ خَبيثٌ )) أخرجه مسلم (1586).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
إطلاقُ الخَبيثِ على ثمَنِ الكلْبِ يَقْتضي التَّعميمَ في كُلِّ كلْبٍ، إلَّا أنْ يَثبُتَ تَخصيصُ شَيءٍ منه، ولم يَثبُتْ يُنظر: ((إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام)) (2/ 126).
القَولُ الثَّاني: يَجوزُ بَيْعُ الكلْبِ المرخَّصِ في اقتنائهِ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ الحنَفيَّةُ منهم مَن أجاز بَيْعَه مُطلَقًا المعلَّمِ وغيرِ المُعلَّمِ، ومنْهم مَن خَصَّ الجوازَ بالكلْبِ المعلَّمِ. ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (199/11)، ((تبيين الحقائق)) للزَّيلعي (4/126)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/69، 227)، ((الفتاوى الهندية)) (3/114). ، وقَولٌ للمالِكيَّةِ ((الكافي)) لابن عبد البر (2/675)، ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/70)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (5/31). ، وهو قَوْلُ الحارثيِّ مِنَ الحَنابِلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (4/202). ، وقَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلفِ رُوِي عن جابرٍ رَضِي اللهُ عنه، وعن إبراهيمَ النَّخَعيِّ، وعَطاءِ بنِ أبي رَباحٍ، وإسحاقَ بنِ راهَوَيْه. يُنظر: ((مصنف ابن أبي شيبة)) (4/348)، رقم (20917)، و(20918)، ((الإشراف)) لابن المنذر (4/121)، ((الأوسط)) لابن المنذر (10/25)، ((شرح السنة)) للبَغَوي (8/24). ، واختارهُ الألبانيُّ قال الألبانيُّ: (الثَّالثُ: حمَّادُ بنُ سَلَمةَ عنه بلَفظِ: "نَهى عن ثَمنِ السِّنَّورِ والكلْبِ، إلَّا كلْبَ الصَّيدِ". أخرجه النسائي (2 / 196) وقال عَقِبه: "ليس هو بصَحيحٍ". قلْتُ: كأنَّ النَّسائيَّ يعني زِيادةَ "كلْبَ الصَّيدِ"؛ لتَفرُّدِ حمَّادِ بنِ سَلَمةَ، ومُخالَفتِه للطُّرقِ المتقدِّمةِ، ولغيرِها ممَّا يَأْتي، وللأحاديثِ الأُخرى المحرِّمةِ لثَمنِ الكلْبِ تَحريمًا مُطلَقًا... لكنْ معنى الاستثناءِ صَحيحٌ دِرايةً؛ للأحاديثِ الصَّحيحةِ الَّتي تُبيحُ اقتناءَ كلْبِ الصَّيدِ، وما كان كذلك حلَّ بَيعُه، وحلَّ ثَمنُه كسائرِ الأشياءِ المُباحةِ، كما حقَّقه الإمامُ أبو جَعفرٍ الطَّحاويُّ) ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/1156). وقال: (إنَّ الحديثَ بهذا الاستثناءِ صَحيحٌ، غيرُ بَعيدٍ، قال: "والاستثناءُ زِيادةٌ على أحاديثِ النَّهيِ عن ثَمنِ الكلْبِ، فوَجَبَ قَبولُها. واللهُ أعلَمُ". قلْتُ: وقدْ جاءت آثارٌ عن إبراهيمَ وعَطاءٍ وغيرِهما أنَّه لا بأْسَ بثَمنِ كلْبِ الصَّيدِ، عندَ ابنِ أبي شَيْبةَ) ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/1241).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأجْلِ ما فيه مِنَ النَّفعِ، وكلُّ ما أُبِيحَ الانتفاعُ به جاز بَيْعُه، وأنَّ النَّهيَ إنَّما يَتناوَلُ الكِلابَ الَّتي لا نفْعَ فيها يُنظر: ((حاشية الشِّلْبي على تبيين الحقائق للزَّيْلعي)) (4/125).
ثانيًا: لأنَّه يَجوزُ تَمليكُه بغَيرِ عِوَضٍ بالهِبةِ والوَصيَّةِ، فيَجوزُ تَمليكُه بالعِوَضِ أيضًا يُنظر: ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (11/199، 200)، ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (5/375).
ثالثًا: لأنَّه حَيوانٌ يَجوزُ الاصطيادُ به، فجاز بَيعُه يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (5/375).

انظر أيضا: