الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: الترجيعُ في الأذانِ


يَجوزُ الترجيعُ التَّرجيع في الأذان: أن يَخفِض المؤذِّنُ صوتَه بالشَّهادتين، ثم يَرفَع بهما. يُنظر: ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 56)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (1/236). قال النوويُّ: (والحِكمة في الترجيع أنه يقوله سرًّا بتدبُّر وإخلاص). ((المجموع)) (3/92). في الأذانِ وتَرْكُه، وهو مذهبُ جماعةٍ من المحدِّثين [436] قال النوويُّ: (قد ذهَب جماعة من المحدِّثين وغيرِهم إلى التخييرِ بين فِعْل الترجيعِ وترْكه). ((شرح النووي على مسلم)) (4/81). ، واختيارُ ابن تيميَّة [437] قال ابن تيمية: (الصَّوابُ مذهبُ أهلِ الحديث، ومَن وافَقَهم، وهو تسويغُ كلِّ ما ثبَت في ذلك عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لا يكرهون شيئًا من ذلك؛ إذ تنوُّعُ صفةِ الأذانِ والإقامة، كتنوُّعِ صِفة القِراءاتِ والتشهُّداتِ، ونحو ذلك، وليس لأحدٍ أن يَكرَه ما سَنَّه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأمَّته). ((الفتاوى الكبرى)) (2/42). ، والشوكانيِّ [438] قال الشوكانيُّ: (قال أبو عمر بن عبد البر: ذهَب أحمدُ بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وداودُ بن علي، ومحمد بن جرير الطبريُّ، إلى إجازة القول بكلِّ ما رُوي عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ذلك، وحملوه على الإباحة والتخيير، قالوا: كلُّ ذلك جائزٌ؛ لأنَّه قد ثبَت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جميعُ ذلك، وعمِل به أصحابُه... وهذا الذي قالوه صوابٌ كما قيل في التشهُّدات والتوجُّهات). ((السيل الجرار)) (ص: 125). ، والألبانيِّ  [439] قال الألباني: (والحقُّ أنَّ كلًّا من الطائفتين - الحنفيَّة والشافعيَّة - قد تَعصَّب لمذهَبِه، وردَّ من الحقِّ ما أخذ به مخالِفُه، والعدلُ الأخْذُ بما أخذَا به من الحقِّ جميعًا مما ثبَت في الحديثِ). ((الثمر المستطاب)) (1/208). ، وابنِ عُثَيمين [440] وقال ابنُ عثيمين: (الترجيعُ أن يأتي بالشهادتين سرًّا ثم يأتي بهما جهرًا، وسُمِّي (ترجيعًا)؛ لأنَّه رجَعَ بعد أن قال أشهد أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، أشهد أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله سِرًّا، ثم رجع، فالترجيع ثبَت في أذان أبي مَحذورةَ، وعَدمُه ثبَت في أذان بلالٍ؛ ولهذا قال العلماءُ: إنَّ كلًّا من الترجيع وعدمه سُنَّةٌ؛ فينبغي أن يأتي بالترجيعِ أحيانًا، وبِعَدَمِه أحيانًا). ((تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة-الموقع الرسمي لابن عثيمين)). ومن العلماء مَن جعَل تَرْكَه أفضلَ: قال ابنُ رجب: (وقال أحمدُ، وإسحاقُ، وأبو بكر بن أبي شَيبةَ، وداودُ، وابنُ خُزيمةَ، وغيرُهم: يجوزُ الأمران؛ لصحَّة الأحاديث بهما، والأفضل عندهم ترْكُ الترجيع؛ لأنَّه أذانُ بلال). ((فتح الباري)) (3/414). وقال ابن باز: (الترجيع في كلِّ أذان، وليس في أذانٍ واحد، علَّمه الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا محذورة في مكَّةَ، والترجيع يقول: أشهد أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهد أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله بصوتٍ ليس برفيع، ثم يُعيدها بصوت أرفع، هذا الترجيع يأتي بالشهادتين بصوتٍ ليس بالرفيع جدًّا، ثم يُعيدها بصوت أرفع يُقال له: الترجيع. وأمَّا عدم الترجيع بأنْ يأتي بالشهادتين مِثل أذان الناس اليوم لا يُكرِّر، هذا هو الأفضلُ الذي فعَلَه بلالٌ بين يدَي رسولِ الله في المدينة، حتى تُوفي النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. يُؤذِّن بين يديه بلالٌ بدون ترجيع. أذان الناس اليوم يَكفي؛ هو الأفضل). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/139).
الأدلة من السُّنَّة:
1- عن عبدِ اللهِ بن زيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((لَمَّا أمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالناقوسِ يُعمَلُ ليُضربَ به للناسِ لجَمْعِ الصَّلاة، طافَ بي وأنا نائمٌ رجلٌ يحمِلُ ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبدَ اللهِ، أتبيعُ الناقوسَ؟ قال: وما تَصنَعُ به؟ فقلت: ندعو به إلى الصَّلاةِ، قال: أفلا أدلُّك على ما هو خيرٌ من ذلِك؟ فقلت له: بلى، قال: فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهد أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفَلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إلهَ إلَّا الله، فلمَّا أصبحتُ أتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبرتُه بما رأيتُ، فقال: إنَّها لرؤيا حقٌّ، إن شاء الله؛ فقُمْ مع بلالٍ فأَلْقِ عليه ما رأيتَ، فليُؤذِّن به؛ فإنَّه أندى صوتًا منك، فقمتُ مع بلالٍ، فجعلتُ أُلقيه عليه ويؤذِّن به، قال: فسمِعَ ذلك عمرُ بنُ الخطَّابِ وهو في بيتِه، فخرج يجرُّ رداءَه ويقول: والذي بعَثَك بالحقِّ يا رسول اللهِ، لقد رأيتُ مِثلَ ما رأى! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فلله الحمدُ )) [441] رواه أبو داود (499)، والبيهقي (1/390) (1909) صحَّحه البخاريُّ كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي (1/390)، وصحَّح إسنادَه الخطابيُّ في ((معالم السنن)) (1/130)، وصحَّحه النوويُّ في ((الخلاصة)) (3/76)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/101): له طرقٌ جيِّدةٌ وشاهدٌ. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (499): حسنٌ صحيحٌ. وحسَّنه الوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (567).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ هذا الأذانَ الذي ألقاه على بلالٍ، وأذَّن به مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حضرًا وسفرًا إلى أنْ ماتَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وليس فيه ترجيعٌ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/90).
2- عن أبي مَحْذورةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه: أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علَّمَه هذا الأذانَ: ((اللهُ أكبَرُ الله أكبر، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله، ثم يعود فيقول: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاةِ مَرَّتين، حيَّ على الفلاحِ مرَّتين، زاد إسحاق: اللهُ أكبَرُ، الله أكبَرُ، لا إله إلا اللهُ )) [443] رواه مسلم (379).
وجه الدَّلالة من الحَديثَينِ:
أنَّ كِلا الأمرين صحَّ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجازَ الأخْذُ بكِليهما ((المغني)) لابن قدامة (1/294).

انظر أيضا: