الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّاني: حُكْمُ الاحتِكارِ


الفَرْعُ الأوَّلُ: احتِكارُ قُوتِ الآدَمِيِّ
يَحْرُمُ احتِكارُ قُوتِ النَّاسِ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ صَرَّحَ الحَنفيَّةُ بِكَراهةِ الِاحتِكارِ، وإطلاقُ الكَراهةِ عِندَهم يُحمَلُ على التَّحريمِ، وقَيَّدوه بِأقواتِ الآدَميِّينَ والبَهائِمِ إذا حَصَلَ بِه الضَّرَرُ، فلا يُكرَهُ مَعَ انتِفائِه. ((العناية)) للبابرتي (10/58)، ((البناية)) للعيني (12/209، 210)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/129). ، والمالِكيَّةِ نَصَّ المالِكيَّةُ على أنَّ الِاحتِكارَ يَكونُ في كُلِّ شَيءٍ يَضُرُّ بِالنَّاسِ مِن طَعامٍ أو إدامٍ أو كتَّانٍ أو صُوفٍ أو عُصفُرٍ أو غَيرِه. ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/11، 12)، ((التاج والإكليل)) للمواق (4/380). ، والصَّحيحُ عِندَ الشَّافِعيَّةِ قَيَّدُ الشَّافِعيَّةُ تَحريمَ الِاحتِكارِ بِالأقواتِ، كالتَّمْرِ والزَّبيبِ، وأنَّه لا يَعُمُّ جَميعَ الأطعِمةِ. ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (3/413)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/317). ، والحَنابِلةِ قَيَّد الحَنابِلةُ الِاحتِكارَ في قوتِ الآدَميِّ. ((الفروع)) لابن مفلح (6/179)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/187).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عن مَعمَرِ بنِ عَبدِ اللهِ، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لا يَحتَكِرُ إلَّا خاطِئٌ )) أخرجه مسلم (1605).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّهُ وَصفَ المُحتَكِرَ بأنَّهُ خاطئٌ (أي: عاصٍ)، والمَعصيةُ مُحَرَّمةٌ، فيَكونُ الِاحتِكارُ مُحَرَّمًا ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (11/43)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/129).
ثانيًا: لأنَّه يَتَعَلَّقُ بالسِّلَعِ حَقُّ العامَّةِ، وفي الِامتِناعِ عنِ البَيعِ إبطالُ حَقِّهم وتَضييقُ الأمرِ عليهم ((البناية)) للعيني (12/211).
ثالِثًا: أنَّه مِن بابِ الظُّلمِ؛ لأنَّ ما بِيعَ في المِصرِ فقد تَعَلَّقَ به حَقُّ العامَّةِ، فإذا امتَنَعَ المُشتَري عن بَيعِه عِندَ شِدَّةِ حاجَتِهم إليه فقد مَنعَهم حَقَّهم، ومَنعُ الحَقِّ عنِ المُستَحِقِّ ظُلمٌ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/129).
الفَرْعُ الثَّاني: احتِكارُ كُلِّ ما يَضُرُّ العامَّةَ قُوتًا كان أو لِباسًا أو غَيْرَهما
يَحْرُمُ احتِكارُ كُلِّ ما يَضُرُّ بالعامَّةِ، قوتًا كانَ أو لباسًا أو غَيرَهما، وهو مَذْهَبُ المالِكيَّةِ ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/11، 12)، ((التاج والإكليل)) للمواق (4/380). ، وأبي يُوسُفَ مِنَ الحَنَفيَّةِ ((الهداية)) للمرغيناني (4/377)، ((تبيين الحقائق)) للزَّيلعي (6/27). ، وقَولٌ عند الحَنابِلةِ ((الفروع)) لابن مفلح (6/179)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/244). ، واختاره ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حَزْمٍ: (الحُكْرةُ المُضِرَّةُ بِالنَّاسِ حَرامٌ، سَواءٌ في الِابتياعِ أو في إمساكِ ما ابتاعَ، ويُمنَعُ مِن ذلك) ((المحلى)) (7/572). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (لا يَجوزُ الِاحتِكارُ في الأطعِمةِ ولا نَحوِها على الصَّحيحِ مِمَّا يَضُرُّ المُسلِمينَ، الَّذي مَثَلًا يَحجُزُ السِّلَعُ الَّتي يَحتاجُها المُسْلمونَ مِن طَعامٍ أو غَيرِه مِمَّا يَحتاجُه النَّاسُ حَتَّى يَغلوَ ثَمنُها، وحَتَّى يَرتَفِعَ وحَتَّى يَبيعَ على النَّاسِ بِثَمَنٍ مُرتَفِعٍ، هَذا لا يَجوزُ لا في السُّوقِ السَّوداءِ ولا في غَيرِ السَّوداءِ، لا يَجوزُ لِلمُسلِمِ أن يَحتَكِرَ ما يَضُرُّ المُسلِمينَ احتِكارُه؛ حَتَّى يَبيعَه في الغَلاءِ... وبَعضُ أهْلِ العِلمِ قَيَّدَ هَذا بِالطَّعامِ، والصَّوابُ أنَّه لا يَتَقَيَّدُ بِالطَّعامِ، بل كُلُّ شَيءٍ احتِكارُه يَضُرُّ المُسلِمينَ، فإنَّه يُمنَعُ احتِكارُه) ((فتاوى نور على الدرب)) (19/85، 86). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (ظاهِرُ الحَديثِ عُمومُ الِاحتِكارِ في كُلِّ شَيءٍ، وقَيَّده بعضُ أهْلِ العِلمِ بِالأشياءِ الَّتي تَكونُ ضَروريَّةً يَضُرُّ النَّاسَ احتِكارُها، أمَّا الأشياءُ الَّتي لَيسَت ضَروريَّةً فإنَّ لِلإنسانِ أن يَحتَكِرَها كالأمورِ الكَماليَّةِ، والصَّوابُ: العُمومُ؛ لِأنَّ الكَماليَّاتِ والضَّروريَّاتِ أمرُها نِسبيٌّ، فقَد يَكونُ هَذا الشَّيءُ كماليًّا عِندَ قَومٍ، ضَروريًّا عند آخَرِينَ، ولا يُمكِنُ انضِباطُ هَذا الشَّيءِ. فنَقولُ: كُلُّ شَيءٍ يَحتَكِرُه الإنسانُ مِمَّا يُباعُ في الأسواقِ، فإنَّه يُعتَبَرُ خاطِئًا) ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (3/596). ، وبه أفتَتِ اللَّجْنةُ الدَّائِمةُ وجاءَ في فتوى اللَّجْنةِ الدَّائِمةِ: (لا يَجوزُ تَخزينُ شَيءٍ النَّاسُ في حاجةٍ إلَيه، ويُسَمَّى: الِاحتِكارَ؛ لِقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا يَحتَكِرُ إلَّا خاطِئٌ» رواه أحمَدُ ومُسلِمٌ وأبو داوُدَ والنَّسائيُّ وابنُ ماجَهْ، ولِما في ذلك مِنَ الإضرارِ بِالمُسلِمينَ) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (13/184).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عن مَعمَرِ بنِ عَبدِ اللهِ، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لا يَحتَكِرُ إلَّا خاطِئٌ )) أخرجه مسلم (1605).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الحديثَ أطلق تحريمَ الاحتكارِ في أيِّ شَيءٍ ولم يقيِّدْ ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (3/597).
ثانيًا: حُصولُ الضَّرَرِ باحتِكارِ ما يَضُرُّ بالعامَّةِ ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (6/27).

انظر أيضا: