الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ السَّابعُ: عَقْدُ التأميناتِ


الفَرْعُ الأوَّلُ: تَعْريفُ التأمينِ لُغةً واصطِلاحًا
التَّأمينُ لُغةً: بَعْثُ الأمنِ والطُّمَأنينةِ في النَّفسِ، والأمنُ ضِدُّ الخَوفِ ينظر: ((المفردات لغريب القرآن)) للراغب الأصفهاني (ص: 90)، ((أبحاث هيئة كبار العُلَماء)) (4/71)، ((معجم لغة الفقهاء)) لمحمد قلعجي وحامد قنيبي (ص: 119).
واصطِلاحًا: عَقْدٌ يَلتَزِمُ المُؤمِّنُ بمُقتَضاهُ أن يُؤَدِّيَ إلى المُؤمَّنِ لهُ أوِ المُستَفيدِ الَّذي اشتَرَطَ التَّأمينَ لصالِحِه مَبلَغًا مِنَ المالِ، أو إيرادًا مُرَتَّبًا، أو أيَّ عِوَضٍ ماليٍّ آخَرَ في حالةِ وُقوعِ الحادِثِ، أو تَحَقُّقِ الخَطَرِ المُبَيَّنِ في العَقْدِ، وذلك في نَظيرِ قِسْطٍ أو أيَّةِ دُفعةٍ ماليَّةٍ أُخرى يُؤَدِّيها المُؤَمَّنُ لهُ للمُؤَمِّنِ ينظر: ((أبحاث هيئة كبار العُلَماء)) (4/71)، ((معجم لغة الفقهاء)) لمحمد قلعجي وحامد قنيبي (ص: 119).
الفَرْعُ الثَّاني: التأمينُ التِّجاريُّ
المَسألةُ الأُولى: تَعْريفُ التأمينِ التِّجاريِّ
التَّأمينُ التِّجاريُّ عَقْدُ مُعاوَضةٍ يَستَهدِفُ الرِّبحَ مِنَ المُعاوَضةِ على نَقلِ المَخاطِرِ مِنَ المُؤمِّنِ إلى شَرِكةِ التَّأمينِ ((قرارات المجمع الفقهي الإسلامي)) (ص 36). والتَّأمينُ التِّجاريُّ أنواعٌ: التَّأمينُ على المُمتَلَكاتِ، كالتَّأمينِ على السَّيَّاراتِ، والتَّأمينُ الصِّحِّيُّ، والتَّأمينُ على المَسؤوليَّةِ، والتَّأمينُ ضِدَّ الإصاباتِ، والتَّأمينُ على الحَياةِ...إلخ.                                                                                       
المَسألةُ الثَّانيةُ: حُكْمُ التأمينِ التِّجاريِّ
يَحرُمُ التَّأمينُ التِّجاريُّ في الجُملةِ، وهو ما قَرَّرَهُ مَجمَعُ الفِقْهِ الإسلاميِّ [1157] قَرار رَقم: 9 (9/2) بِشَأنِ التَّأمينِ وإعادةِ التَّأمينِ. إنَّ مَجْلِسَ مَجْمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ الدَّوليِّ المُنبَثِقِ عَن مُنَظَّمةِ المُؤتَمَرِ الإسلاميِّ في دَورةِ انعِقادِ مُؤتَمَره الثَّاني بِجُدَّةَ مِن 10 – 16 ربيع الآخر 1406هـ، الموافِق 22 – 28 كانون الأوَّل (ديسمبِر) 1985م، وفيه: (وبَعدَ النَّظَرِ فيما صَدَرَ عَنِ المَجامِعِ الفِقْهيَّةِ والهَيئاتِ العِلميَّةِ بِهَذا الشَّأنِ، قَرَّرَ ما يَلي: أوَّلًا: أنَّ عَقْدَ التَّأمينِ التِّجاريِّ ذي القِسطِ الثَّابِتِ الَّذي تَتَعامَلُ بِه شَرِكاتُ التَّأمينِ التِّجاريِّ عَقْدٌ فيه غَرَرٌ كبيرٌ مُفْسِدٌ لِلعَقْدِ. ولِذا فهوَ حَرامٌ شَرعًا. ثانيًا: أنَّ العَقْدَ البَديلَ الَّذي يَحتَرِمُ أُصولَ التَّعامُلِ الإسلاميِّ هوَ عَقْدُ التَّأمينِ التَّعاوُنيِّ القائِمِ على أساسِ التَّبَرُّعِ والتَّعاوُنِ، وكَذلك الحالُ بِالنِّسبةِ لِإعادةِ التَّأمينِ القائِمِ على أساسِ التَّأمينِ التَّعاوُنيِّ) ((مَجَلةِ مَجْمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ)) العَدَدُ الثَّاني (2/ 731). ، والمَجْمَعُ الفِقْهيُّ الإسلاميُّ التَّابِعُ لرابِطةِ العالَمِ الإسلاميِّ جاءَ في قَرارِ المَجْمَعِ الفِقْهيِّ الإسلاميِّ، القَرار الخامِس: التَّأمينُ بِشَتَّى صُوَرِه وأشكالِه.الحَمدُ لِلَّهِ والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسولِ اللهِ وعلى آلِه وصَحبِه، أمَّا بعدُ: فإنَّ مَجْمَعَ الفِقْهِ الإسلاميِّ قَد نَظَرَ في مَوضوعِ التَّأمينِ بِأنواعِه المُختَلِفةِ، بعدَ ما اطَّلَعَ على كثيرٍ مِمَّا كتَبَه العُلَماءُ في ذلك، وبَعدَ ما اطَّلَعَ أيضًا على ما قَرَّرَه مَجْلِسُ هَيئةِ كِبارِ العُلَماءِ في المَملَكةِ العَرَبيَّةِ السُّعوديَّةِ في دَورَتِه العاشِرةِ المُنعَقِدةِ بِمَدينةِ الرِّياضِ بِتاريخِ 4/4/ 1397هـ مِنَ التَّحريمِ لِلتَّأمينِ بِأنواعِه. وبَعدَ الدِّراسةِ الوافيةِ وتَداوُلِ الرَّأيِ في ذلك، قَرَّرَ المَجْلِسُ بِالأكثَريَّةِ: تَحريمَ التَّأمينِ بِجَميعِ أنواعِه، سَواءٌ كانَ على النَّفسِ، أوِ البَضائِعِ التِّجاريَّةِ، أو غَيرِ ذلك مِنَ الأموالِ. كما قَرَّرَ مَجْلِسُ المَجْمَعِ بِالإجماعِ الموافَقةَ على قَرارِ مَجْلِسِ هَيئةِ كِبارِ العُلَماءِ مِن جَوازِ التَّأمينِ التَّعاوُنيِّ بدَلًا مِنَ التَّأمينِ التِّجاريِّ المُحَرَّمِ، والمُنَوَّهِ عَنه آنِفًا، وعَهِدَ بِصياغةِ القَرارِ إلَى لَجنةٍ خاصَّةٍ) ((قرارات المجمع الفقهي الإسلامي)) (ص 35)، الدورة الأولى، القرار الخامس. ، وهَيئةُ كِبارِ العُلَماءِ بالسُّعوديَّةِ جاءَ في قَراراتِ هَيئةِ كِبارِ العُلَماءِ ما يَلي: (قَرَّرَ المَجْلِسُ بِالأكثَريَّةِ: أنَّ التَّأمينَ التِّجاريَّ مُحَرَّمٌ؛ لِلأدِلَّةِ الآتيةِ: الأولَى: عَقْدُ التَّأمينِ التِّجاريِّ مِن عُقودِ المُعاوَضاتِ الماليَّةِ الِاحتِماليَّةِ المُشتَمِلةِ على الغَرَرِ الفاحِشِ؛ لِأنَّ المُستَأمِنَ لا يَستَطيعُ أن يَعرِفَ وقتَ العَقْدِ مِقدارَ ما يُعطي أو يَأخُذُ، فقَد يَدفَعُ قِسطًا أو قِسطَينِ ثُمَّ تَقَعُ الكارِثةُ فيَستَحِقُّ ما التَزَمُ بِه المُؤمِّنِ، وقَد لا تَقَعُ الكارِثةُ أصلًا فيَدفَعُ جَميعَ الأقساطِ ولا يَأخُذُ شَيئًا، وكَذلك المُؤمِّنُ لا يَستَطيعُ أن يُحَدِّدَ ما يُعطي ويَأخُذُ بِالنِّسبةِ لِكُلِّ عَقْدٍ بِمُفرَدِه، وقَد ورَدَ في الحَديثِ الصَّحيحِ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّهيُ عَن بيعِ الغَرَرِ. الثَّاني: عَقْدُ التَّأمينِ التِّجاريِّ ضَرْبٌ مِن ضُروبِ المُقامَرةِ؛ لِما فيه مِنَ المُخاطَرةِ في مُعاوَضاتٍ ماليَّةٍ ومِنَ الغُرْمِ بِلا جِنايةٍ أو تَسَبُّبٍ فيها، ومِنَ الغُنْمِ بِلا مُقابِلٍ أو مُقابِلٍ غَيرِ مُكافِئٍ، فإنَّ المُستَأمِنَ قَد يَدفَعُ قِسطًا مِنَ التَّأمينِ ثُمَّ يَقَعُ الحادِثُ فيَغرَمُ المُؤمِّنُ كُلَّ مَبلَغِ التَّأمينِ، وقَد لا يَقَعُ الخَطَرُ ومَعَ ذلك يَغنَمُ المُؤمِّنَ أقساطَ التَّأمينِ بِلا مُقابِلٍ، وإذا استَحكَمتْ فيه الجَهالةُ كانَ قِمارًا ودَخلَ في عُمومِ النَّهيِ عَنِ الميسِرِ في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ والآية بعدها) ((أبحاث هيئة كبار العُلَماء)) (4/308). ، واللَّجنةُ الدَّائِمةُ في السُّعوديَّةِ جاءَ في فتوى اللَّجْنةِ الدَّائِمةِ: (شِراؤُكَ السَّيَّارةَ بِالأقساطِ جائِزٌ إذا كانَتِ السَّيَّارةُ مَعلومةً، والثَّمنُ مَعلومٌ، وكُلُّ قِسْطٍ مَعَ أجلِه مَعلومًا، أمَّا التَّأمينُ على السَّيَّارةِ فمُحرَّمٌ، وكَذا التَّأمينُ على الحَياةِ وعلى الأعضاءِ وعلى البِضاعةِ، وسائِرُ أنواعِ التَّأمينِ التِّجاريِّ؛ لِما في ذلك مِنَ الغَرَرِ والمُقامَرةِ، وأكْلِ الأموالِ بِالباطِلِ) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (13/157). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (...وأفيدُكُم بِأنَّ ما ذَكَرتُموه يُعتَبَرُ مِن صوَرِ التَّأمينِ التِّجاريِّ، وقَد صَدَرَ مِنَ اللَّجْنةِ الدَّائِمةِ لِلبُحوثِ العِلميَّةِ والإفتاءِ فتوى في تَحريمِ ذلك، نَشفَعُ لَكُم صورةً مِنها، وفيه الكِفايةُ إن شاءَ الله) ((مَجموع فتاوَى ابن باز)) (19/313)، وقال: (نَعَم، صَدرَ مِن هَيئةِ كِبارِ العُلَماءِ قَرارٌ بِجَوازِ التَّأمينِ التَّعاوُنيِّ، وتَحريمِ التَّأمينِ التِّجاريِّ، وأنا أشرَحُ لِلمُستَمِعِ حَقيقةَ هَذا وهَذا، فالَّذي صَدَرَ مِنَ المَجْلِسِ جَوازُه هوَ التَّأمينُ التَّعاوُنيُّ) ((فتاوى نور على الدرب)) (19/211). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (أمَّا بِالنِّسبةِ لِلتَّأمينِ فإنَّه حَرامٌ سَواءٌ على السَّيَّارةِ، أو على المالِ، أو على السَّيَّارةِ والمالِ، أو ضِدَّ الغَيرِ، كُلُّه حَرامٌ، كُلُّه ميسِرٌ، قال الله عَزَّ وجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائِدةُ:90] ، فقَرنَ اللهُ المَيسِرَ بِالخَمْرِ والأنصابِ والأزلامِ، والتَّأمينُ مِنَ الميسِرِ، وقَد لَبَّسَ بعضُ النَّاسِ على دارِ الإفتاءِ في المَملَكةِ العَرَبيَّةِ السُّعوديَّةِ أنَّها تُجيزُ التَّأمينَ التِّجاريَّ كالَّذي أرادَه السَّائِلُ، وأصدَرَت لجنةُ الإفتاءِ وعلى رَأسِها سَماحةُ الشَّيخِ/ عَبد العَزيزِ بن باز بيانًا بِأنَّ هَذا كذِبٌ على اللَّجنةِ، وأنَّ اللَّجنةَ إنَّما تُجيزُ التَّأمينَ التَّعاوُنيَّ، بِمَعنَى: أن يُجعَلَ صُندوقٌ بينَ العائِلةِ توضَعُ فيه دَراهِمُ، ومَن حَصَلَ عليه حادِثٌ أعانوه مِنه، ولا يَرجِعُ إلَيه شَيءٌ، وأنَّ هَذا الَّذي نُسِبَ إلَى هَيئةِ كِبارِ العُلَماءِ تَلبيسٌ ودَجَلٌ) ((اللقاء الشهري)) (اللقاء رقم 59).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ عَقْدَ التَّأمينِ التِّجاريِّ مِن عُقودِ المُعاوَضاتِ الماليَّةِ الِاحتِماليَّةِ المُشتَمِلةِ على الغَرَرِ الفاحِشِ؛ لأنَّ المُستَأمِنَ لا يَستَطيعُ أن يَعرِفَ وقتَ العَقْدِ مِقدارَ ما يُعطي أو يَأخُذُ، فقد يَدفَعُ قِسطًا أو قِسطَينِ، ثُمَّ تَقَعُ الكارِثةُ فيَستَحِقُّ ما التَزَمُ به المُؤمِّنُ، وقد لا تَقَعُ الكارِثةُ أصلًا فيَدفَعُ جَميعَ الأقساطِ ولا يَأخُذُ شَيئًا، وكَذلك المُؤمِّنُ لا يَستَطيعُ أن يُحَدِّدَ ما يُعطي ويَأخُذُ بالنِّسبةِ لكُلِّ عَقْدٍ بمُفرَدِه، وقد ورَدَ في الحَديثِ الصَّحيحِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّهيُ عن بَيعِ الغَرَرِ ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (15/246).
ثانيًا: لأنَّ عَقْدَ التأمينِ التِّجاريِّ ضَرْبٌ مِن ضُروبِ المُقامَرةِ؛ لِما فيه من المخاطَرةِ في مُعاوَضاتٍ ماليَّةٍ، ومِنَ الغُرْمِ بلا جِنايةٍ أو تَسَبُّبٍ فيها، ومِنَ الغُنْمِ بلا مُقابِلٍ أو مُقابِلٍ غَيرِ مُكافئٍ، فإنَّ المُستَأمِنَ قد يَدفَعُ قِسطًا مِنَ التَّأمينِ، ثُمَّ يَقَعُ الحادِثُ، فيَغرَمُ المُؤمِّنُ كُلَّ مَبلَغِ التَّأمينِ، وقد لا يَقَعُ الخَطَرُ، ومَعَ ذلك يَغنَمُ المُؤَمِّنُ أقساطَ التَّأمينِ بلا مُقابِلٍ، وإذا استَحكَمَت في الجَهالةِ كانَ قِمارًا، ودَخلَ في عُمومِ النَّهيِ عنِ المَيْسِرِ في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ المائدة: 90 ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (15/246).
ثالِثًا: لأنَّ عَقْدَ التَّأمينِ التِّجاريِّ يَشتَمِلُ على رِبَا الفَضلِ والنَّسأِ؛ فإنَّ الشَّرِكةَ إذا دَفَعَت للمُستَأمِنِ أو لوَرَثَتِه أو للمُستَفيدِ أكثَرَ مِمَّا دَفَعَه مِنَ النُّقودِ لها فهو رِبا فَضْلٍ، والمُؤمِّنُ يَدفَعُ ذلك للمُستَأمِنِ بَعدَ مُدَّةِ العَقْدِ، فيَكونُ رِبَا نَسأٍ، وإذا دَفَعَتِ الشَّرِكةُ للمُستَأمِنِ مِثلَما دَفَعَه لها يُكونُ رِبَا نَسأٍ فقَط، وكِلاهُما مُحرَّمٌ بالنَّصِّ والإجماعِ ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (15/247).
رابعًا: عَقْدُ التَّأمينِ التِّجاريِّ مِنَ الرِّهانِ المُحَرَّمِ؛ لأنَّ كُلًّا مِنهُما فيه جَهالةٌ وغَرَرٌ ومُقامَرةٌ، ولَم يُبِحِ الشَّرعُ مِنَ الرِّهانِ إلَّا ما فيه نُصرةٌ للإسلامِ، وظُهورٌ لأعلامِه بالحُجَّةِ والسِّنانِ، وقد حَصَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رُخصةَ الرِّهانِ بعِوَضٍ في ثَلاثةٍ، بقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا سَبَقَ إلَّا في خُفٍّ أو حافِرٍ أو نَصْلٍ ))، ولَيسَ التَّأمينُ مِن ذلك ولا شَبيهًا به، فكانَ مُحَرَّمًا ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (15/247).
خامسًا: عَقْدُ التَّأمينِ التِّجاريِّ فيه أخذُ مالِ الغَيرِ بلا مُقابِلٍ، والأخْذُ بلا مُقابِلٍ في عُقودِ المُعاوَضاتِ التِّجاريَّةِ مُحَرَّمٌ؛ لدُخولِه في عُمومِ النَّهيِ في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ النساء: 29 ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (15/247).
المَسألةُ الثَّالِثةُ: عُقودُ التأمينِ التِّجاريِ خارِجَ دِيارِ الإسلامِ
لا تَجوزُ عُقودُ التَّأمينِ التِّجاريِّ ولَو كانَت خارِجَ ديارِ الإسلامِ، وهو ما قَرَّرَه مَجمَعُ فُقَهاءِ الشَّريعةِ بأمريكا جاء في قرارِ مَجمَعِ فُقَهاءِ الشَّريعةِ بأمريكا المُنعَقِدِ في دورةِ مُؤتَمَرِه الثاني في مدينةِ كوبنهاجن بدولة الدنمارك من 4: 7 جمادى الأولَى سنة 1425 ه الموافِق 22: 25 مِن شَهرِ يونيو عام 2004 م، وفيه: (تُجرى مُمارَسةُ التَّأمينِ خارِجَ ديارِ الإسلامِ بِأسلوبِ التَّأمينِ التِّجاريِّ الَّذي يَرَى جُمهورُ الفُقَهاءِ المُعاصِرينَ عَدَمَ جَوازِه شَرعًا). ، واللَّجْنةُ الدَّائِمةُ في السُّعوديَّةِ جاءَ في فتوى اللَّجْنةِ الدَّائِمةِ: (لا يَجوزُ لِلمُسلِمِ أن يُؤمِّنَ على نَفسِه ضِدَّ المَرَضِ، سَواءٌ كانَ في بِلادٍ إسلاميَّةٍ أم في بِلادِ الكُفَّارِ؛ لِما في ذلك مِنَ الغَرَرِ الفاحِشِ والمُقامَرةِ. ب- لا يَجوزُ أن يُؤمِّنَ المُسلِمُ على النَّفسِ أو على أعضاءِ الجَسدِ كُلًّا أو بعضًا، أو على المالِ أوِ المُمتَلَكاتِ أوِ السَّيَّارةِ أو نَحوِ ذلك، سَواءٌ كانَ ذلك في بِلادِ الإسلامِ أم بِلادِ الكُفَّارِ؛ لِأنَّ ذلك مِن أنواعِ التَّأمينِ التِّجاريِّ، وهوَ مُحَرَّمٌ لِاشتِمالِه على الغَرَرِ الفاحِشِ والمُقامَرةِ) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (15/297). ؛ وذلك لِما فيه من الغَرَرِ الفاحِشِ والمُقامَرةِ ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (15/297).
الفَرْعُ الثَّاني: التأمينُ التَّعاوُنيُّ
المَسألةُ الأُولى: تَعْريفُ التأمينِ التَّعاونيِّ
التَّأمينُ التَّعاوُنيُّ الإسلاميُّ تعاوُنٌ بَينَ مَجموعةٍ أو عِدَّةِ مَجموعاتٍ مِن أفرادِ المُجتَمَعِ مِن خِلالِ الِاشتِراكِ في تَحَمُّلِ المَخاطِرِ، ولا يَهدِفُ إلى الرِّبحِ؛ لذلك فلا يُعَدُّ مِن عُقودِ المُعاوَضةِ.
 ويُطلَقُ على هَذا النَّوعِ مِنَ التَّأمينِ مُصطَلَحاتٌ مُتَعَدِّدةٌ؛ مِنها: التَّأمينُ التَّعاوُنيُّ، والتَّأمينُ التَّكافُليُّ، والتَّأمينُ التَّبادُليُّ، والتَّأمينُ الإسلاميُّ قرار رقم: 200 (6/ 21) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) العدد الحادي والعشرون (ص: 1128).
المَسألةُ الثَّانيةُ: حُكْمُ التأمينِ التَّعاوُنيِّ
يَجوزُ التَّأمينُ التَّعاوُنيُّ، نَصَّ عليه قَرارُ مَجمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ التَّابِعِ لمُنَظَّمةِ المُؤتَمَرِ الإسلاميِّ جاءَ في قَرار رَقم: 9 (9/2) بِشَأنِ التَّأمينِ وإعادةِ التَّأمينِ: إنَّ مَجْلِسَ مَجْمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ الدَّوليِّ المُنبَثِقِ عَن مُنَظَّمةِ المُؤتَمَرِ الإسلاميِّ في دَورةِ انعِقادِ مُؤتَمَرِه الثَّاني بِجُدَّةَ مِن 10 – 16 ربيع الآخر 1406هـ، الموافِق 22 – 28 كانون الأوَّلِ (ديسَمبر) 1985م، وفيه: (وبَعدَ النَّظَرِ فيما صَدَرَ عَنِ المَجامِعِ الفِقْهيَّةِ والهَيئاتِ العِلميَّةِ بِهَذا الشَّأنِ، قَرَّرَ ما يَلي: أوَّلًا: أنَّ عَقْدَ التَّأمينِ التِّجاريِّ ذي القِسطِ الثَّابِتِ الَّذي تَتَعامَلُ بِه شَرِكاتُ التَّأمينِ التِّجاريِّ عَقْدٌ فيه غَرَرٌ كبيرٌ مُفْسِدٌ لِلعَقْدِ؛ ولِذا فهوَ حَرامٌ شَرعًا. ثانيًا: أنَّ العَقْدَ البَديلَ الَّذي يَحتَرِمُ أصولَ التَّعامُلِ الإسلاميِّ هوَ عَقْدُ التَّأمينِ التَّعاوُنيِّ القائِمِ على أساسِ التَّبَرُّعِ والتَّعاوُنِ، وكَذلك الحالُ بِالنِّسبةِ لِإعادةِ التَّأمينِ القائِمِ على أساسِ التَّأمينِ التَّعاوُنيِّ) ((موقع مجلة مجمع الفقه)). ، والمَجمَعُ الفِقْهيُّ الإسلاميُّ التَّابِعُ لرابِطةِ العالَمِ الإسلاميِّ جاءَ في قَرارِ المَجْمَعِ الفِقْهيِّ الإسلاميِّ، القَرار الخامِس: التَّأمينُ بِشَتَّى صُوَرِه وأشكالِه.الحَمدُ لِلَّهِ والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسولِ اللهِ وعلى آلِه وصَحبِه، أمَّا بعدُ: فإنَّ مَجْمَعَ الفِقْهِ الإسلاميِّ قَد نَظَرَ في مَوضوعِ التَّأمينِ بِأنواعِه المُختَلِفةِ، بعدَ ما اطَّلَعَ على كثيرٍ مِمَّا كتَبَه العُلَماءُ في ذلك، وبَعدَ ما اطَّلَعَ أيضًا على ما قَرَّرَه مَجْلِسُ هَيئةِ كِبارِ العُلَماءِ في المَملَكةِ العَرَبيَّةِ السُّعوديَّةِ في دَورَتِه العاشِرةِ المُنعَقِدةِ بِمَدينةِ الرِّياضِ بِتاريخِ 4/4/ 1397هـ مِنَ التَّحريمِ لِلتَّأمينِ بِأنواعِه. وبَعدَ الدِّراسةِ الوافيةِ وتَداوُلِ الرَّأيِ في ذلك، قَرَّرَ المَجْلِسُ بِالأكثَريَّةِ: تَحريمَ التَّأمينِ بِجَميعِ أنواعِه، سَواءٌ كانَ على النَّفسِ، أوِ البَضائِعِ التِّجاريَّةِ، أو غَيرِ ذلك مِنَ الأموالِ. كما قَرَّرَ مَجْلِسُ المَجْمَعِ بِالإجماعِ الموافَقةَ على قَرارِ مَجْلِسِ هَيئةِ كِبارِ العُلَماءِ مِن جَوازِ التَّأمينِ التَّعاوُنيِّ بدَلًا مِنَ التَّأمينِ التِّجاريِّ المُحَرَّمِ، والمُنَوَّهِ عَنه آنِفًا، وعَهِدَ بِصياغةِ القَرارِ إلَى لَجنةٍ خاصَّةٍ) ((قرارات المجمع الفقهي الإسلامي)) (ص 35)، الدورة الأولى، القرار الخامس. ، ومَجمَعُ البُحوثِ الإسلاميَّةِ بالأزهَرِ من قرارات المؤتَمَر الثَّاني لمجمَعِ البُحوثِ الإسلاميَّة، سنة 1385ه. نقلًا عن ((وثائق النوازل)) للجيزاني (2/1148). ، والمَجْلِسُ الأوروبيُّ للإفتاءِ والبُحوثِ قرار رقم 83 (1/19)، نقلًا عن ((وثائق النوازل)) للجيزاني (2/1203). ، واللَّجْنةُ الدَّائِمةُ في السُّعوديَّةِ جاءَ في فتوى اللَّجْنةِ الدَّائِمةِ: (التَّأمينُ التِّجاريُّ بِجَميعِ أنواعِه حَرامٌ؛ لِما يَشتَمِلُ عليه مِنَ المَحاذيرِ، كالرِّبا والغَرَرِ وأكْلِ أموالِ النَّاسِ بِالباطِلِ، ولَيسَ هوَ مِنَ التَّأمينِ التَّعاوُنيِّ الَّذي أجازَته هَيئةُ كِبارِ العُلَماءِ؛ لِأنَّ التَّأمينَ لا يَعودُ مِنه شَيءٌ على المُشتَرِكينَ، ولا يَقصِدُ المُشتَرِكُ أن يَستَثمِرَ ما يَدفَعُه، وإنَّما يَقصِدُ إعانةَ المُحتاجينَ والمَلهوفِينَ. أمَّا التَّأمينُ التِّجاريُّ فيَقصِدُ بِه المُشتَرِكونَ الِاستِثمارَ وعَودةَ الفَوائِدِ والأرباحِ إلَيهم مِمَّا تَحصُلُ عليه الشَّرِكةُ، فالخَلطُ بينَ هَذا وهَذا مِنَ التَّلبيسِ على النَّاسِ لِأخذِ أموالِهم، ومِنَ الكَذِبِ على أهلِ العِلمِ، فالواجِبُ التَّنَبُّهُ لِهذه الحِيَلِ الباطِلةِ. وبِالله التَّوفيقُ، وصَلَّى اللهُ على نَبَيِّنا مُحَمَّدٍ وآلِه وصَحبِه وسَلَّمَ) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (15/266). ، وذلك لأنَّ التَّأمينَ التَّعاوُنيَّ لا يَعودُ مِنهُ شَيءٌ على المُشتَرِكينَ، ولا يَقصِدُ المُشتَرِكُ أن يَستَثمِرَ ما يَدفَعُه، وإنَّما يَقصِدُ إعانةَ المُحتاجينَ والمَلهوفِينَ ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (15/266).

انظر أيضا: